يا عيد بأي حال عدت

قـطر- كـرار هيابو ( أبو علي)

hiabu1_k@yahoo.com  

 

كنا نجلس في مطعم قصر النيل حين بدأت الفضائية الارترية بث برامجها لذاك اليوم ، وكان يوما مفتوحا بمناسبة عيد الفطر المبارك ، حيث افردت هذه الفضائية مساحة لنقل فعاليات الحفل الذي اقيم بالعاصمة ابو ظبي بدولة الامارات العربية المتحدة ، وقد سعدنا بمشاهدة وقائع هذا الحفل الذي أحيته كوكبة من كبار نجوم الفن الارتري . تخللت الجلسة نقاشات وتعليقات بعضها يتعلق بالحفل وآخر بمجمل تطورات الاوضاع المضطربة هذه الايام في منطقة القرن الافريقي ، وكان النقاش في أحايين كثيرة يشتد حدة ويرتفع  لدرجة أننا لم نتأكد من أن الفنان الامين عبد اللطيف غنى بلغتين أم لغة واحدة ، لكن الحقيقة الثابتة انه كان يلبس طوال فترة ظهوره على المنصة ما يكفي لكسو خمس أشخاص من الحجم العادي.

أعتقد شخصيا أن الرجل غنى بالتيجرنية الى جانب التيجري ، لكني لا أستطيع أن أجزم بذلك ، حتى لا يتهم بجرم نشر تلك اللغة في دولة الامارات العربية ، أو في جزيرة العرب ، وما يساعد على النفي أن الرجل كان يلبس الزي العربي القومي الذي أشرت اليه.

المطعم ، قصر النيل ، لمن لا يعرفه هو مطعم أثيوبي _ سوداني ، ورواده هم أبناء الجاليات الارترية والصومالية الى جانب السودان واثيوبيا بالطبع ، والفضائية التي تشكل الحضور طوال ساعات العمل هي الأرترية ، وعلى هذا القياس فان حفل ابو ظبي حظى بمشاهدة واسعة في قطر وتناقلته كل ألسن أبناء هذه الجاليات بل ، واستمتعت به وهي تمني النفس بحضور حفل مماثل هنا في الدوحة، خاصة وان الجاليات الأرترية الأخرى في الكويت وقطر والبحرين بعثت ببرقيات تهنئة ومعايدة بحسب ما اذاعه عريف الحفل.

غابت عن الحفل المظاهر الاصطناعية التي تشوه صورته ، وكان حفلا عاديا طغت فيه التلقائية حتى جاء مجسدا لروح سماحة العيد التي افتقدناها بفعل الزمن الرديئ ، وهذا جهد مقدر يحسب للسواعد الكادحة التي وقفت وراءه منذ ان كان الموضوع فكرة ثم خطة ، فورشة عمل من خلال بذلهم للوقت والمال واقتطاع مدد من أوقات راحتهم ، اذن فهو حفل اقيم على اكتاف المغتربين الكادحين من أبناء الوطن ومما جادت به خزائنهم وهذا بحد ذاته ما أعطى الحفل بعدا آخر وجعل منه (غير شكل) كما يقول الخليجيون.

أوجاديني ، في العقد الثاني ، متعصب لصوماليته ، يحرص على حضور برامج الفضائية الارترية ، كان بيننا الى جانب أخوة من السودان ، احتار في الأمر وهو يشاهد التنوع الثقافي فتساءل ان كان هذا الحفل أرتري أثيوبي سوداني ، بل لم يتخيل الأمين عبداللطيف أن يكون غير سوداني. ثم جاء صوت من أحد زوايا المطعم يقول:(طيب حسي ما الزول ده سوداني عديل كدة ، العمة ذاتا ما.. سودانية عليك الله) وهو ينظر الى الامين عبد اللطيف ، أو ينتقل بنظراته من شخص الى آخر، ولم ينسى أن يشير الى الثوب (السوداني) حين قدمت احداهن أغنية سودانية ضمن وصلتها الغنائية.

