فى حـــيًنـا فـدائى

قصًة فدائى من جبهـة التحرير الإرترية

يحكيهـا:

عبد الفتـاخ ود الخليفة

بورتن

المملكة المتحدة

الجزء الأول

كثير من الأخوان والأصدقـاء,عندمـا نتسـامر يقولون لى لمـاذا لا تكتب كلً الًذى تحكيه,أنهـا قصص ومشاهدات شخصية,تستحقً الذكر,ولربمـا تؤسس لعمل أكبر, لو أضـاف  ًعليهـا شهـود الأعيـان,أو صنًاع الحدث بأنفسهـم تطلبهـم فى مقـابلة,إن كـانو أحيـاء,وبذالك نسـاهم فى تسجيل تـأريخـنـا الحديث, وبالذات تأريخ الثورة,قلت ومن أين لى الأسلوب,وفن كتـابة القصص,لأن القـارئ الإرترى بالعربية,لم يكن كمـا كـان فى الستينـات والخمسينـات,كمًا,وكيفـاً,وبعد زمن  طويل  عجبتنى الفكرة, ولأنى أيضـا أحب الحكى,إستفزًتنى شهـوة الحكى,أولا ثمً أنً المـناضل المعنى بالقصًة,لم أرى أحدا كتب عنه, أوعن العملية التى نفّذهـا بكل شجـاعة وإقدام.وثـالثا إذا تقبًلهـا القـارئ الكريم فلتكن إستراحة القـارئ بعد,قراءة مواضيع,تتطلب التركيز,تشدً الأعصـاب.

فهذا الجزء الأول من القصًة,كتجربة,وأرجو أن لا يرمينى بحجر من لم تعجبه ,فليقل لى بهـدوء مـا الطريقة المثلى لنقول مـا شـاهدنـا ومـا نعرف.

جـبل (إيتعبًر) ذاك الجبل الشـامخ شموخ سكـانه, لو كـانت الجبـال تتحدث لحكى الكثير ممًا رآى,كم من سرً دفن فيه وكم من أحداث حصلت,فى محيـاه وهو الشـاهد الوحيد عليـهـا,وكم من فدائى أدى الواجب وعبر هذا الجبل فى طريقه إلى رفـاقه,ومنهـم من إستشهد بعد أن عبر  (أيتعبر) بلحظــات,وكم من مرًة كـان( فرًجت الرًجـل الأسطورة) يـنـاجى فيه ربه فى الصًبـاح البـاكر, أحيـانـا كثيرة كـنًا نصحو الصـبـاح,بصوته وهو ينـادى(وأبرى فقرنـا دبرى, فرًجت فرًجت,فرًجت), وعندمـا نعود من المدرسة أحـيـانا كثيرة نجد (فرَجت) لا يزال موجودا فى الحى,ينـادى وينـاجى,نبحث عنه فى كلً مكـان,إن لم نسمع صوتـه نصعد الى الجبل حتى نصل القمًة,وأحيـانـا كثيرة نجده على سفح الجبل عند المقـام أو سميه المصلًى أو كمـا كـان يسميه أهل الحى(شيخ الجبل) ,نردد معه كلً كلمة يقولهـا إن فهـمنـا وإن لم نفهـم,وفرحتـنا كـانت لا تضـاهى عندمـا يـقـال لنـا نـادو فرًجت (فرًجت لاكو, يوم أربوع إيدورتـا,شيفوت إقل لبلع, يوم عـاشورا تو بولو) وشيفوت العـاشوراء(البليلة التى تعدً خصيصـا ليوم العـاشوراء) هذه يستعًد لهـا النسـاء من الصـباح أمـام مسجد الحى ولم أفهـم مغزى الإحتفـاء بذاك اليوم الاً مؤخرا. و كمـا كنًـا نصـحو أيضـا علـى صوت سيدنـا إبراهيـم ,والًذى كـان فى قرآن عد يـاقوت,قبل أن يرحل القرآن,والشيخ كلً على حدة  خلوة القرآن الى شـارع عد بـافول,وأمـام منزل آل كشـواى,والشيـخ إبراهيـم الى الجزء الشرقى من الحى تحت( دبر إيتعبًر), كنًـا أيضـا نصحو على نداء هذا الشيخ اللذى كـان يعتكف فى المسجد والًذى كـان ينـادى قبل آذان الصبح الأول( يـا عدْ دبيرْ ذكّرو القبير) والمعنى يـا سكـان حىً عد دبر أذكرو القبر, وكلً ذاك النداء من منصّة الآذان فى مسجد الحى المعروف بمسجد الخليفة جعفر,وأذكر أنً الدكتور جلال الدين محمد صـالح (إبن المرشد) كتب عن المسجد وخلوة القرآن التى كـانت فيه,ولا زالت,حتى اليوم تؤدى الرسـالة المقدَسة,وبنـاء على آخر المعلومـات لا تجد فيـها إلا أطفـالا صـغـار لا يتجـاوز أعـمـارهم بين الخـامسة والعـاشرة فقط .والرواية لأبنـاء الحى اللذين قـابلتهم فى بريطـانيـا بعد هروبهـم من جحيم (الهـجدف) و بعد خيبة الأمل التى أصـابتهم فى  إرتريـا, التى ظنو أنـهـا سوف تكون سنغفورا إفريقيـا على يد الزمرة الحـاكمة وبعد أن كذبت النبوءة,وأصبحت إررتريـا (سينقل بور بدل سينقـافور). )

