هل مخطط طيِّ سجلنا سيحقق أهدافه؟ (2-2)

بقلم: أبو أسامة المعلم

ثانيًا.

*- حال بلوغنا إلى أسمرا، فهذا يعني واقع نقلنا لكافة صراعاتنا السياسيٍّة والأمنيٍّة منذ عهد تقرير المصير، ثم فترة الاستعمار الإثيوبي، ويليها فترة النضال الوطني وما خالط ذلك من أحداث ما زالت نتائج خلافاتها السياسية والعسكرية قائمة، ثم واقع فترة الانتقال من حالة ثورة إلى دولة إرتريا الحرة المستقلة التي أقصى فيها حزب الجبهة الشعبية كل من خالفه عمومًا، وأساء فيها إلى المسلمين خاصة، لتعرضه بالسوء إلى دينهم، وإلى اختيارهم كون اللغة العربية لغة دينهم وثقافتهم، إن نقل معاني الصراع بأبعادها الدقيقة والجليلة إلى أرض الوطن يعني استمرار واقع الصراع.

*- عند بلوغ الجميع إلى أسمرا وهم يحملون في جعابهم، كل الذي ذكرنا آنفًا، كيف نتصور أن يكون عليه واقع التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي تأمل التمكين لأبعادها الفكرية بينما تشرئب إلى محاكمة من كان وراء الضياع المحكم والأزمة الوطنية السياسية، والنكبات الأمنية التي ساقت البعض إلى سجون دون محاكمات، وآخرين إلى مقابر مجهولة، وحرمان الأحياء من حقوقهم الوطنية؟

*- هنا تكون الفرصة للفصل والحسم في هذه المعاني والأبعاد، لمن بيده أسباب القوة المادية من حيازة السلاح والمال والتخطيط والتنظيم الأفضل، وهذا وحده هو منطق السياسة المعتبرة أولاً وآخرًا في واقع مجتمعات العالم الثالث، سواء من ذات نظم جهة مجتمعات العالم الثالث، أو من جهة الغرب الذي يكيل دومًا بمكيالين كما في تجربة الجزائر ومصر الديمقراطيتين بعد إذ أعلن الحرب المفتوحة ضدها، ولما لم تكن النتائج ضد ابتزازه للعالم الإسلامي خاصة.

*- تُرى من الذي يملك من بين الإرتريين القوة التي يستطيع أن يحسم بها الصراع القديم المتجدد خلال العقود الثمانية البئيسة الخوالي؟

*- ليس من يملك قوة حقيقة يستطيع أن يحسم بها واقع الصراع الإرتري القائم إلا حزب الجبهة الشعبية الحاكم، فهو وحده من يملك المال وولاء الجيش والقوة الأمنيَّةٍ التي أثخن بها خصومه في الداخل، وأنه يتمتع بدعم لوجيستيٍّ من حلفائه لتحجيم قوى المعارض في الخارج.

 

*- بما أن حزب الجبهة الشعبية في الوقت الراهن غدا أحد أحجار الشطرنج في لعبة المصالح العالمية والإقليمية لدى جهة صناع القرار العالمي، فإن القوة التي يتمتع بها سوف تؤول إلى الطرف المعد بديلا عنه، ولو من حيث المظهر الخارجي بتغيير بعض الأسماء المرشحة لخلافة أسياس مع بقاء المضمون ذات البعد، سواء كانوا من داخل حزب الجبهة الشعبية أو من قوى المعارضة التي لن تكون إلا من جنسه.

*- على وجه التدقيق والتحديد، إن أهم القوى التي يتمتع بها حزب الجبهة الشعبية الحاكم هي:

-1 تم تقسيمه لإرتريا إلى خمسة مناطق عسكرية، وتنصيب جنرالات حاكمين لها.

