هؤلاء يستحقون التكريم (1)

أبو محمد … قضى أكثر من خمسين عاماً في خدمة قضية شعبه!

        تعودنا أن نكتب عن قاماتنا بعد مفارقتهم الحياة ، فيخرج ما كتبناه في صورة أذكروا محاسن موتاكم ، وفي ذلك الكثير من الاجحاف في حقهم و حق الوطن و حق القراء لهذا أردت أن أكسر هذه القاعدة وأنصف من أعرف منهم وهم أحياء ، فمنذ مدة وأنا أفكر أن أكتب عن القادة السبعة الذين تنازلوا في نوفمبر 2014م عن تقلد أي منصب رسمي بجبهة التحرير الأرترية حتى يفسحوا المجال لجيل الشباب لمواصلة المسيرة إلا أن قضايا تتعلق ببعد المسافات وتعدد البلدان التي تفرقنا فيها أخرت البدء في مشروعي ، ولأن الألف ميل تبدأ بخطوة ها أنا أخطو خطوتي الأولى.

من سأكتب عنه في هذه الحلقة رجل مملوء بالغيرة والايمان … متسامح …. منفتح…شفاف…لا يداهن بل يتكلم بالحق … يقبل الآخر وإن إختلف معه … مثالا للمحبة التي يحملها ، عملاقا والعملاق يصعب عليه ان يختبئ و يصعب عليه ان يتقزم … لا يرتضي أن يعيش في ذل وهوان ، لهذا كان دائما في وسط الأحداث وهي ملتهبة ، عاش طول عمره مرفوع الهامة… كل من يعرفه يلهج باسمه ، فهو من الذين سخرهم الله لخدمة عباده وأنني أحسبه من الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن لله تعالى عباداً اختصهم بحوائج الناس, يفزع الناس إليهم في حوائجهم , أولئك هم الآمنون من عذاب الله)) كثيرون يعرفونه دون أن يعرفوا تاريخه الناصع ، معايشتي له في ليبيا كانت ضئيلة جدا سنة ونصف تقريبا وأول ما عرفته كنت بالصف الأول الإعدادي إلا أن تأثيره كان في نفسي كبيراً و أن ذلك التأثير الإيجابي الذي خلفته شخصيته البسيطة المتواضعة ظل يتعزز يوم وراء الآخر عرفته في طرابلس بسيارته الفيات الحمراء الصغيرة المتواضعة ذات اللون الأحمر والتي من فرط صغر حجمها كنت أعتقد وأنا بالصف الأول الإعدادي قياداتها وبكل سهولة ، تلك السيارة المتواضعة كان قد رهنها لتوصيل أصحاب الحاجات ، خاصة إلى المطار لتوصيل الطلاب المسافرين في إجازاتهم ، عندما نقل للعمل بالقاهرة أخباره لم تنقطع عني ، فكنت استمتع بطرح سؤالي الاستقصائي لكل قادم من هناك … من هو مسؤول مكتب الجبهة في القاهرة ؟ وكيف هو؟ وأن هذا السؤال كان دائما كافي ليدفع الآخر للإدلاء بشهادته الجميلة عنه.

نقل مرة أخرى للعمل ببغداد وواصلت أنا طرح سؤالي الاستقصائي على القادمين من بغداد وكانت هناك دائما الاجابات التي حفظتها عن ظهر قلب ، ثم نقل مرة أخرى للعمل بالقاهرة وسيرته العطرة استمرت في التداول بنفس النسق ، ومن غرائب تلك السيرة أنني في عام 2010م كنت في إجازة سنوية بكسلا سمعت الشخصان الجالسان بجواري في حافلة المواصلات العامة يتحدثان وعلمت من حديثهما أن أحدهما قدم حديثا من رحلة علاج بالقاهرة ولا أدري كيف انتقل الحديث عن أبو محمد فقد انبرى المتحدث مدحاً فيه فلم يترك صفة جميلة وإلا نعته بها ثم انتبه أنني استمع لكلامه فأخذ يحلف لصديقه أن ما ذكره عن هذا الرجل حقيقة ، فوجدت نفسي أرد عليه وأقول له : أنا  أصدقك لأنني أعرف الرجل الذي تتحدث عنه ففرح بذلك كثيرا وواصل حديثه الذي سبق وأن سمعت جزء كبير منه ثم طلب مني رقم موبايل أبو محمد ، ، ولحسن حظه أنني كنت قد حصلت عليه قبل ذلك بيومين لهذا أعطيته رقم موبايل أبو محمد  ففرح كثيرا به.

