نحو ثقافة وطنية فاعلة

تنشر ” فرجت كوم ” في صفحتها الثقافية مقال المبدع الشهيد عمار الشيخ ورغم مرور أكثر من أربعة عشرة عاما على كتابة المقال لا زالت مواده مثيرة للجدل بين مؤيد ومعارض . وقد شهدت الساحة الشبكية في الاسابيع الماضية جدالا حادا مادته كانت دور المثقف الارتري في هذه المرحلة الحاسمة . ونحن في فرجت اثراءا لنفس المادة ولموضوع الثقافة الوطنية ودور المثقف ننشر هذا المقال ونحن نعتقد ان الاسئلة التي يطرحها موضوعية وطرحت في فترة كان المجتمع فيها يحاول اكتشاف ذاته وملامحه وبامكاننا مناقشة الاسئلة وليس طارح الاسئلة . كما اننا نضيف عليه ما يتردد دائما من مواضيع ثنائية اللغة واحادية الثقافة؟ أم هي ثقافتين؟ نتمنى ان تجد الاسئلة مزيدا من القاء الضوء والمناقشة خاصة المقال يتناول دور الجبهة الشعبية في خلق و اثراء  الثقافة الوطنية في الوقت الذي نعتقد جازمين ان الجبهة الشعبية اسهمت في طمس ملامح وثقافات القوميات الأخرى تحت حجج وذرائع وسياسات متعددة لدفع المجتمع الى ثقافة واحدة هي ثقافة التقرنية حيث عملت ومنذ أواخر الثمانينيات في تطوير لغة التجرنية والبحث في تراثها ووضع المناهج والقواميس والمراجع لها وجمع كل ما يتعلق بها مستعينة بخبرات محلية وأخرى أجنبية , خلال نفس الفترة عملت الشعبية على اظهار  مجموعة الرشايدة وهي أصغر المجموعات العرقية وأكثرها تحدثا باللغة العربية حتى تتمكن من اقناع الآخرين ان من يتحدثون العربية في ارتريا هم قلة  وبذالك يتنادى الناس خاصة هؤلاء الدونيون بأن التجرنية هي لغة الأغلبية ولا حرج من أن يتحدث الناس بها في ارتريا وتصبح لغة الدواوين الرسمية ( أنظر الى بطاقة الهوية الارترية الصادرة في عهد الحكومة الارترية الفيدرالية والمنشورة بهذا الموقع). لكل الاسباب الموضحة أعلاه ان مناقشة الاسئلة المطروحة ضرورة تحتمها المرحلة.

محرر الصفحة الثقافية.

 

نحو ثقافة وطنية فاعلة           

 
بقلم الشهيد عمار الشيخ                                                
   تقديم الشاعر والقاص/ أحمد عمر شيخ
 أن الحديث عن الثقافة الوطنية هو حديث يصب في شريان القول وامتدادات التأريخ وتداخلات الجغرافيا, حيث تتشابك الرؤى المستنيرة لصنع غد أفضل لهذا الانسان بعيدا عن الانغلاق  حيث  نأخذ أفضل الموروث نضخ فيه من زاد الثقافات البشرية اجمالا.
  وعندما طلب مني الآخ محمد نور يحى التعليق على مقالة المبدع الراحل  عمار محمود الشيخ تحت عنوان ( نحو ثقافة وطنية فاعلة ) تبادرت الى ذهني عدة اسئلة … ربما من الصعب بثها في تضاعيف هذه الكتابة كونها شكلت اسئلة الواقع الثقافي الارتري على مدى طويل منذ بداية تشكل هذا الانسان وحتى اللحظة.
والمكتوب بالعربية هو تجلي واحد فقط من هذه التجليات والذي  نطمح أن يخرج من ضعفه  ويتجه صوت آفاق أرحب  وهو ما يحتم عمل دؤوب ومستمر وايضا مجابهة مفردات الواقع والتعامل معها بصبر واخلاص وتفان بعيدا عن التعامل داخل شرنقة معزولة لن تغض الا الى مزيد من الضمور وان نمتح من تراثنا و فلكورنا الثري.
( نقلا عن ارتريا الحديثة عدد (53) 2003م)

     سنحاول في هذا المقال التطرق الى وضعية الثقافة الارترية كثقافة مجتمع خرج للتو من واقع القهر والاضطهاد والاستلاب ومحاولات الطمس الى واقع الحرية والامن والكموح نحو تحقيق الذات والهوية والوجود.