-2 تعينه الجنرال فلقوس رئيسا لهيئة الأركان بعد ترقيته إلى رتبة فريق، وهو من رجال النظام الأقوياء، وهو إن استُبدِلَ فالحكمة والعقل يقضيان أن لا يُستبدلَ إلا بمثله أو أقوى منه.

-3 تعينه لرئاسة جهاز الأمن الوطني ود كاسا، وإن استُبدِلَ فلن يُستبدلَ إلا بمثله أو أقوى منه.

-4 تعينه لرئاسة جهاز الأمن الداخلي سيمون جبري دينغل، وإن استُبدِلَ فلن يُستبدلَ إلا بمثله أو أقوى منه.

-5 وكذا القول عن القوى البحرية التي غالبا ما يُتكتَمُ عليها لأسباب غامضة.

-6 وكذا القول عن الإدارات المدنية الخالصة لصالح حزب الجبهة الشعبية.

*- بصرف النظر عن بقاء الرموز القيادية في مناصبها، أو استبدالها بمن هم منها أصالةً، يظل الأمر المؤكد أن هذه المؤسسات لن تنحاز إلا إلى بعدها الثقافي وطموحها السياسي، وليس ذلك، إلا فئة النصارى الناطقين بالتجرينيا الذين اختزلوا كل الوطن في بوتقتهم الطائفية حتى هذا العهد، ولا ندري ما المخبوء من أقدار الله الكونية في العقود التالية.

*- يضاف أيضًا إلى هذه القوى الهائلة التي سوف لن تكون إلا لمن أُخْتُزِلتْ لصالحهم بسياسات واقع إعاقة عودة اللاجئين، ومخطط التجهيل، ومخطط التجويع، ومخطط الترويع، ومخطط سياسة الفرق لتسود، ومخطط التشريد، ومخطط القتل، ومخطط التغييب في الظلم،

 

ومخطط التهميش، ومخطط سرقة الممتلكات، ومخطط مصادرة الأراضي، ومخطط إقصاء الحق الثقافي، ومخطط إسقاط الحقوق الفكرية والسياسية، ومخطط إلغاء كافة الحقوق الإنسانية العامة والخاصة، كل ذلك لأجل بلوغ تحقيق إظهار إرتريا بمشهد التجرينيا استبدادًا؛ وجلة هذه السياسات التي أنزلها حزب الجبهة الشعبية الحاكم في ساحات المسلمين خاصة، وفي ساحات الوطن عامة خلال العقدين والنصف، لن تكون إلا في صالح من صنع واقعها.

*- نعم، إن هذا الواقع الكئيب الذي حكم به حزب الجبهة الشعبية الوطن بالنار والحديد قهرًا، حتى جعل كل الناس داخل الوطن تحت سمعه وبصره بقبضة يدٍ من حديد، وجعل كل الوطن بكافة مدخراته، ضيعة لملكه، واحتكر التجارة في هيئة صادراتها ووارداتها دعمًا لمملكته.

*- نعم، بقراءة واقعنا المعاصر لحقائق تطبيقاته الأعلى صوتًا من صوت ادعائه بالديمقراطية والعدالة كذبًا وتزويرًا، لن تكون تطبيقاته العملية وسياسياته القاهرة إلا في صالح البديل المُعدِّ الذي هو من جنس الحاكم المُستبد بالسلطة والثروة الذي ما زال يحكم الجميع بالنار والحديد، وبقوة الإرهاب المنظم الفاشستي، الكاتم لأنفاس الأحرار بأعمال هي من جنس أعمال منظمات المافيا العالمية.

