هل خطف العيد أم أني واهم؟

لكل أمة عيدها، ولكل عيد قيمه الأخلاقية، وثقافته الأصيلة، وليس العيد في الثقافة الإسلامية، وقيمها الأخلاقية، كالعيد في الثقافات المغايرة.

 

هذه حقيقية مسلمة، دينا، وعرفا، لا يكاد يجهلها احد من المسلمين، وعلى أساسها يحتفل مسلمو العالم، بأيام عيدي الفطر، والأضحى، المباركين، إلا أن احتفالات القنصلية الإرترية بجدة، هذا العام 1427هـ ـ2006  م بمناسبة عيد الفطر المبارك، جآء مناقضا لهذه الحقيقة تماما، وملغيا لها أصلا، مما جعلني أتسآءل: هل خطف العيد أم أني واهم؟.

 

وبينما أنا أتأمل مسار الاحتفال، هاتفني أحد المتابعين من استوكهلم، وسألني: هل تتابع الفضائية الإرترية، في نقلها لاحتفالات جدة، بعيد الفطر المبارك؟ فأجبته: نعم.

 

ثم قلت له: أهكذا يحتفل مسلمو إرتريا، بيوم عيدهم، أم أن العيد قد خطف، أم أني واهم؟

فقال لي ـ وكأنه أراد استثارتي ـ: وكيف يحتفلون إذن إن لم يكن هكذا؟!!

ثم بعد أخذ ورد، قال لي: لا تعجب،ولا تغضب، فإنك ترى احتفالات ( قدوس يوحانس) وليس عيد الفطر المبارك!!.

ساعتها قلت له: تصور كم تكون الجناية عظيمة، عندما تقدم احتفالات أعيادنا الدينية، في قالب احتفالات عيد ( قدوس يوحانس)، أو ( ماريام دعاري) ـ من غير انتقاص لحق هذه المعتقدات المغايرة في الاحتفال بأعيادها، كما تؤمن وترى ـ الكل يموج، ويهيج، في (جوليا) ليس إلا.

وكم تكون المصيبة أعظم، عندما يختار لهذا (الجوليا) اسم ( عيد الفطر المبارك) ويقدم إلى مسلمي إرتريا، والعالم، تحت هذا الاسم النبيل الطاهر، الذي أراده الله أن يكون عنوانا لعيد، يتقى فيه المسلمون ربهم، بالتزام تعاليمه، في الفرحة والسرور، ويبتهجون فيه طبقا لمقتضيات قيمهم الحضارية، اللهم إلا إذا قيل لنا: ما شاهدناه هو ما أراده الله، ومن لا يعجبه فليشرب مآء البحر كارها!!.

 

فقال لي: هذه هي الدنيا ـ يا أخي ـ تجعل من ثقافة المهزوم، وعقيدته الدينية، نهبا لكل من هب، ودب، فلا تقدس له عقيدة، ولا تصون له حرمة، أو تحترم له قيما، وأخلاقا، وما تقوله أنت، من احترام خصائص ثقافتنا الإسلامية، في الاحتفال بأعيادنا الدينية، على الأقل، لا معنى له، في مثل هذه الحالات، ولا محل له في زمن الهزائم، فالأمة الإسلامية كلها مهزومة، ومسلوبة!!.

 

على هذا انتهت مهاتفة الصديق، من استوكهلم، وعندها قلت في نفسي: إذن ما أنا بواهم، فالعيد فعلا قد خطف، وقلاعنا الدينية بدأت تتهاوى، بعد أن تهاوت العديد من قلاعنا الثقافية!!.

 

نعم العيد قد خطف، وارتكب خاطفوه بحقه جرما كبيرا، إذ تصرفوا في حقوقه الدينية، والثقافية، من غير مراعاة أي اعتبار لمشاعر مسلمي العالم عامة، ومسلمي إرتريا خاصة.

إنها لأعظم إهانة تلحق بمسلمي إرتريا، عندما يشاهد مسلمو العالم، على الفضائية الإرترية، احتفالات القنصلية الإرترية، باسم عيد الفطر المبارك، المغلوب على أمره، والمخطوف رغم أنفه، على هذا النحو المزيف، والمشوه، ويحسبون،  بهذه الثقافة المنافية لقيم الإسلام، يودع مسلمو إرتريا شهر رمضان الكريم، ويبتهجون بعيد فطرهم المبارك، وكأن مسلمي إرتريا، لا يقدرون للشهر الفضيل حرمته، ولا للعيد الكريم طهارته!!.

لقد نزع هذا الاحتفال ـ بقساوة لا مثيل لها  وانقضاض لا رحمة فيه ـ عن عيد الفطر الإسلامي، ثوبه الرباني، بكل خصائصه، ومميزاته، الشرعية، وألبسه رغما عن أنفه، ثوبا آخر، لا علاقة له به أبدا، ولا يتناسب مع طهره، ونقائه الشرعي، وقدمه إلى العالم، عبر فضائية، يشاهدها الملايين، في صورة تتناقض تماما، مع صورته الأصلية، وقيم تتنافى مع قيمه الأخلاقية، وهو يتألم مما يجريه عليه الخاطفون، طوال ست ساعات، من عمليات الطمس، والمسخ، والسلخ، والتزوير، والتشويه، ولكن لا حول له ولا قوة!!.

