نعـم ياود الحـاج هى البـدايـات والنهايـات ـ منهـا المنـبت واليهـا المصيـر

بقلم : جابر سعيد أرض الهرم

 

الغيـاب .. الغـربة .. البعـاد عن الأهـل والـديـارـ مصائـب لا تقـل عن الغيـاب الأبـدى، فهى مقـدمة له، بـل هى الامتحـان الصعب الـذى يتعـرض له الانسـان، أمـا الحالة الأبـدية فهى النتيجة الحتمية لمـا سـبق والتى لا فـرار منهـا، صـدق من قال ان الغـربة كـربة، وقـد سـبق ان جاء وصـف الغــربة ومعاناتهـا فى مقـال للأخ الاسـتاذ/ مصطفي محمـد كـردي متعه الله بالصحة والعافية، فقـد كان دقيقـا فى توصيف الاحسـاس الانسـانى وتصويـر مصاعـب الغـربة وآلامهـا، فالـرجـل صـور معاناة الغـربة كمن رآهـا رؤية العـين، فلا عجب وهـو الكاتـب والشـاعـر الواسـع الخيال، ومثقـف يسـتنطق الحـروف، ومجـرب لآلام الغـربة، فقـد ادرك مـراراتهـا بأحاسـيسـه الانسـانية الـرقيقة، وجاءت كلمـاته فى رثـار الـراحل الوطنى الشـيخ ,,هـداد كـرار،، معبـرة عن احاسـيـس من يمتلك موهبة وصـف الأشـياء .

 

فى عصـر سـيادة الغـربة الكئيبة التى لعنهـا كل من احتـرق بنارهـا، هـا نحن نفاجأ فى صباح كل يوم جـديـد بـرحيـل أعـزاء لنـا، آبـاء واخـوال واشـقاء، والعـديـد  من اولـئك الـذين عـرفنـا معانى النضـال وحب الأوطـان على ايـديهم قبـل السـنتهم، كتـب علينـا ان نفاجأ بـرحيلهم من غيـر سـابق علم بمـرضهم او احوالهم الصحية، هـذه هي النتيجة الحتمية لبعـد المسـافات وانقطاع التواصل وكل الأهـوال التى تتـرتب على الغـربة، أمـا المفاجآت المحـزنة من مـرض واعتقال واختفـاء ومتشـابهاته، فهـى الجـزء الـمطلوب دفعه على رأس كل يوم جـديـد من أصـل الضـريبة، فقـد فـرضت علينـا ضـريبة افتقـاد الوطـن العـزيـز الـذى أصبح مـرتعـا لمن لا يملك فيه اكثــر من غيـره، حقـا هى ضـريبة حتمية وياليتهـا كانت حافـزا وعظـا يـدفعنـا لتصحيح رؤانـا السـياسـية، والسـعي للأجتمـاع حول القواسـم الوطنية التى تؤدى الى جمع الصفوف ومن ثم التعجيـل بـرحيل من تسـبب فى معاناتنـا واحـزاننـا.

 

 قبـل اسـبوع مضى فوجأت بخبـر رحيـل شـيخ الشـاب المناضل ,,عبده ادريس،، فكتبت باكيا ماجادت به قـريحة المشـتاق العارف بمعـدن الـراحل وبعضـا من تاريخه المشـرف، واخيـرا تمكنـت من العودة الى مصـدر الخبـر بمســاعـدة  كـريمة من الأخ الاسـتاذ/ أحمـد محمـود علي الـذى اشـار الى مصـدر خبـر نعي شـيخ الشـباب ,,عبـده ادريـس،، ـ وعنـدهـا فوجأت ثانية بخبـر رحيـل الأخ العـزيـز محمـد آدم الحاج ادريـس وهـو زميـل رحلة العلم ومن ثم النضـال، وفى غمـرة الحـزن والحسـرة عجبـت لتصادف الـرحيل والنعي الـذى تـزامن، بـل اختلط كل شـيئ فيه وجاءت حـروفه وكلمـاته متعانقة من فـرط الحـزن لا الطـرب، فالـراحـلان اخـوة وزمـلاء منـذ صباهم الأول، ومن نفـس المـدينة الحـدودية الثائـرة,, تسـني،، ـ ايضـا جمعـت بينهم رفقة المصيـر الوطني على درب النضـال الثورى الـذى كانوا فـرسـانه، ضمـن عشـرات الآلاف من شـبابنـا الـذى نفخـر به وسـنظل نفعـل حتى نلحق بهم فى المثوى الأخيـر .. ايضـا درســا هـذا الثنـائى الـراحل العلوم العسـكرية فى ذات الكلية والبلـد .. تم اعتقالهم بواسـطة جبهة التحـريـر الارتـرية لنفـس السـبب ,, موقف سـياسـي،، .. أيضـا وفاتهم جاءت متـزامنة وفى نفس البلـد، كمـا تم نعيهم معـا .. وهـا انـا افعـل نفـس الشـيئ حيث لا مجـال للفصل بينهم، واسـأل الله تعالى ان يتقبلهم بـرحمته ويحشـرهم معـا فى جنـة عالية.

 

فألي السـيـرة الـذاتية للـراحـل العـزيـز المناضـل محمـد آدم الحاج ادريـس، وهـذا اقصى ماأتمكـن من الـذهـاب اليه، بجـانب دعـوة من بيـدهم الأمـر للتعجيـل بتوحيـد الكلمة وتجميـع الطاقـات ورص الصفوف.