نعم، لقد قتل الرجال، وعطل العقول، وأعاق حركة التقدم، فكم هم العلماء والسياسيين والمصلحين والمفكرين والأكاديميين والإعلاميين والتجار الذين تم إخاؤهم عن ساحات الحياة، لا لذنبٍ ارتكبوه، بل لأنهم رفضوا الذل والضيم لما تعرض لهم بالسوء لتجريدهم عن حقيقة مكونهم الفكري العلمي والأخلاقي، وعن موروثهم الثقافي الذي يمثل معنى حياتهم، وعدمه معنى موتهم، وعن رصيدهم التأريخي الذي أسسه جيل الآباء، وصنع به هؤلاء واقع دولة إرتريا الحديثة مترجمة أعمالهم في واقع إرتريا الحرة المستقلة، بعد أن أرادوا إذابتها في جفنة التاج الكنسي، وشعارهم السياسي والثقافي يقول دومًا:

(كل شمسٍ تشرقُ شمسنا، وكل مَلِكٍ يحكمُ ملكُنا)

إنه مذهب حسم الخيار دون النظر إلى الآخرين وإن هم شركاء، فإن كانت النتيجة مرضية، فتلك شمسهم، ذلك لأن معيار المواطنة عندهم، شرط علوِّ صوتهم، وإلا فليذهب إلى الجحيم.

 

نعم، لقد رفض أولئك الأبطال الكرام بطشه جبروته الذي أراد منه بناء أمجاد بعده الثقافي الطائفي الكاذب الخؤون على أنقاض أمجادهم الوطنية ناصعة الصفحات، ذلك لما لم يعترف بشراكتهم البتة، ولهذا، لم يرقُبُ فيهم إلاًّ ولا ذمَّة، لاسيما أن خطط بعده السياسي متكاملة مع حلفاء له، وليس مع حلفاء الوطن من أجل إخراجه من براثن التخلف والعوز والفرقة.

*- قلتُ أعلاه تحت فقرة (ثانيًا): عند بلوغ الجميع إلى أسمرا وهم يحملون في جعابهم كل الذي ذكرنا آنفًا، كيف نتصور عندئذٍ أن يكون عليه واقع التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي تحمل أحلام التمكين لأبعادها الفكرية، وربما محاسبة ثم محاكمة من كان وراء الضياع………………………………………………………………………الخ

*- وأفول هنا: عند بلوغ الجميع إلى أسمرا، وتكامل لقائهم فيها، ونقل كافة صراعاتهم إليها، بينما واقع الوطن يئنُّ من شد وطأة هذه الحقائق المرة التي لا يستطيع أن ينكرها إلا جاهل أعمى البصيرة، أو مكابر فاسدة السريرة، أو مرتزق منجس الفضيلة، أو جبانٌ رعديد منكوس الرأس بائع الرذيلة، عندئذٍ، كيف إذًا نتصور أن تكون المرحلة الانتقالية التي كان الاجتماع في أسمرا من تحقيق معاني الاستقلال الوطني؟

*- عندما يتم الوعد الرباني الكوني للاجتماع في أسمرا، وهو أمرٌ لا أشُكُ أبدًا من تحققه على أرض الواقع، وحال الوطن بما ذكرناه من حيث القوة ومن يتمتع بها، وحال الضعف ومن يئنون من شدة وطأته، هذا والواقع الجمعي في حال تردٍ بما ذكرناه، كيف نتصور أن تكون المرحلة الانتقالية التي جاءت في إعلان نيروبي؟!

*- يا ترى، ما الذي نعنيه بالمرحلة الانتقالية؟

*- ألسنا نتفق على أن المراد بالمرحلة الانتقالية هي: تكوين حكومة مؤقتة من كافة القوى الوطنية إلى حين التَّمَكُنِ من انتخاب برلمانٍ وطنيٍّ، يُناقش ثم يُقِرُّ مقترحات دستورٍ وطنيٍّ لاختيار حكومة ديمقراطية؟

 

 

*- يا ترى، مَن الذي  يملك بالتحقيق والتدقيق، قوة وآليات ووسائل صناعة شروط ولوازم واقع المرحلة الانتقالية؟