السؤال كان دائما وسيلتي للتعلم وجمع المعلومات ، والسؤال عن أبو محمد كلما وجدت فرصة كان هاجسي الدائم لأن التقييم الجميل له كان دائما يفرحني لأنه كان يعزز الثقة في تقييماتي ، لهذا كلما اتيحت لي فرصة مع أحد قادة الجبهة كنت أسأله عن مكاتب الجبهة الخارجية وفي بالي أن أعرف تقييم أبو محمد ، والغريب في الأمر هو أن يتفقوا في تقييماتهم فإجاباتهم لم تخرج عن نسق واحد ، أنه شريان رئيسي من شرايين الجبهة ، هو الرجل الأمة بالنسبة للجبهة ، أحد الأعمدة التي تقف عليها الجبهة ، الرجل الذي تعيش ببركاته الجبهة … الخ ، لهذا كله رأيت أن يكون أول الشخصيات التي أكتب عنها وربما وجوده في القاهرة ساعدني كثيرا في سهولة التواصل والدردشة لفترات طويلة للحصول منه على القليل من المعلومات .

 

أبو محمد … سليمان آدم سليمان دقي ، ولد عام 1942 م  بمدينة هيكوتا و درس بها الابتدائية ، ثم درس المتوسطة بمدينة أغردات ، والثانوية درس منها سنة واحدة بأسمرا ثم أكملها بمدينة كسلا.

في عام 1959م التحق للعمل بوزارة القانون والعدل في ظل الحكم الفيدرالي ووقتها كان يرأسها الشيخ عمر حسنو ثم انتقل للعمل بالمحكمة الجزئية بمنطقة كيرو في المديرية الغربية ، ثم عمل كمسجل بالمحكمة الإقليمية بمدينة تسني و كان يرأسها الشيخ أكد محمد هرودة.

مثل كل شباب الوطن في ظل الاحتلال الذين أشتعلت قلوبهم بحب الوطن و وآلمهم المصير الذي إليه يقاد ذاك الوطن ، وجد الشاب أبو محمد نفسه وهو في السابعة عشر من عمره يشارك أنداده و رفاق دراسته المظاهرات ، كان قلقا دائما كزملائه ويبحث عن سبل للعمل و الانخراط في النضال وقد واتته الفرصة و التحق بالعمل النضالي في يناير1960م بحركة تحرير ارتريا في تشكيلة كان يرأسها الشهيد / محمد ادم حاج إدريس و كان المقرر لتلك التشكيلة المناضل/ علي خير ادم ، ولم يستمر مع حركة تحرير أرتريا كثيرا فبعد فترة قصيرة اتصل به الشهيد / عبد الرحمن عثمان شباك و كان يحمل رسالة من الشهيد القائد حامد إدريس عواتي  يطلب فيها الدعم و الالتزام بصفوف جبهة تحرير ارتريا الوليد الجديد آنذاك و قد كان من مهام الشهيد عبدالرحمن شباك اللقاء مع الشباب المتحمس و المؤمن بوجوب الكفاح المسلح وايصال رسالة القائد عواتي لهم و قد اتصل به لمعرفته بحماسه و استعداده للانخراط بالنضال المسلح ، فتأكد له أن جبهة تحرير ارتريا جديرة بتحقيق أهداف طرد الاحتلال من أرض الوطن بالعمل العسكري ، بعد التحاقه بجبهة التحرير مباشرة قام بتأسيس خلية سرية مكونة من السكرتير / محمد إدريس شنيتي  و الشهيد / عبد الله شقراي و الشهيد / فكي علي إبراهيم و الشهيد/ حامد عمر منتاي و موسي محمد هاشم و عمر خليفة . واخذت تلك الخلية بالتمدد علي شكل خلايا سرية تغطي كل مدن القاش بالتنسيق مع الشهيد / احمد ادم عمر الذي كان يتواجد بمسقط رأسه بمدينة هيكوتا مع رفاقه وهم المناضل / حامد ادم سليمان دقي و الشهيد / جمع محمود هزام و المناضل / محمد علي ادم عمر و بحكم موقع مدينة تسني المحاذي للحدود السودانية كان فرع تسني من أنشط الفروع في ارتريا ، حيث كان لهم  تواصل مع كل الخلايا  بالمدن الارترية و القيادة الثورية بكسلا و المجلس الأعلى و خلية أديس أبابا و كان يتم التواصل معهم جميعا عبر سائقي الشاحنات و هم الشهيد / أبو بكر محمود ضرار و المناضل / محمد عسكر  و المناضل / إبراهيم زينو و الشهيد / طاهر بلال و إدريس حاج عيسي و المناضل محمد علق كما كانوا يقومون بنقل التقارير السرية و يحملوا لهم المنشورات و كذلك كان يتم نقل بعض الأسلحة و الذخائر و القنابل لداخل المدن الارترية والعاصمة اسمرا وكذلك لأديس أبابا ، و أنهم كانوا يملكون جملين هما وسيلة نقل الرسائل السرية للقيادة الثورية بكسلا وتلقي رسائل التوجيهات من القيادة الثورية و أن المراسلان اللذان كان يقومان بهذه المهمة هما المناضلان  همد حسب ومحمد اسناي ، و قد كانت الخلايا تلعب دور كبير و لها نشاطات كثيرة فقد كانت تزود الجبهة بأموال الاشتراكات و التبرعات و كذلك الاتاوات المفروضة علي كبار التجار و أصحاب المشاريع كما كانت الخلايا ترشد الفدائيين أثناء قيامهم بتنفيذ العمليات الفدائية على العملاء بداخل مدينة تسني ومنطقة القاش عموما و غير ذلك من الأعمال كتوزيع ونقل الأسلحة و المنشورات و تسهيل حركة أعضاء الجبهة.