        وتطرقنا الى الثقافة في واقع المجتمع الارتري وبحثنا في وضعيتها , وهو بلا جدال بحث في وضعية الثقافة في مجتمع مقهور ومستلب ومستعمر. اى انه بحث في وضعية الثقافةالامعة الذيلية التابعة أو بعبارة اخرى بحث في وضعية الثاقفة الاستعمارية في البنية التابعة. ونحن هنا ما قصدنا القايم بتشخيص تفصيلي لوضعية الثقافة الاستعمارية في الببنية التابعة أو البلد المستعمر ( بفتح الميم) , بقدر ما هدفنا الى تحليل وتفكيك الخطاب الثقافي الاستعماري, بأدوات تطمح في فضح هذا الخطاب وتكشف خطورة تداهل التصدي له بحجة ارتباطه بسلطة سياسية استعمارية ذات ملامح وتقاطيع واضحة ومجددة يزول وينهار بزوالها وانهيارها. كما نرمي ايضا الى تمليك القارئ اذا افلحنا في ذلك, ناصية التمييز بين الثقافاتفي مجتمع كالمجتمع الارتري. أى التمييز بين ثقافة تطمح الى تأكيد وطنيتها واستقلاليتها وبين ثقافة لا ينهض مشروعها الا على تذويب الثقافة الاخرى في خضم تأريخ تشكلها. وكل ذلك يمكن تكثيفه ومعالجته بصوابية وعلى الشاكلة المطلوبة اذا ما استطعنا  قراءة الواقع الارتري قراءة صحيحة واذا ما افلحنا في الاجابة على جملة الاسئلة التي تمثل لب موضوعها والتي تتقدمها الاسئلة القائلةك

ماهي الثقافة؟

هل الثقافة الارترية وطنية أم استعمارية؟

ما هي الثقافة الوطنية في ظل الثورة, وماهي التحديات المطروحة على النقيض؟

ما هي العناصر الثابتة في الثقافة الارترية الموروثة والعناصر المكتسبة؟

ماهو دور المثقف الوطني في تجذير الثقافة الوطنية في المجتمع؟

ماهي مناشد الثاقفة الوطنية؟

ومع الاقرار بمحدودية المامنا المعرفي بالواقع الثقافي من كل زواياه يظل السعى نحو خلق شروط وعى والمام بهذا الواقع, عملا مشروعا ومجازفة معرفية لا بد من خوض غمارها لخلخلة الواقع الثقافي الراكد توطئو لاعادة ترتيبه وطنيا وصياغته وفقا لمقتضيات تحررنا الثقافي وانعتاقا من قيد الاستلاب. هذه الضرورة هي التي تحرضنا على التصدي لمعركة اعادة البناء الثاقفي وتضعنا في اولى خطواتنا لبدء هذه المسيرة في مواجهة امام اسئلة الواقع الثقافي المطروحة اعلاه . ونلج الى مرحلة الاجابة عليها وفقا لتسلسل طرحها فما هي الثقافة اذن ؟ الثقافة في التعريف العام تعني حيز المعرفة لدى الانسان باعتبارها سلاحا يسخر  الكبيعة ويطور المجتمع وقواه المنتجة وعلاقاته الانتاجية ويطور وعى الانسان . ويشكل هذا الحيز من المعرفة مجموعة القيم المادية والروحية التي ينتجها الانسان في مجتمع محددو تغيرها مرهون بمدى التغيير الذي يحدث في انتاج هذه القيم من وقت لآخر. والثقافة بهذا الفهم تعني الذخيرة من المعرفة المنتجة اجتماعيا ووفق تأريخها . وتشكل الثقافة انتاج المفاهيم والافعال الفنية و القانونية والادبية والتعليمية والدينية ونظام انتاج الاخلاق الاجتماعية والعادات والتقاليد وو..الخ, اضافة الى طرائق انتاد هذه المفاهيم والاعمال وطرائق توظيفها .هذا الى جانب مجموع الاثار الفكرية والتقنية وانماط التفكير والقيم السائدة وطريقة حياة الناس وكل ما يتداولونه ويقتنونه اجتماعيا.