بفعل عمليات السلخ، والمسخ، والطمس، والتزوير، والتشويه، هذه، من الطبيعي أن تشاهد على الشاشة، طوال فترة البث، الراقصات، السافرات، شبه العاريات، يراقصن الرجال، تحت تأثير الموسيقى، وأغاني ود الشيخ، و عازف الكرار التجرنياوي، والمطربة التجرنياوية، الذين هيجوا الحضور، وأحالوهم إلى خلطة بشرية، يلتحم فيها الذكور بالإناث، على نحو مسيئ لقداسة عيد الفطر المبارك، عند المسلمين، وقداسة شهر رمضان الكريم، وتشاهد من بعد ذلك مقدم البرنامج التجرنياوي، والعربي، يتعاقبان على المايكروفون، ليردد كل منهما، بعد كل عملية مسخ تتم، في حق هذا العيد، عبارة ( نهنئكم بعيد الفطر المبارك).

هكذا بدا لهم أن يهنئوننا، أو هكذا أرادوا أن يستفزوننا، أو هكذا أرادوا امتهان كرامة عيدنا، وتلويث طهارته، قل ما شئت، وما بدا لك، من مثل هذه التعابير، فالمقام يتسع!!.

ويظهر لي أن كثيرا من الراقصات ما هن بمسلمات، ولكن من غرائب الدنيا، ومهازلها، أنهن يمثلن المسلمين، والمسلمات، وعلى الهوآء مباشرة، في أقدس ما خصهم الله به، وهو عيد فطرهم المبارك، الذي شرعه الله ليكبروه، كما هداهم، لا ليجاهروا على الهوآء بما يغضبه، ويتعارض مع سلوكهم الإسلامي، في تحد سافر لمشاعر الأمة الإسلامية، ولكن هذا زمانك يا مهازل فامرحي!!.

من المستحيل أن يشارك في مثل هذا الحفل، كل من يقدر عيد المسلمين، حق قدره، وهل تقبل فتاة مسلمة، أو فتى مسلم، يحفظ للإسلام قدسيته، وللعيد طهره، وللعرض حرمته، وللذات كرامتها أن يقدم هو، أو تقدم هي، احتفالات عيد الفطر المبارك، على هذا النحو المشين، المسيئ لمسلمي إرتريا، وصورتهم الناصعة؟!!.

لا تغرنكم تلك العمائم الراقصة، فحتى العمامة نالت حقها من التشويه، بتوريطها في هذه المهزلة، وحتى الحجاب كذلك، فقد رأيت قلة ممن ارتدين الحجاب، في زحمة الرقص الهائج، ولن تغير هذه العمامة، ولا ذلك الحجاب، من الأمر شيئا، إن لم تزده سوء على سوء، وإسآءة على إساءة، لكن كم هو مؤلم، عندما يزيف عيد المسلمين، على مرآى منهم، ومسمع، ويرونه مخطوفا، ينهال عليه خاطفوه، بكل ما في حوزتهم، من معاول الهدم، وسكاكين السلخ!!.

من حق المسلمين أن يحموا مقدساتهم من العدوان الثقافي، ومن كل أنواع التزوير، والتشويه، والعيد واحد من أهم هذه المقدسات، وحمايته من كل عدوان يستهدفه، في خصائصه الإسلامية، فريضة شرعية، وضرورة إيمانية، وواجب وطني.

 

لقد هنأ سعادة سفير إرتريا، السيد محمود حروي، في كلمته التي ألقاها، في هذا الاحتفال، مسلمي إرتريا خاصة، ومسلمي العالم أجمع بهذه المناسبة، ولكن كيف تحلو هذه التهنئة، والاحتفال بعيد الفطر المبارك يقدم بهذه الصورة المشينة، التي لا تمثل قيم مسلمي إرتريا، ونظرتهم إلى العيد، بأي حال من الأحوال، ولا تسر مسلمي العالم، بل وتستفزهم!!.

إذا كان الغاية من هذا الاحتفال، مجرد جمع النقود، ببيع التذاكر، فلماذا لا يكون ذلك بعنوان آخر، ومناسبة أخرى، كما عهدنا، وتبقى لعيد الفطر الكريم قداسته؟ لماذا يكون على حساب قداسة عيد الفطر المبارك؟ ولماذا تستغل مناسبة دينية تعبدية، لهذا الهدف، وبهذه الصورة المقززة، والمستفزة؟ أفي هذا احترام للمسلمين، ومقدساتهم، أم احتقار لهم، وامتهان لها؟!!.

وإذا كان الهدف تعظيم العيد، وإكبار المسلمين، وإجلالهم، ومشاركتهم الفرحة والسرور، فلماذا لم يقدم الحفل على ضوء قيم الإسلام، وإخلاقياته، في الاحتفال بالعيد، بدل هذه الصورة المسيئة، وعندها لابأس من بيع التذاكر، ولا بأس أيضا أن يشاركنا، غير المسلمين،من شركائنا في الوطن، الاحتفال بعيدنا، ولكن على شروطنا، وطبق تعاليم ديننا، وقيم ثقافتنا الإسلامية، وأسسها الأخلاقية، وإلا اعتبر احتقارا، يستدعي الاعتذار؟!!.

 

إلى الله المشتكى وبه الاستعانة.

ومعذرة كل المعذرة يا عيدنا

ومعذرة كل المعذرة لأمتنا الإسلامية، فما هذا باحتفال عيدنا.

وكل عام وأنتم بخير.

وكل عام والمسلمون في عز.

وكل عام والعالم في سلام.

 

وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح.

 

2/10/1427

24/10/2006

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6730

نشرت بواسطة في أكتوبر 24 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010