*- في هذه المرحلة سوف تتحققُ أبعادُ إِعْمال القوة التي يملكها كل طرف من أطراف الصراع المستديم لتمكين أهدافهم الثقافية والسياسية، ولأن حزب الجبهة الشعبية حاكم الوطن، هو وحده من يملك قوة حقيقية تمكنه من تثبيت نظام حكمه بما جاء ذكره أعلاه، هذا بصرف النظر عمن سيظهر في المشهد السياسي منه، وبصرف النظر عن كون كافة القوى السياسية الوطنية سوف تشترك في عملية صناعة واقع تحقيق التحول من ديكتاتورية نظام حزب الجبهة الشعبية إلى دولة ديمقراطية عصرية بانتخاب برلمان وطنيٍّ يؤسسُ لسنُّ قوانين ملزمةٍ يفصل بموجبها بين السلطات الثلاثة الرئيسة، ويؤكد على الحقوق والمطالب المصيرية لمكون الإثنية الوطنية التي لن تتحقق إلا بسن نظام حكمٍ لا مركزيٍّ يتألف من حكومات إقليمية تتمتع بنظام حكم إقليميٍّ يناسبُ إرث وواقع السكان المحليين لكافة أقاليم المجتمع.

*- إن هذه المعاني العظيمة لصناعة مستقبل وطنٍ ديمقراطيٍّ معاصرٍ، سوف تظل أمنيات غير قابلة التحقيق على أرض الواقع ما لم تشترك كافة القوى الوطنية لصناعة واقعها بالتكافؤ وحرية القرار من جهة عموم السكان من خلال ممثليهم في البرلمان الوطني، ومن جهة الإثنية الثقافية خاصة، بما يجب أن تصل إليه إلى معاني التعايش السلمي.

*- أحسبُ أن هذه الأمنيات الوطنية الطموحة في حكم العدم بقراءة الواقع الإرتري المعاصر.

*- إذا كانت هذه الأمنيات الوطنية الطموحة في حكم العدم للجميع، فما الميسور المقدور عليه لطرف دون آخرين بما يُفهم من قراءة هذه الأفكار؟

*- إن الميسور المقدور عليه لطرف ما، دون أطراف أخرى، هي القوة المذكور بيانها أعلاه، وإن مَن يملك هذه القوة الفعلية المؤثرة التي بإمكانه إما أن يحافظ بها على مكتسباته دون أن يفرط على ما قد تندم عليه في غده، وإما بإمكانه أن يحدث بها قراءة جديدة، أو قراءة مغايرة للمألوف بين الشركاء.

 

*- إذا استحضرنا هذه المعاني وما تُفضِي إليه من تحقيق الأهداف الإستراتيجية والأبعاد الثقافية مجتمعةً، فلن يكون إلاَّ حزب الجبهة الشعبية الذي أسس لواقع اليوم وما بعده منذ عهده الثورة وفي عهد كونه حكومة دولة إرتريا التي استأثر بها دون شريك ولو في الهامش.

*- إذن، فحزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة الذي أخذ على عاتقه العهد لتحقيق بُعدَ تجرنة إرتريا مشهدًا وسياسة وثقافة، بقراءة تطبيقاته العملية المنزلة على أرض واقع الوطن، خلال فترة حكمه التي امتدت لعقدين ونصف دون شريك حتى حينه، هو وحده من سيصنع هيأة وطبيعة ومشهد البرلمان الوطني متخفيًا خلف أكمة التحول الديمقراطي بإظهار انتخابات ديمقراطية وهميَّةً في كافة إرتريا التي يحكمها بسلطة بوليسية من الجيش والأمن الوطني والأمن الداخلي، وكذا الأقاليم التي مقسمها إلى خمسة وليات تحكمها جنرالاته.