 

فقيـدنـا الـراحـل من مواليـد مدينة ,, تسـني، فى مطلع اربعينيـات القـرن المنصـرم .. تلقى تعليمه بالكتاتيـب الأهلية ومن ثم المـرحلة الابتـدائية بمسـقط رأسـه .. عمـل موظفـا بالشـركة الأهلية للنقـل والمواصـلات العامة مابين مدينتي ,,أغـردات وتسـني،، .. انتقـل الى جمهورية السـودان حيث عمـل هناك لبعض الوقت، وفى منتصف السـتينيـات انتقـل الى مصـر الكنانة لمواصلة دراسـته التى انقطعت، نتيجة لـزواجه المبكـر الـذى جاء ارضاءا لـرغبة والـده المـرحوم الحاج ادريـس، وفى أرض الكنانة تمكـن من اكمـال المـرحلة المتوسـطة ثم الالتحاق بمعهـد التـدريـب الصناعي .. انتقـل الى ,,عـراق الحضارة والثورة،، بتوجيه من قيادة الجبهة، وبغـرض دراسـة العلوم العسـكرية فى الكلية العسـكرية العـراقية التى كانت تسـتقبل كل من ينتمي للجسـم العـربي .. عاد الى أرض الوطـن وتم توجيهه فى القطاع الاداري الأول .. شـارك فى العـديـد من معارك الشـرف والاسـتبسـال .. عمـل ضمـن مجموعة الأمن فى القطاع  .. كان ضمن الـذين قاطعـوا المؤتمـر الوطني الأول لأسـباب سـياسـية .. كان ضمن الطاقم القيـادى المسـئول عن القطاع الأول الـذيـن تم اعتقالهم عقب المؤتمـر الوطنى الأول 1971م، بعـد خـروجه من المعتقـل التحق بقوات التحـريـر الشـعبية التى سـاهم مع غيـره فى تأسـيـس قطاعهـا العسـكـرى .. كان ممثـلا لقوات التحـريـر الشـعبية التى ترأس مكتبهـا بمدينة ,,كســلا،، لبعض الوقت.. فى نهاية السـبعينيات تفـرغ لشـئون الاسـرة التى تأثـرت ماديـا واجتماعيـا بعـد هجـرة شـقيقه الوحـيد .. انتقـل الى المملكة العـربية السـعودية بغـرض العمل، عاد الى السـودان فعمـل سـائقـا بالشـاحنـات التجارية، كان مـداومـا على متابعة الأحـداث الارتـرية عن كثب، اقتـرب مؤخـرا من حـركة الجهـاد الاسـلامي كثيـرا، وأحسـب انه كان احـد الأعضاء المؤيـدين لهـا عن وعي جهـادي وطني خالص .. كان ,, ود الحاج،، مناضـلا ومجاهـدا يجمع مابيـن شـجاعة المقاتل الميـداني وعقلية المثقف المهمـوم بقضايـا الوطن السـياسـية مع التـركيـز على ضـرورة الاهتمـام بالتعليم، كان يتحـدث كثيـرا عن ضـرورة تـزاوج القضايـا السـياسـية والاجتماعية والاقتصادية التى تشـكل مصاعب اللحظـة وتؤسـس لـرحلة المسـتقبل .. كان ,, ود الحاج،، طويل النجاد عنـد الشـدائـد، وكثيـرالـرماد حين ميسـرة، كان تقيـا ورعـا لا تغـره حياة الجاه وكثـرة المال، وكلمـا تـأزمـت الأمـور وضاقت الصـدور، كان يقول لمحـدثه المتعجـل ولـكل من حوله ,, تـريثـوا ولا تنسـوا اننـا نقاتـل من اجـل الأرض، وانهـا هى البـدايـات والنهايات ـ منهـا المنـبت واليهـا المصيـر،، … فألى جنات الخلـد ياصـديقـا صادق فأخلص، وكـريمـا معطاءا لا يجـارى، وبحـر محبة غويـرة الأعمـاق، فى الصـدق والنبـل وعفة اللسـان، والشـهامة والوفـاء، ولله الحمـد على ماأعطي من نعم وماأخـذ، الآّ اننـى سـأظل اعجب من هـذه الـرفقة الحميمية التى أبـت ان تنفصـل او تتكـدر فى الحياة  او عنـد الممـات، الاّ انهـا فى منطق الأحيـاء هى المصائـب التى لا تأتى فـرادى .. فالى جنـاة الخلـد يافرسـاننـا الأشـاوس، فقـد ضـربتم اروع الأمثـلة فى الـرفقة الحميـمية التى حافظتم عليهـا فى الصغـر والكبـر، كمـاعشـتم ورحلتم أعـزاءا مـرفوعـا الـرؤوس. رحمة الله على الثنـائى الصادق وصحبهم الكـرام، اللهم تقبلهم بواسـع رحمتك، واسـكنهم فى عالى الجنان مع النبـيين والصـديقـين والشـهـداء وحسـن اولـئك رفيقـا، واللهم الهم أهلهم وذيهم ومعارفهم الكثـر الصبـر الجميـل وحسـن العـزاء، وانـا لله وانـا اليه راجعون، ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلى القـديـر.

 


 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5903

نشرت بواسطة في يوليو 1 2004 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010