نتحاور بمقاييس العصر وحجم الوطن

بقلم  / متكل أبيت نالاي    

اليوم نريد أن نتحدث باعتبار الوطن دائرة واحدة الكل ينخرط فيها ويخلص لها, كما نسعى أن نجتاز مظاهر العسكرة والطغيان والأجهزة الأمنية بالتسامح والحرية وبالاعتراف بالقانون, ملتزمين بمبدأ التعدد والتنوع المفضي إلى الوحدة الصلبة.

 فليكن المطلوب قيام دولة وطنية متعددة الأحزاب تسندها قيم الحرية والتسامح وحقوق الإنسان, فالاختلافات الفكرية والثقافية والسياسية لا تدار بعقلية الإقصاء والنفي, لأنها لا تنهي الاختلافات, بل تشحنها بدلالات ورموز خطيرة على مستوى العلاقات الاجتماعية والإنسانية في البلاد. فالوحدة في المجتمعات الإنسانية لا تنجز إلا على قاعدة التنمية والتعاون والتسامح والإدارة الواعية للأهداف المنشودة.

 ومن هنا تكون رغبتنا هي زيادة كفاءة القرار الإرتري, وهو عمل واسع, ولكن يساعدنا في حصول على أفضل النتائج للحقائق الإرترية, لهذا علينا أن نجرب ممارسة سياسية جماعية مشتركة تنظم حياتنا الإرترية المتنوعة.

فأن مفهوم الوحدة, لا يمكن اكتشافه ألا من خلال منظور الاختلاف. وذلك لأن الاختلاف جزء أصيل من منظومة الوعي الذاتي. كما إنه (الاختلاف) هو الذي يثري مضمون الوحدة ويمدها بأسباب الحيوية والفعالية, فالاختلاف وفق هذا المنظور ضرورة لما له من وظيفة في بلورة معنى الوحدة والهوية الحضارية للأمة.

 لهذا نحن في حاجة إلى فعل مؤسساتي يسند في كل أموره, على رعاية الاختلاف ومحاربة كل نزعات الاستفراد التي لا تفضي إلا لمزيد من التدهور والدمار.

أن أخطر التجاوزات على الإطلاق ,هي تلك التي تجبر الناس أن يكونوا متوافقين مع أفكار الطغاة وممارساتهم العدوانية والانفعالية, وهم يعلمون كل علم بأن هذه الأفعال لا تلغيهم وإنما تدخلهم في علاقة صراعية عنيفة مع العقلية الدكتاتورية الضيقة.

 إنني أفهم( الشرعية الثورية)على إنه نظام يقوم على (كوتا) في القيادة تحدد تركيبته وعلاقاته من أفراد لهم مصلحة واحدة, ويتم عبرهم احتكار القرارات السياسية والإستراتيجية تاركة أدوار ثانوية لمجموعة عمياء من الشعب يتعذر عليها مكاشفة ومساءلة أو محاسبة مثل هذه القبيلة العصرية.

 هكذا حينما تكون تلك الصفات مسيطرة يصبح اقتصاد البلاد أيضاً مغترباً عن العصر,أي متخلفاً ينتج ويدير أمور لا تمت بصلة بالاقتصاد الحقيقي, ولا يمكن أن تتواءم مع منطق الاقتصاد الحديث, لهذا تجد العالم ليس لهم رغبة في تعامل مع المنطق الإرتري في التجارة والتواصل في المصالح المشتركة معه, يشعرون بأن الاقتصاد الإرتري لا يفي بالتزاماته,وكل يوم الرئيس يتلكأ فيه بتعقيدات اقتصادية لتقويض الاستثمار الخارجي.

أولئك الذين يفهمون المصالح الحقيقية يقولون:أن معظم الأساليب التي تدار بها البلاد ليست بالية فحسب وإنما هي خارج العصر. والعالم غير مستعد أن ينتظر حتى يزيد رصيد الحزب للعمل معه على أساس المشاركة.