*- ليس هذا فحسب، فسلطة إعاقة عودة اللاجئين، ومخطط التجهيل، ومخطط التجويع، ومخطط الترويع، ومخطط الفرق لتسود، ومخطط التشريد، ومخطط القتل، ومخطط التغييب، ومخطط التهميش، ومخطط إسقاط الحقوق الفكرية، ومخطط سرقة الممتلكات، ومخطط مصادرة الأرض، ومخطط إقصاء الحق الثقافي والحقوق السياسية، ومخطط إلغاء الحقوق الإنسانية والأخلاقية، كل هذه بمعانيها الدقيقة والجليلة، لَمِنْ أعظم الأدوات والآليات التي سوف يستخدمها لتطويع الإرادة الوطنية لصالح مخططاته الطائفية، سواء ظل على رأس الحكم بثوبه الحقيقي بثوبه التقليدي اسمًا ورسمًا، أو بشراكة ما، في مشهد ثوبٍ بديل براق، وبهذا فقط سوف يصنع القوم نمط البرلمان التي الشاكلة التي يريدونها، أي أنهم سوف يظهرون أعضاء البرلمان في حلَّة وفاقٍ وانسجامٍ تامين رافعين الصليب والهلال معًا أما حضور عالميٍّ، وهكذا لا يضرب بالعصا إلاَّ مَن كانت في يديه، وإن كانت مسلوبة، مسروقة، منهوبة، مغصوبة، عندئذ سيصفق العالم لهذا الإنجاز الديمقراطي؟!

فكيف إذًا نتصور مستقبل بعض قوى المعارضة المُسْقطةِ؟

*- يبدوا أن العقلاء والعارفين بواقع إرتريا، لا يشكون بأن جولة جديدة من الصراع سوف تقوم سوقها، ولكن بخصائص وشروط محلية مختلفة، وبعلاقات إقليمية ودولية مختلفة أيضًا،

 

عما كان عليه الحال في عهد النضال الوطني الإرتري ضد إثيوبيا من أجل نيل الاستقلال الوطني التام، وكذا بشروطٍ  وأهدافٍ مختلفةٍ لِمَا كان عليه ومازال واقع الصراع بين الإثنية الإرترية في المعاني والأبعاد الثقافية.

*- إذا ما تحقق هذا التصور الاستقرائي لحقائق االتأريخ، يبدو أن شرق السودان سوف يُقحمُ في سوق هذا الصراع الأخير بخصائصه آنفة الذكر، وإذا ما أقحِمَ شرق السودان في هذه المعركة ذات الخصائص والشروط المختلفة، فإن ذلك ربما يُرادُ به إفناء سكان هذه المناطق الذين كلهم من أهل السنة المحضة في دين الإسلام، المشتركين في ذات الأنساب والقبائل، المشتركين في اللغات والعادات والأعراف، المشتركين في المصالح الإستراتيجية والأمنية والتجارية ليمثل كل منهم بعد الآخر.

*- أمَّا الهدف من إفناء سكان هذه المناطق بهذه الشراكة العظيمة، فقد ذكرته بقدرٍ لا بأس به من التفصيل والبيان في الفصل الثاني من الجزء الثالث في كتابٍ لي بعنوان: (إرتريا والمأساة التأريخية)، وفي كثيرٍ من دراساتي البحثية المنشورة وغير المنشورة.

ماذا علينا أن نعمل لإفشال مخطط طي ملفنا؟

-1 قبل التفكير في التصدي للحديث عن خطط وترتيبات الأولويات والعمل من أجل إفشال الخطط المضادة، أو تخفيف شرورها المُستطيرة، علينا أن نتصور بعمقٍ طبيعة مواد الجولة الثالثة التالية المعدة سلفًا بإتقان من بعد نيروبي، كما كان لقاء نيروبي من بعد فرانكفورت، فإني أحسبُ أن الجولة الثالثة وما سيليها من جولات، سوف تكون الأظهر والأقوى مخططاً من أجل الحسم النهائي لما ينبغي أن يستقر الحال عليه من بعدُ في أسمرا، فما الأمر إلا كزرع تُنثرُ بُذورهُ في التربة، وبماء الحياة وخصائص التربة تنبتُ كرأس إبرةٍ، فنراها تترعرعُ حتى تبلغ بإذن ربها تمام المُقدرِ لها كونًا، وهكذا هي أعمال وأفكار الرجال في الشأن الجمعي، بالتخطيط والترتيب والتنظيم.

