وداعا لمعلم الأجيال الأستاذ أحمد محمد على فرج الله إلى مثواه الأخير

 بقلم  د- إدريس  جميل  

أنتقل إلى جوار ربه  المربي  الفاضل معلم الأجيال   الأستاذ أحمد محمد على فرج الله   التي وافته المنية  قبل يومين  في مدينة  كرن  ،    ووري  إلى مثواه الأخير فيها  ، اللهم أغفر له وأرحمه ، وعافه وأعف عنه  ، وأكرم نزله   ووسع مدخله ،  وأبدله دارا  خيرا من داره ،  وأشمله  بعفوك   وأدخله فسيح جناتك ، وأرفع مقامه  في العليين  مع النبيين والصديقين والشهداء  والصالحين وحسن أولائك رفيقا  . إن لله ما أخذ  وله  ما أعطى  وكل شئ  عنده بأجل مسمى  ،  رحم الله الأستاذ أحمد   رحمة  واسعة .  ويعطي أهله الصبر والسلوان   ،  تعازينا  لأسرته  الصغيرة   و  آل  فرج الله إيلوس و لجميع معارفه و طلابه المنتشرين  في قارات العالم    .

الأستاذ  أحمد  فرج الله   عاش بداية حياته  في مدينة  كرن   ومنها  هاجر إلى السودان  لطلب العلم   ودرس في مؤسساته العلمية العريقة  ، وكان شخصا مجتهدا  ونتيجة  لذلك تكوّنت عنده حصيلة علمية   في مختلف العلوم  الشرعية ، الفقه وفروعه  ـ والعقيدة  والحديث  وتبحر  في اللغة  العربية  وأجناسها المختلفة  ـ وأعتقد  إن لم أخطئ  كان في السودان قبل أن ينال السودان استقلاله ، وبعد ذلك  عاد إلى  موطنه في  حلحل  ليستقرّ به المقام به هناك  ، ويكون سببا  في تغيير مصير أجيال متعاقبة   بنشر  نور العلم  والوعي به فيها ،   فهو من جيل رواد التعليم  والإصلاح في  منطقة  حلحل  وضواحيها ـ   قام بتعليم الناس  لأمور دينهم   ،  ومحاربة كثير من العادات  الجاهلية في المنطقة   من بواقي الوثنية والمسيحية  وخاصة في الزراعة  والأعراف الاجتماعية  في الأفراح والأتراح ، ففي البداية إنشأ خلوة  ،  وأصبح  إمام لمسجد  حلحل  العتيق ،  و في عام 1976م  أسسّ معهد  حلحل  بأستاذ واحد  وهو الأستاذ أحمد محمد على فرج الله  وكان يساعده أحمد حامد سعد الله ، وعدد الطلاب في السنة الأولى في حدود  70 طالبا  ،  وكان المعهد في البداية  يفتقر  إلى الوسائل  التعليمية الأساسية   من  كتب وسبورة  وطباشير   وفصول   ومعلمين  ، ولكن  كان  الأستاذ   هيئة تدريسية كاملة  فهو كان المدير والمعلم والمشرف  التربوي ، فاستطاع   أن يوجد سبوتين مصنوعتين من المواد المحلية ـ أمّا مسؤلية  الكتب  والمقررات  فحلت جزءا  بمساعي من رائد التعليم  في إرتريا  الشيخ إدريس حامد  سعدالله ،  وبسبب تميز الأستاذ  أحمد فرج الله  في تدريس  وقدرته  في توصيل المعلومات  لطلابه  مع الحزم وقوة الشخصية  ، ذاع صيت المعهد وزاد الاقبال عليه  بوتيرة سريعة  وأصبح عدد الطلاب  في العام الثاني في حدود 200 ، وبكثرة الإقبال  على المعهد لم يستطيع الأستاذ أحمد فرج الله أن يغطي بتدريس هذه الأعداد الكبيرة