            بهذا التعريف يمكننا ان نزعم بأنا قدمنا تعريفا مختصرا لشمولية مفهوم الثقافة الذي لا يمكن حصر تعريف محدد له في مثل هذه العجالة.

            وغم ود أمير يجسد المجتمع من منظار تجربته الغرامية الصرفة, الا ان عالم ود امير الشعري يسبر غور العلاقات الاجتماعية عبر صوره الشعرية الرمزية والمباشرة على السواء ومن الفضاء العريض الذي يفتحه امامنا شعر ود أمير لقراءة المجتمع قراءة عامة, يمكن ان نخلص الى ان الهم الثقافي في المجتمع طان يراوح بين المفاخرة بالبطولات وكريم الخصال وتمجيد القوة والقدرة على استلاب الآخرين قطعانهم من الماسية والدواب والبهائم والتغني للثراء والجمال والانساب بما في ذلك القدرة على اخضاع الآخرين للهيمنة وفرض الارادة عليهم. وكل هذه الاشياء تتخفى تحت ستار موضوع رئيسي للقصيدة الشعرية يكون عادة الحب والمحبوبة. هذا على صعيد العناصر  الثابتة في الثقافة الارترية  الموروثة فماذا اذا عن المكتسب من عناصر هذه الثاقفة؟

       اننا نعني بالعناصر المكتسبة تلك العناصر الثقافية المهاجرة التي استغلت ظرف  غياب المؤسسات الثقافية الوطنية التي تغذي الثقافة الاتلاية فتسربت الى شرايين جسد الثقافة الارترية عبر مؤسسات الاستعمار الايدلوجية. ففي عهد الاستعمار الايطالي والبريطاني تسربت سموم الثقافة الاستعمارية الى المجتمع الارتري غبر لغات المستعمر ومناهجه التعليمية وسياساته في الحكم التي تتراوح بين التجهيل الاجتماعي ونشر المعرفة المحدودة التي تلبي حاجته الضرورية لاستغلال  المجتمع كما تسربت عبر الدعاية الاستعمارية المطبوعة على السلع الاستهلاكية المصنعة في أروبا بدأ من علبة الكبريت والدواء مرورا بنوتة المذكرات وطوابع البريد حتى ماكينة الحلاقة وساعة اليد هذا فضلا عن أدوات الطمس الثقافي المباشر كالصحف والمذياع والخطب والمنشورات وغيرها التي استخدمها المستعمرون. فطفت الى السطح ظواهر ثقافية دخيلة تمثلت في مفهوم الحس القبلي والطائفي بكل مستواياتها الاجتماعية السلبية. وتأسيسا على ذلك بدأ الانعزال القبلي داخل القومية الواحدة ياخذ اشكالا عدة في الفترتين المذكورتين العهد الايطالي والبريطاني حتى فترة تقرير المصير. وكل ذلك كلن مخططا استعماريا لضرب وحدة الشعب الارتري وتفتيت تماسكه واحداث قطيعة في مسيرة تطوره الطبيعي كشعب توطئة لترجمة مخطط بيفن اسفورزا التقسيمي عمليا. وقد القت كل هذه السياسات بكل ظلالها على الثقافة الارترية الموروثة واقحمتها بجملة من العناصر الثقافية الاستعمارية.