-2 إن الجولات التالية أحسبُها، هي الأدق والأشجع والأوضح لتقنين العمل وترتيب الأوليات باستقراء نتائج هذه اللقاءات المتتالية مما سبقها ظاهرًا وخفيًا، ومما هو تالٍ لها ظاهرًا وخفيًا،

 

وأحسب أيضًا أن من سيحقق الفوز والنجاح في جملة الجولات من قبلُ ومن بعدُ، لن يُغلب ما لم يصنع المغلوبون واقع قوة فكرية وتنظيمية ومادية وعسكرية، يُؤسِّسُون عليها أعمالهم، ويترجمها خطابهم السياسيِّ العلمي العملي الموجه إلى الجميع.

ما العمل إذن لو كان الأمر كذلك.

-1 ليس بدٌّ من تقرير المعاملة بالمثل دون دفن الرؤوس في حمأة الوطنية الكاذبة والكاذب القائل بها.

-2 العلمُ ثم اليقينُ بأن الحقوق تنتزع ولا توهب أبدًا، وتقرير المعمل بموجب ذلك، بقوة الفكر العالم العارف بحقائق ما جرى وما هو جارٍ لتصور الآتي، وهذا من تمام الكياسة والفطنة والحصافة التي يتميزُ بها القادة والأتباع عالي الهمة الذين لا يرضون بالدون.

-3 العلم ثم اليقين بأن لا احترام ولا صيانة للحقوق ما بقية الشراكة، ما لم تُقابل أعمال الشريك الناكرة لحقوق شريكه، بعملٍ من جنسها، فالقول يجب أن يقابل بقول من جنسه، والإنكار بالإنكار، والموت بالموت، والتآمر بالتأمر، والتحالف بالتحالف؛ عندئذٍ فقط سوف تُحترم الحقوق، ويُحترمُ أهلها من جهة الشريك الذي كان يزدريهم فينكر حقوقهم.

-4 العلم ثم اليقين، أننا إذا ما فرضنا على الشريك الناكر لنا ولحقنا، احترامه لنا كيانًا وحقوقًا، فتبعًا له سوف يحترمنا شريكه الثقافي الأجنبي الذي ننعته دومًا بـ: (القوى الإقليمية والدولية)، هذه القوة التي وقفت وتقف دومًا خلف خصمنا، فقد أصبح من المعلوم بالضرورة أن كل هؤلاء لا يحترمون غيرهم أبدًا، ولا يقدسون مبادئ أبدًا، ولا يعترفون بحقوق الآخرين أبدًا، إلاَّ لما يعلموا ويروا أن الطرف الآخر قد غدا يملك قوة، عندئذٍ سوف يصفقون لنا ليسوغوا ديمقراطيتهم الكاذبة من أجل حماية مصالحهم، وإن ظلوا يتآمرون ضدنا لاغتصاب خيراتنا وتمييع حقوقنا، هذا والجميع يعلم أنهم غزاة برابرة وحشيين قتلة بشهادة تأريخهم الاستعماري، وبهذه المعاني فقط، تدوم الشراكة، وتصان الحقوق في الواقع العملي، أما غير ذلك فهراء.

 

 

-5 لهذا ليس بدٌ لتنظيماتنا السياسية من الإجماع في برامج الحد الأدنى الذي هو من قبيل ما قالت به الحركة الفيدرالية الإرترية الذي نُشر في بعض المواقع الإرترية الإلكترونية عقب لقاء نيروبي، وقد نشرتُهُ أيضًا في صفحتي على الفيسبوك، فإن كان قد قُدم ضمن أعمال لقاء نيروبي فأصبح لذلك من وثائقه المرجعية، فقد مُهد الطريق بما يكفي، وإن كان لم يُقدم في لقاء نيروبي، فلم يكُن لذلك من المرجعيات الوثائقية لما تم في نيروبي، علينا أن نجعله كذلك بقوة إجماعنا على فكرٍ سياسيٍّ ينبغي أن نتقدمه.