فإنضم إليه معلمين آخرين أفاضل   الأستاذ صالح على بخيت كسوراي ـ  فقه عثمان إبراهيم ، محمد عبدالله حاج  إبراهيم ـ وأيضا في تلك الفترة  استقرّ الشيخ إدريس سعدالله في حلحل وأصبح يدرس في المعهد  إلى أن انتقل  إلى  معهد أصحاب  اليمين في  كرن  عام 1982م ،  ومعلمين آخرين كانوا يأتون ويذهبون ،    وأصبح المعهد كل عام  يجذب  أعداد  كبيرة من الجنسين  من الذكور والإناث  ،  والدراسة  فيه بدأت  قوية  واستمرت   بتلك الوتيرة  ، ونتائجه  أصبحت  مرئية  للجميع   وأدرك  الناس  أهمية العلم  والتعلم  وشرور الجهل والتخلف  ، ولكثرة    إقبال الطلاب على المعهد  ضاق  المعهد  وأصبح استيعاب الكل من الصعب ، وبمرور الوقت  أصبح في المعهد  12 فصلا   ، ستة  للبنين  وستة للبنات ،  وأصبح يحول  المعهد  الطلاب الذين أكملوا  الفصل السادس لمواصلة دراستهم  في المتوسط والثانوي إلى كرن ، وكاتب  هذا السطور  إلتحق بمعهد حلحل في نهاية 1982 م ،  وقابلت  لأوّل مرة للأستاذ  أحمد فرج الله  عندما قدمت   إلى المعهد مع الوالد في اليوم الأوّل ،    وكان  الأستاذ   وسيما  أنيق الملبس  خفيف  الحركة ، وكان له العلم  بالحادث الذي  ألمّ بي حينها   ، وسلم على والدي  وتحدث إليّ  مباشرة  بلغة أهل البلد البلين  وقال لي الحمد الله  على السلام  مما حدث لك  وأبشر إن شاء الله  كل شئ يكون خير  وكل شئ  مكتوب  وأمر مؤمن كل خير  في كل الأحوال  فإذا  أصابه  الضراء  صبر  وإذا أصابه الخير شكر  .   من أول الوهلة   تفائلت  به  بسبب  الإيجابية التي لاحظتها  في وجهه   وطريقة استقباله.  ثم بعد ذلك سألني إذا  استطيع أكتب  وأقرأ  فكان جوابي له بالإيجاب  ، فقدم لي كتابا  فطلب مني قراءة  من أي صفحة منه ، وأنا  إقرأ  لاحظت  في وجهه السرور  من مستوى قراءتي  فقال حسبك ممتاز،  فناولني  مصحف  وطلب مني قراءة أحد السور القصيرة  وبعد ذلك قال مستواك ممتاز  ،  وأنا اعتقد  مستواى  في تلك الفترة  كان  معقولا  ،  ولكن  الأستاذ  أحمد  كان يهدف  من وصفه لي  بالممتاز   رفع  معنوياتي وزع الأمل فيه   لأنني مازلت  كنت أعاني  من أثار  الحادث المؤلم  الذي كان ألم بي  ، ويعلم الله لأنني أحببت  الأستاذ أحمد  فرج الله  من  أوّل  الوهلة  وأحببت المعهد ، وأصبحت  من الذين  يحرزون  الدراجات  العليا في المعهد خلال مدة دراستي إلى الفصل السادس  وكنت أجد منه التشجيع  والجوائز بالإستمرار  . وعهدته مدرسا لي  لمادة النحو العربي، والفقه والحديث  ومواد أخرى  وكان متمكنا من  المواد الذي كان يدرسها   له أسلوب جميل ومبسط في تدريسه وإيصال المادة إلى وعي الطالب بالسهولة  الأمر الذي مكنني من أخذ نواصي أساسيات وقواعد اللغة منه وكان ذلك خير زاد لي في المراحل التعليمية العليا لاحقا، جزا ه الله عنا خير الجزاء .