 لقد باتت مثل هذه الأنظمة مكشوفة للنقد المحلي والدولي, وباتت التساؤلات تطرح حول إدارة الدولة وما تقوم به من تنكيل في حق شعبها, ولكن ظلت هذه الأنظمة تناور بفكرة محرفة تنوع فيها أنساب الديمقراطية وتسئ لمفهومها بل تحاول أن تماطل بعدة مسببات لكسب الوقت للقضاء على خيارات الشعب وإرادته, ونحن نقول الخوف من الخيارات الحرة لا يمكن أن يكون بعد الآن مبرراُ لمثل هذه الأكاذيب المكشوفة. ومن غير المرجح أن تكون لديمقراطية تفسيرات أخرى غير المتاهات الأفريقية, والتي يرغب زمننا تفاديها.

أن الفضاء العالمي المتفتح على جميع المدارس السياسية والكاشف لعيوبها في التطبيق والمنهج جاء ليعرف الشعوب البدائل الموجودة وفق مشروع التنافس التي تطلق قدرات البشر وطاقاتهم في مناخ لا يقبل الحبس بالقرارات التي تفرد سلوكاً أحادياً فوقياً على جميع الناس. من هنا تصبح الديمقراطية خياراً عالمياً لا يقبل المماطلة أو المساومة.

لقد آن الأوان لمناخ جديد يسمح بالشفافية والمكاشفة والحرية فضلاً عن المشاركة السياسية الواسعة, بفضل الناشطين أصحاب الإرادة القوية الذين لم يتوانوا من ملاحقة المفاهيم الدكتاتورية في البلدان التي تعاني من الفقر والتخلف والاضطهاد وتفتقر عملياً إلى معنى السيادة والمواطنة المحقة. وهي بطبع البلدان التي تعاني بالتأكيد من الغياب التام لمفاهيم الديمقراطية وافتقادها لجانب كبير من ضمانات حقوق الإنسان.

ولتفكيك هذه العناوين علينا طرد هاجس “الشرعية الثورية” التي هيمنت على عقولنا من زمن طويل حتى ننتقل إلى معان إنسانية سامية تكمن في احترام إنسانية الإنسان دون استعباد أو منة من أحد, لينال حقوقه المشروعة الكاملة في تراب وطنه.

أن مساءلة حماية حقوق الإنسان تشكل في وقتنا الراهن مصدراً جديداً للشرعية لأي نظام يرغب في قبوله المجتمع الدولي. ولعل هذا من مزايا العولمة التي تستخدم قضية حقوق الإنسان كأسلوب وطريقة لإحداث تغيير في معاملة الحكومات الدكتاتورية لشعوبها. حيث أن الحكومات اعتادت في أن تفعل ما تشاء داخل بلادها على اعتبار أن مبدأ السيادة الوطنية يعطي لها هذا الحق.

أما اليوم لقد تغير المفاهيم السابقة وأصبح على الحكومات أن تتقيد بالمواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية. أن زمن هيلي سيلاسي ومنغستو وشاه إيران وميلوشيفش الرئيس (اليوغوسلافي السابق) وبينوشيه الحاكم السابق( لتشيلي) وصدام حسين قد ولى وحصل تحول في مفهوم الدولة وواجباتها, وأصبحت الدولة تستمد قوتها ومكانها من معايير حماية حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وهو الذي جعل من الرقابة الدولية أمراً مطلوباً وملحاً وأعطي معياراً جديداً للأنظمة السياسية في العالم.

يقولون: من لا يتمثل بهذه الحقوق لا يجدر به أن يكون حاكماً لشعبه. والأمر يتعدى هذا الحد ليصل كل من تجاوزه وأرتكب جرائم حرب وأعمال غير إنسانيه مشهودة,هذا الإنسان  سوف يحاكم  وفقا لمعايير حقوق الإنسان في “لاهاي” كمجرم حرب.

فالعبرة بالمضمون أي الالتزام بالمعنى والفعل, هكذا أصبح قانوناً, واقفاً بعدما كان شعاراً مثالياً قاصراً على المجتمعات المتقدمة.


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6438

نشرت بواسطة في يونيو 28 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010