لبلوغ هذه المرتبة اقترح عمل التالي:

-1 على الجماعات الإسلامية أن تعي الخطر وتُبدي المرونة فتلتقي لدراسة الأمر الواقع بجدٍ، ثم لتلفق ثانية لتقدم كل جماعة ما يمثل أمر الدين والسياسة والأمن في حاضر ومستقبل الأمة.

-2 ثم لتلتقي ثانية لتوحد ما يتوصل إليه كل تنظيم منها.

-3 على التنظيمات الوطنية أن تعي الخطر وتبدي المرونة فتجلس لدراسة الأمر الواقع بجدٍ، ثم لتتفق على أن يقدم كل تنظيم ما يمثل الجميع في أمر السياسة والثقافة وطبيعة الحكم والحقوق العامة.

-4 ثم لتلتقي ثانية لتوحد ما يتوصل إليه كل تنظيم منها.

-5 ثم ليكن لقاءً جامعًا بين كل هؤلاء للاتفاق على أبعادهم الثقافية والسياسية والحقوق الثابتة الجامعة بقوةٍ ووضوحٍ.

*- بهذا نكون قد وحَّدْنا خياراتنا في ورقة سياسية ترسم تصورنا لدستور الدولة وتفاصيل طبيعة نظام الحكم، مع التأكيد على أن يكون نظام حكمٍ لا مركزيٍّ كما جاء في مسودة الدستور الذي اقترحته المعارضة بأغلبية ثلثين في إثيوبيا عام 2011، وإن كانت نتائج ذلك اللقاء الجامع قد تم إلقاؤها بصريح القول في إعلان نيروبي الذي ختم أعماله بعبارة كونه: (المؤتمر الوطني التشاوري).

 

*- بناء على هذا التقدم إن تحقق، علينا دراسة تقاسم الحقائب الوزارية في دولة إرتريا الحرة المستقلة الديمقراطية بحق، ذلك مع التبرير اللازم دون دفن الرؤوس في عباءة التسامح الوطني الكاذبة في أصلها، والكاذب أو الجاهل القائل بها من بعد التجارب المريرة الماحقة، فإن تم الاتفاق على مثل هذا المعاني بكل أبعادها الدقيقة، فنِعِمَّ هي، وإن أبت جبهة تجرنة إرتريا قبول هذه الحقوق التي تمثل طبيعة تركيبة السكان وتوزيعهم الجغرافي المتآمر عليه، فليس بيننا وبينهم عقد كاثوليكي يحرم علينا الطلاق البين، فالأمر كما قلته أعلاه وقاله غيري، أننا لا خوف علينا من الضياع ما لم نتسبب نحن في خلق واقع ضياعنا، بل الخُوف عليهم لما  لم يكن أمامهم إما الانصهار في بوتقة إثيوبيا كما كانوا يريدونها من قبلُ، وإما دويلة منبتة اختار أهلها الضيق من العيش في سعة مع شريك سمحٍ.

بهذا انتهت هذه الدراسة المتواضعة.

وأفيكم جميعًا أيها الكرام، أنني قررتُ أن أتوقف مدة عن الكتابة، لأساب رأيتها.

ولكم جميعًا تحياتي القلبية، وفي أمان الله.

 

——————-

 

هل مخطط طيِّ سجلنا سيحقق أهدافه؟ (1-2) »

abu usama

وصل الأطناب بين فرانكفورت ونيروبي وما بعدهما حتى أسمرا؟ خطابي في هذه الدراسة المتواضعة بميزةٍ وبعدٍ خاصين، فإني سوف أقدمه بمنهاج…

ديسمبر 10 2015 / المزيد

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36052

نشرت بواسطة في ديسمبر 17 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010