     اما في فترة الاحتلال الاثيوبي فلم تختلف عن سابقاتها من حيث المظهر في طبيعة سياسة الطمس الثقافي التي انتهجتها تجاه ثقافة المجتمع الارتري . بيد ان تأثيرها ثقافيا كان ضعيفا بحكم ضعف الارضية الثقافية التي كانت تقف عليها . فرغم قيام المستعمريين الاثيوبيين منذ ضمهم لارتريا بالغاء اللغات الوطنية الرسمية في البلاد وفرض اللغة الامهرية في كل مستويات التعليم ودواوين الحكومة ورغم الحملات السياسية والثقافية  المكثفة  لتغبيش الوعى الاجتماعي الارتري بخزعبلات سياسية ثقافية وتأريخية فانهم لم يفلحو في خلخلة بنية الثقافة الارترية بالقدر الذي يذكر  رغم ما خلفوه من بعض الطواهر الثقافية على صعيد السلوك وسط قطاع مجدود من الشباب في بعض المراكز الحضرية.

  وبالامكان عزو الاحتلال الاثيوبي عن تذويب الثقافة الارترية وفرض ثقافته الاستعمارية على المجتمع الارتري الى عاملين اساسين:

 الأول المجتمع الارتري  قد وجد السند والارضية الثقافية الصلبة التي تحمي ثقافته من الطمس ودافع عنها ضد التذويب منذ فجر ثورته المسلحة في عام 1961م والعامل الثاني يعزي الى ضعف الثقافة التي يستند علي ارضيتها  الحكم الاستعماري الاثيوبي نفسه على مقارعة الثقافة الوطنية الارترية التي يهدف الى طمسها.

   اما السؤال الثاني : ماهية الثقافة الارترية وطنية ام استعمارية ؟ فاننا نعتقد ان الاجابة عليه تتحدد من خلال الفهم الصائب لكون ان الثقافة هي كائن اجتماعي تأريخي يتعذر تحديد ماهيتها وطبيعتها وطنية كانت ام استعمارية , الا بتحليل  بنية علاقات الانتاج الاجتماعية التي انتجت في خضمها هذه الثقافة او تشكلت منها. وبهذا الفهم يمكننا ان نعي بكل بساطة صحة الطرح القائل : ( ان الثقافة المسيطرة أو السائدة في أى مجتمع هي بشكل عام ثقافة النظام أو السلطة أو الطبقة أو الحكم المسيطر ايدلوجيا.

   وعلى ضوء ما اسلفنا نشير بتوضيح اكثر الى ان ارتريا ومنذ ان رسمت حدودها كدولة ذات حدود اقليمية منذ عام 1898م وحتى 24/5/1991م, ظلت خاضعة لسلسلة من الانظمة الاستعمارية المتعاقبة اى انها ظلت خاضعة لعلاقات انتاجية اجتماعية استعمارية وفي ظل هك1ا علاقات انتاج تشكلت ثقافة المجتمع الارتري . لقد اسقط الاستعمار المتعاقب على الثقافة الارترية تصنيفاته ومقولاته الذهنية وافكاره الاستلابية المدعومة بآلية هائلة من الضبابية والتغبيش ولتعتيم. كما ان المجتمع الارتري  في ظل فقدانه للمؤسسات الوطنية التي ترفد ثقافته الوطنية ظل يحيا حالة فقدان مستمرة لبعض خضائصه الثقافية المتميزة وفي المقابل كانت هناك حالة تأثر سلبي تدريجية ومتفاوته بثقافة الآخر المهاجرة خاصة في المراكز الحضرية وتحديدا المدن.

  ولهذ ليس كاقيا انهيار الاستعمار وهزيمته لانهيار الثقافة الاستعمارية وهزيمتها. هذ بخصوص الاجابة على السؤال الثاني رغم الايجاز.