هناك بعض العدنيين والحضارمة ممن يرتادون المطعم ، وهم كغيرهم من الرواد يشاهدون الفضائية الارترية وربما العلاقة التي بينهم وبينها علاقة حسب ونسب ، أو تقديرا لما قامت به ذات مرة حين قدت لمشاهديها وقائع بطولة كروية افتقدها الجميع في الفضائيات العربية. ما يميز رواد هذا المكان هو الإحترام المتبادل ، وسيادة أحاديث الود والمجاملات التي يحرص عليها الجميع ، أحد الظرفاء علق على هذه الأجواء قائلا:(القائمون على أمر هذا المطعم أفضل من القائمين على أمر الإتحاد الأفريقي)! متمنيا لادارة المطعم التوفيق وراجيا منها العمل من أجل دعوة فنانين ارتريين لحفل مماثل في احد دور المؤسسات الثقافية لدولة قطر. 

نفس هذا الإنطباع يحمله الكثيرون ممن يرتادون هذا المكان حيث يغادر الناس نهاية كل لقاء بعد أن يتبادلوا الابتسامات وكلمات المجاملة ، كما يفعلون بالضبط حينيصلون اليه قادمين . المشهد يتكرر والأحاديث تتشعب لتمتد الى جوانب أخرى ، وحالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشها منطقة القرن الأفريقي تشغل بال الجميع ، خصوصا مع تزايد أجواء التصعيد التي تسود المنطقة هذه الأيام ، ويظل موعد بث الفضائية الارترية أكثر ما يترقبه الرواد ، ولا يخفي البعض اعجابهم بظاهرة الغبار الكثيف الذي ينبعث من هذه الفضائية نتيجة لعمليات الحفر والردم التي تقوم بها الايدي الناعمة بواسطة معاول البناء التقليدية ( الطورية والكوريك والحفارة) والصخور التي تتدحرج الى القاع من تحت أقدام الجموع.  

للعيد نكهته الخاصة في كل مكان وزمان . وللعيد في قريتي التي هي شبيهة بعالم هذا المطعم ، طعم آخر ، اذ أن الناس هناك شعوبا شعوبا وقبائل ، وثقافات وديانات ، فان مظاهر العيد تكون (غير شكل) ، مظاهر احتفالية تقوم بها كافة (التشكيلات ) القبلية المكونة للسكان ، وتحضرها كافة (الوحدات) و(الأذرع) و(القطاعات) التي لها علاقة بتلك (التشكيلات) . الناس جبليون ، ومن السواحل والسهول ، ومن الصحارى ، هذه جذورهم التي يتحدثون عنها  وأصولهم التي ينتمون اليها ، وتلك عاداتهم التي يفخرون بها ، وتقاليدهم التي يتمسكون بها . القرية عندهم بحجم االوطن كلما مشوا فيه مشت معهم قراهم ، وأينما حلوا حلت عاداتهم وتقاليدهم.

في الحفل المذكور رأيت على الشاشة أحد أبناء قريتي يرقص ، وبقدر سعادتي لرؤيته وجدتني أرقص وأتمايل أو هكذا فعلت ، وقد نازعتني نفسي فاتصلت على هاتفه السيار ، وحين خرج من دائرة الرقص ليرد قلت له بعد الرطنة لزوم السلام القروي:(أشوفك مستأنس اليوم) . فرد على الفور :( طبعا … طبعا .. أبو ظبي اليوم غير) .

يحزننا أن يعود علينا العيد وطبول الحرب تقرع من حولنا ، تسلب منا لحظات الفرح التي نعيشها بقدومه ، تحول بيننا وبين زرع بسمة على شفاه أطفالنا الذين يدفعون سني طفولتهم ثمنا لها، انها ليست نزهة ، ولطالما كتبت علينا فانا لا محالة خائضوا غمارها ، ومن أجل قريتنا يرخص كل غال ونفيس.

 

 (تهنئة قلبية صادقة لكل الاصدقاء ولقراء هذا الموقع وعيد سعيد أعاده الله علينا باليمن والبركات)

 و يا عيد باي حال عدت!

 

قبل الوداع:  (ابراهيم حسين)

لو جارت عليك أيام تعال لعيونا بتشيلك!

 


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6295

نشرت بواسطة في نوفمبر 5 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010