ومن المعلومات الملفتة التي تحصلت عليها أثناء دردشتي مع أبو محمد أنه في مطلع عام 1965 تلقى مكالمة هاتفية من مقرر خلية اسمرا و كان يعمل في شركة سكر و أخبره فيها بقدوم شخص مهم إليهم و طلب منه الاهتمام به و إرساله إلي كسلا  و كان ذلك الشخص أسياس افورقي فقام باستقباله في محطة الباصات بتسني و بعد يومين حرر له رسالة للقيادة الثورية لتوجيهه حسب ما طلب مقرر خلية اسمرا و بالفعل تم نقل أسياس الي كسلا عبر الجمال بصحبة المراسلان السابق ذكرهما.

في 7/ 3/ 1967 أبلغ أبو محمد من الميجر عبدا لقادر محمد علي بوصول قائمة بأسماء خليتهم و ستحضر مجموعة من رجال المباحث من اسمرا للقبض عليهم لهذا كان عليه و رفاقه مغادرة تسني خفية إلي السودان وعند وصلوهم لمدينة كسلا تواصلوا مع القيادة الثورية ، وقد أصبح عملهم في الداخل محفوف بالمخاطر العالية لهذا تم دمجهم في العمل في نشاط الجبهة بمدينة كسلا ضمن القيادة الثورية ، فتم تكليفه بمهام مساعد رئاسة القيادة الثورية من مارس 1967م حتى أغسطس 1969م ، و بعد مؤتمر أدوبحا العسكري أوكلت إليه مهمة العلاقات العامة بين السلطات السودانية بكسلا و الجبهة ، و بعد المؤتمر الوطني الأول عام 1971 أسند إليه مهمة العمل ضمن مكتب الجبهة بالقاهرة ، ليشغل عام 1974م منصب ممثل جبهة التحرير الأرترية بالقاهرة ، وفي الفترة من (1976 حتى 1980) كلف بمهمة تمثيل الجبهة  بليبيا و خلال الفترة من(1980 – 1983) انتقل إلي بغداد كممثل للجبهة بمكتبها هناك وخلال الفترة من (1983 – 1989 ) كانت العودة إلي القاهرة مرة أخري كممثل لجبهة تحرير ارتريا .

في عام 1989 اختير عضو مجلس تشريعي و مسئول الشئون العربية الإسلامية في مكتب العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الأرترية. و انتقل لفترة  للعمل من الملكة العربية السعودية ( جدة ).

وخلال الفترة من 1989حتى1992بعد الاتفاق بين الجبهة و قوات التحرير الشعبية تم اختياره ممثل للتنظيم الموحد بمكتب القاهرة

وفي نوفمبر 2014م  في المؤتمر التاسع لجبهة التحرير الأرترية أبدى رغبته هو وآخرون بإعفائهم من كل المهام الرسمية إيمانا منهم أنهم قد أدوا دورهم ورغبة منهم في إتاحة الفرصة للشباب لتبوء المواقع القيادية مع استعدادهم التام برهن خبراتهم و وقتهم لأبناء وطنهم .

.

بقلم : علي عافه إدريس

للتواصل aliafaa@yahoo.com

 


eri heros (4)

 صورة حديثة للقائد سليمان آدم

eri heros (1)

 أبو محمد مع القائد أبو إبراهيم والزعيم حامد كفو رحمة الله عليهما

eri heros (2)

صورة تجمع القائد أبو محمد مع القائد أبو إبراهيم رحمة الله عليه

eri heros (5)
أبو محمد مع الزعيم الوطني إبراهيم سلطان

eri heros (3)

صورة جماعية لقيادة الجبهة وبعض الكادر تضم القائد سليمان آدم سليمان

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34727

نشرت بواسطة في يونيو 16 2015 في صفحة المنبر الحر, شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “هؤلاء يستحقون التكريم (1)”

  1. abdul

    Mina almumineena rijalun sadaqoo ma AAahadoo Allaha aaalaihi, faminhum man qadaa nahbahu waminhum man yantath
    …. Al-Ahzab [33:23]) ir, wama baddaloo tabdeelan)

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010