ثالث الاسئلة: ما هي العناصر الثابتة في الثقافة الارترية الموروثة, والعناصر المكتسبة؟ اذا كنا في ردنا على هذا السؤال المجتمع الارتري برمته وبقضيه باديته وحضره لحصر الثابت والمكتسب في ثقافته الموروثة, فلانعتقد ان ثمة من يخالفها الرأى اذا ما قلنا ان مءات المجلدات لن تكفينا لحصرها . ولهذا سنأخذ جانبا نأنس القدرة على تسليط الضوء على ما نصبوا الى اظهاره من ثوابت ثقافة مجتمعنا والمكتسب منها. وفي هذا سنأخذ طريقة حياة الناس والقيم الرائعة في مجتمعنا والاثار الفنية والادبية وانماط التفكير , لابراز الثوابت. وتأثيثا على ذلك نأخذ الشاعر ود أمير كظاهرة ابداعية لها لها من الشيوع والانتشار ما يؤهلها لان تصبح ذلك الجانب الذي يمكن من نتاجه الشعري تجسيدا للواقع الثقافي الارتري وتكثيفه في سياقات معرفية أكثر وضوحا وصدقا. ومن ذلك يمكننا ان نصوغ مواصفات على قدر عال من العمومية والفعالية معا, تسعفنا في تقديم صورة عامة  لطريقة حياة الناس والقيم الرائعة في مجتمعنا وانماط التفكير فيه. واستخدامنا للصور الشعرية لدى ود أمير للتدليل على ما سقنا من خصائص بحثا على الثوابت, ليس كافيا وحده لتحقيق ذلك ينبغي اسناده بتحليل دقيق لمجمل البنايات القافية التي ترفد ثقافة مجتمعنا حتى يستكمل التحليل عناصره. ومع ذلك لا نجنح الى ذلك باعتباره مجالا واسعا ويستدعي استقصائه بمعزل عن اى مجال آخر.

فالمجتمع كما يصوره ود أمير هو ذلك النمط الجماعي من الحياة الذي يؤمن بقيم موحدة ويمارس تقاليد معينة ويجتر عادات محددة. فالحب وان كان مباحا فان المجاهرة به تندرج ضمن العيوب التي تؤدي الى حرمان الحبيب من محبوبته كما حدث لشاعرنا ود أمير الذي لم يجد امامه مناصا سوى ان يمنى نفسه بموت من تزوج محبوته ليتسنى له ان يرثها من بعده. والشجاعة تمثل احد أعمدة ثوابت القيم في المجتمع كما يصورها ود أمير, فهو السيف المشهور دفاعا عن الاحباب, وهو شوك الطريق الحاد للاعداء. وهكذا يمضي ود أمير يصور مقت التآمر والخيانة ويبرز خصال الود والتحابب , ويمجد الكرم والامانة والصداقة عبر تعرية الوحشة والوحدة والانعزال , وهي الحالة التي يصف بها ما آل اليه وضعه.

 أما فيما يتعلق بالاجابة على السؤال القائل : ما هية الثقافة الوطنية في ظل الثورة؟ وكذا ما هي التحديات الثقافية المطروحة على النقيض؟ فاننا سنعمد الى تقسيم الاجابة تقسيما اجرائيا الى شقين: الأول حول مفهوم الثقافة الوطنية وما أرسته الثورة من خطاب ثقافي.

الثاني : ابراز التحديات الثقافية الماثلة امام تثوير ثقافي في المجتمع فمفهوم الثقافة الوطنية يمكن تكثيف معناه الواسع والعريض في عبارة واحدة هي: النهضة الشاملة للمجتمع . اى انها تعني فيما تعنيه اثراء واشباع المجتمع ماديا وروحيا بثقافة أو بالأحرى بعرفة  تخدم نماءه وتلبي حاجاته الابداعية وتطلعاته الحسية.