كان الأستاذ أحمد صاحب شخصية قوية  لها حضور ،جاد  ، واسع  الإطلاع   يتميز بوضوح الرؤية  ، عميق في تفكيره ونقاشه ،  صادق لا يجامل أحد فيما يعتقده الصواب ، ومن صفاته   الترفع عن سفاسف الأمور  لكن في نفس الوقت  لا يقبل الضيم .  صاحبة شخصية  مهابة  يخاف منه الناس حتى يقترب منه لكن عندما تقترب منه نجده  سهلا متواضعا   كريما بشوش الوجه ،يتمتع  بحسن المظهر أنيق الملبس يتميز  بفصاحة اللسان  وجمال الخط  يمتلك سر التربوي والتعليمي ، ومنذ  تأسيس معهد  حلحل  عام 1976م  – 1988م   كان  مديره  ومعلما  فيه ، وتخرجت أجيال منه  في تلك الفترة   وواصلت أعداد  كبيرة من طلاب  معهد حلحل إلى المستويات  العليا من التعليم  فمنهم  اليوم الأطباء والمهندسين  ومحاضرين في الجامعات ـ وكتاب وباحثين ، إداريين ، معلمين  إلخ— منتشرين  في القارات العالم ،  والأكثر  والأهم في ذلك  وبجهد تلك الكوكبة النيرة إن الوعي بالعلم قد انتشر في وسط  سكان  حلحل  والمناطق حولها  وهذا يعتبر إنجاز وكسب  استراتيجي  لهذا الجيل والأجيال المتعاقبة في المستقبل  .  وتوقف المعهد من أداء رسالته  عام 1988م  بسبب تعرض  هذه المنطقة   لتدمير  من النظام الإثيوبي   للمرة الثالثة ،  فاضطر سكانها  للرحيل  فمنهم من استقر به المقام  في مناطق أخرى  في  إرتريا إلى أن عادوا عام 1991م  ،  ومنهم من هاجر إلى السودان وكان الأستاذ أحمد فرج الله  واحد منهم  ومنذ وصوله  إلى ودشريفي بدأ يعمل في لجنة  المعسكر وكان من أفضل من مثل مجتمعه  في تلك البقعة  ، وكنت أقابله كلما آتي إلى ودشريفي في الإجازات ، و آخر مرة أقابلته كان عام 2003 في كرن  وكنت قادما حينها  من جنوب شرقي أسيا ، وكنت  يومها  طالبا في مرحلة  الدكتوراة وتجاذبنا أطراف  الحديث  وسألني عن أخباري ومستوى الدراسة ، وسرّ عندما  أخبرته أنني في مرحلة الدكتوراة ، وذكّرته  باليوم الأول الذي قابلته في مكتبه عام 1982م ، وشحن  الأمل التي  زرعها في نفسي ،  وشكرته في ذلك وفي التكوين  الجيد  الذي حصلته من معهد حلحل  في يده ويد زملائه المعلمين الآخرين . وبعد الدرشة لما يقارب الساعة  تقريبا  بعدها سلمنا على بعض  وافترقنا ،  واليوم التالي أنا غادرت إرتريا  من حيث كنت أتيت ،  وبعدها كنت أسمع أخباره لأنّه  مستقرّ  في كرن ووصلتني تحاياه عبر أحد الأخوة الذي قابله  في كرن  قبل سنة ونصف تقريبا ،  وأوّل أمسو في اتصال مع أحد  الأخوة  أخبرني بوفات  أستاذ الأجيال  أحمد محمد على فرج الله  في كرن .

الأ رحم الله  الأستاذ  أحمد فرج الله  رحمة واسعة  وأن يثقل موازينه  بالحسنات  لكل حرف  علمه   و أن يكنب له الثواب في كل خطوة بدلها في الدعوة والإرشاد  والنصح  والإصلاح  وفي رفع شأن قومه ،      وبقلوب مؤمنة   بقضاء الله   وقدره     تقول لك يا معلم الأجيال    وداعا   إلى جنات الخلد   بإذن الله    ” الذين  إذا أصابتهم  مصيبة  قالوا إنا  لله  وإنا إليه راجعون  “

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=44850

نشرت بواسطة في يونيو 1 2021 في صفحة المنبر الحر, شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010