ووفقا لهذا الفهم ارست الثورة خطابها الثقافي في المجتمع الارتري فماهي الدعامات الاساسية لهذا الخطاب الثقافي في المجتمع الذي لا يزال يجاهد في حبوهالمتعثر للانتقال من نهايات علاقات الانتاج الاقطاعي اجتماعيا الى بواكير الانتاج الرسمالي؟ للاجابة نقول : للاجابة نقول لقد قطعت الجبهة الشعبية  شوطا  في تطبيق  شعار: توعية الجماهير وتسليحها. حيث امتلك الفلاح حيزا من المعرفة بالواقع مما جنبه على اقل تقدير خطر الوقوع في  شرا ك الوقوف ضد مصالحه الوطنية. لقد محت الثورة أمية قطاع كبير من الريف الذي كان محرارا في السابق ورفعت من درجة الوعى السياسي للفلاح ونظمته في لجان ومجالس شعبية ووفرت له الخدمات الاجتماعية الاساسية. وفي كل هذه المراحل كان الفعل الحقيقي لتثوير المجتمع  ومحاربة الرجعي والمتخلف من الافكار والتقاليد والعادات والسلوك داخله فهم بشكل منظم ومدروس , من خلال نشر القيم والافكار الايجابية والمبادئ الثورية في أوشاطه عبر الاجتماعات الجماهيرية والسيمنارات الموجهة والمؤتمرات الشعبية حسب كل قرية ومنطقة وقطاع. فالثورة الثقافية كانت تمشي جنبا الى جنب مع الثورة المسلحة تطبيقا لشعار تحرير الارض والانسان الذي أستند على أرضيه  الاعتكاد على الذات . فالثقافة الوطنية بناء لقرائتنا لخطاب الثورة الثقافي, هدفت ولا تزال  الى بناءمجتمع صخي ومتطور ومعافى من أمراض التخلف ومتحرارا من قيود العادات البالية والتقاليد الضارة التي تكرس للاستغلال الاجتماعي وتبرز له وتمنح الشرعية للدجل والشعوذة أى بعبارة أدق ان الثقافة الوطنية تطمح الى تحقيق النهضة الشاملة في المجتمع . اذا كانت تلك هي أهداف الثقافة الوطنية فماهي اذن ألتحديات الثقافية الكبرى أمام تحقيق التثوير الثقافي الشامل اجتماعيا؟

يمكننا اجمال كافة التحديات الثقافية الماثلة امام التنوير الثقافي لمجتمعنا  في كلمة واحدة وهي التخلف. فالعهود الاستعمارية المتعاقبة على ارتريا استنزفت موارد البلاد بدشع سافر وفي المقابل ذلك لم تكرس سوى التخلف اجتماعيا واقتصاديا. ولكن فلنحاول أن ننتقل في اطار هذا المفهوم أى مفهوم التخلف من التعميم الى بع     التخصيص او فلنضرب مثالا على طبيعة التحديات الثقافية التي يطرحها التخلف في مواجهة التثوير الثقافي. المثال الاول هو قضية المرأة في المنزظور الاجتماعي السائد. صحيح ان المرأة بمشاركتها الفعلية بنسبة الثلث في في تجربة الجيش الشعبي , وقد قطعت شوطا كبيرا من  مشوار تحررها  وحققت انجازا فذا بل مدهشا ولا مثيل له حتى الآن . بيد أن النظر الى هذا الانجاز لا يجب ان تقتصر على ما حققته على صعيد اثباتها ولأهليتها ومقدرتها في الوقوف بجدارة الى جانب الرجل وتحملها للاعباء  بنفس المستوى أو أكثر أو أقل . بل يجب أن تمتد هذه النظرة لتشمل تقييما دقيقا لطبيعة قابلية المجتمع ولاستيعاب  ذلك وهضمه له ورد فعله تجاهه . فمجتمع لا تزال تسيطر عليه فكرة ان المرأة عورة وناقصة عقل وقاصرة وفتنة لا شك انه , اذا لم يقف  عائقا  امام استئناف المرأة لمسيرة تحررها بشتى الاساليب والسبل فأنه لن يقدم لها بلا ريب  أية دفعة الى الامام. وليس من باب المصادفة ان تفرض عدة اسر على ابنائها المقاتليين بعد التحرير مسألة تجديد عقود الزواج ليصبح الزواج شرعيا وفق فهم تلك الاسر  رغم خطله. فالزواج الذي يتم في الميدان لا يختلف عن الزواد الذي يتم داخل المجتمع  من حيث الجوهر حيث زواج الثورة يتم وفق عقد زواج يوقع عليه الطرفان  بالترضي وبحضور شهود واشهار. رغم هذا نجد من لا يعتبره مشروعا, بل يراه باطلا ويصر على فسخه فماذا يدعي هذا؟

لا جدال ان جملة ما أسلفنا من مسائل تفرض على الحكومة ومؤسساتها المختلفة  مسؤلية جسيمة في النهوض بواقع يمثل ما ذكر ملامح عامة للآلية الضخمة من العلاقات المتخلفة التي تحكمه وسير دفة تطوره. ولكن ماهو دور المثقف الوطني في تدذير القافة الوطنية.

في المجتمعات التي تمر بمراحل تطور طبيعي يتحدد دور المثقف فيها بحوجتها لهذا الدور في المجالات الاكثر الحاحا واحتياجا له من غيرها. أما في المجتمع الارتري الذب يبدأ الآن المرحلة الاولى من مراحل تطوره الطبيعي فلاشك ان دور المثقف يجب ان يطال كل المجالات والصعد والميادين. ان الدور المناط بالمثقف القايم به في مجتمعنا هو ان يتخطى ويرسم عبر ربط القول بالفعل الاسلم للنهضة الاجتماعية الشاملة. واذا كان المثقف بالمعنى العام يعني الانسان الحاذق المتعلم المستنير الذي يتمتع بذوق عال وحس انتقادي بناء وحكم صائب, فاننا أحوج ما نكون لطلائع من هذا النوع لتقرأ واقعها ثراءة صحيحة وتلبي ماهو بحاجة اليه , فمجتمعنا بحوجة الى المثقف ذي النظرة والرؤية الشمولية لمجتمعه القادر على محاربة البالي والسلبي من عادات وتقاليد وسلوك ونمط حياة. المهموم بمقارعة تغييب العقل واحكام الدجل والشعوذة والخرافات, المستعد لخوض معركة البناء في جبهات نشر العلم والوعىوالمعرفة والاستنارة المنخرط في مجتمعه الحامل همومه والمعبر عن آلامه والقادر على اكتشاف الواقع واعادة صياغته برؤى متطلعة الى أفاق المستقبل الوضاء بابعاده الجديدة.

  نخلص من كل ذلك وعبر محاولة الاجابة عن السؤال القائل: ماهي مناشد الثقافة الوطنية؟

الى ان الشعب الارتري احتوى مستعمريه وغزواتهم ويبقى محافظا على خصائص اساسية وهامة من ثقافته المميزة , وظل محافظا على الروح الوطنيةوالاحساس بالانتماء الوطني  للارض وتأريخها وتراثها وحاضرها ومستقبلها. وكل ذلك تعمد بسيل من الدماء خلال معارك تصديه لغزوات وحملات الاقطاعيين الاثيوبيين في السابق من خلال حقب نضاله ضد كافة المستعمريين الذين تعاقبوا على ترابه, وكذا في حقبة نضاله السلمي في الا ربيعينيات والخمسينيات وأخيرا على مدى العقود الثلاثة من كفاحه المسلح ضد الاستعمار الاثيوبي.

وخلال عقود النضال المسلح , برز مفهوم الثقافة الوطنية كسلاح رديف للبندقية لمواجهة الهجمة الاستعمارية الهادفة الى طمس وافتراس الثقافة الارترية. وتنشد الثقافة الةطنية لخلق  مجتمع موحد متجانس , ومتفاعل ثقافيا عبر اتاحة واشراع باب الحوار والتلاقح الثاقفي على مصرعيه بين مختلف عناصر الثقافة الوطنية التي تشكل وحدة الثقافة الوطنية الارترية. كما تهدف الثقافة الوطنية الى رفض التبعية الثقافية وهدم الخطاب الثقافي الاستعماري وتغذية الواقع الحى المعاش باذكاء الوعى الاجتماعي ضد القهر والاستلاب والاحساس بالدونية والعجز والاحباط وتمليكه القدرة على الثقة بالنفس والمقدرة علىالانتاج والخلق والابداع وتخليصه من قيود الثوابت الجامدة من القيم والعادات والانساق التصورية السلبية التي تكرس التخلف.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7220

نشرت بواسطة في أغسطس 6 2004 في صفحة الصفحة الثقافية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010