الزمن كـان جميلا والطقس كـان أجمل فى مدينة كرن ,جوهـا الطبيعى والسيـاسى الًذى نراه اليوم,لم يعرفه سـكان كرن فى السـابق,فتدخل الطبيعة والحسًاد جعل المدينة,غريبة على سـاكنيهـا وعلى وشك أن يفقدهـا رونقهـا,وعبقـهـا  فالشخص منًا كـان يحسً  وكـأنه فى أجمل مدينة, من مدن العـالم ,مقـارنة بالمدن الأخرى, فى الوطن الحبيب وبالذات بعد زيـارة عـابرة لمدينة حقًات أو عدردى أو أى مدينة أخرى, إلى أن حـالفنـا الحظ وزرنـا أسمرا عندمـا كـانت عـاصمة السيـاحة,(ميزا رومـا) وبعده بزمن ليس بقصير زرت عروسة البحر الأحمر(مصوع) قبل أن تسرق وحى الختمية يصبح (قطمية) وحطملو تصبح (حنطملو).

كرن المدينة كـانت جميلة,ظريفة, ونضيفة, بالرغم من صغرهـا,كنًا لا نحسً بتعب ولا إرهـاق ونحن نتجول فى أحيـاءهـا القريبة والبعيدة,نطوًف حول  روشـان  ريبـا( وجيرا فيورى),أمًـا الوصول إلى بـاسكوسى فذاك كـان خلسة قبل أن يرانا الكبـار ويدعوننـا فى المسـاء للإنترفيو المعتادة ماالذى أتى بك الى هـنـاك؟

,أمًـا شـارع بـاريس فلم يعطونـا فيه طلاب الثـانوية( هطى داويت ) فرصة  ولم نستمتع به كمـا تمنينـا نسب( للكوبرى فوكو)(حظر التجوال الذى فرض على مدينة كرن,) وهـذا( الكوبرو فوكو) فيه طرائف كثيرة,أتركهـا للأستـاذ( إبراهـيم ود حـاج) لأنه متخصص فى طرائف المدينة(كرن).

أحيـانا  نقف أمـام منزل حـاكم المديرية (إمبـاى هـبتى) حتى يطردنـا منهـا أو من بـابهـا الحـارس,وكـان غـالبا من أفراد الشرطة والًذين نعرفهم ونشـاهدهم صبـاح مسـاء فى المدينة,حتى أستبدلو (بالجمـاعة إيـاهم) أقصد أولئك الَذين كـانو يسألو كم تلد البغل؟ وإذا أجـابو يتمً قبولهـم(فى القوًة الخـاصة لمحـاربة الشفتـا) وأذكـاهم من يجيب أنً البغل تلد مرًة واحدة!!!  أمًا البقية الباقية من يقول تلد سبعة ومن يقول قد تلد خمسٍ ومن يقول (قيقـا يخلألى إمبر كسـاب أربعة تولد إيـا)!!!

كم أتعبونـا هؤلاء؟ كم أتعبو عمًال دكًـان بـا خشب, فى روشـان ريبـاعند شراء أول سـاعة فى حياتهم(رومر) من أول مـاهية قبضوهـا(فى الفورتو)    وهذا الصنف من الًذين ولًدو البغل سبعة بالتمـام والكمـال, الصنف الًذى أحرق (عونـا)  و (بسيقديرا)ونفس الصنف الًذى ركلنى مرًة وبلا سبب,لأنى أظنًه فقط لأنًنى كـانت على رأسى طـاقية وعلى كتفى شـال وأرتدى الجلابية (طـالب معهد دينى إسلامى ) وذالك لم يعجبه .

ونمرً على مدرسة البنـات الإبتدائية,ومرورا (مدرسة عد فراتيلى)( وقدوس مكئيل) فى كرن لعلاى نكون قد أكملنـا الجزء الأكبر من الطواف اليومى,ومرورا,بمحطة الكهربـاء(جكجك) و( قدف أميريكـان) ومعسكرهـم الصيفى (قراند هـوتيل) مرورا بأداليت(مستوصف الأطـفـال) و عد سودان نصل إلى حيًنـا العتيق فى( عد دبر)

أمًا (البينتقون)( فورتو) نعطيه نظرة خلصةَ,بالذات الغرف الأمـامية والبرندة الًتى كـان يجلس فيهـا كبيرهـم,رجل فى الخمسينيـات من العمر,ضخم, مخيف الشكل,يرتدى قبًعة ضخمة,تشبه القبًعـات التى يرتديهـا ,البيض الَذين يصطـادون الحيوانـات البرية,فى السفـارى فى أفريقيـا,(ربًمـا أتى ليصـطـاد البشر فى إرتريـا) وأذا أعدت النًظرة ربًمـا تزجر أو تضرب ,من الحرس.

وجه لوجه أمـام فدائى

فى صـبـاح بوم جميل فى مدينة كرن الطقس كـان  جميلا, وقمًتـا جبل (قبسى) و(لالمبـا) كـانـتا مغـطيتـان بالغيم,و يحرسان المدينة من الشمـال و(سنكيل )  من الجنوب الغربى و(إيتعبًر) من الجنوب الشرقى, كـان الطقس  يُلْزمنـا أحيانـا كثيرة   فنرتدى المـعـاطف التى تجلب من أسمرا خصيصـا لأوقـات البرد هذه (القولفو) لأنه حـانوت  عمًنا( شفـا شيخ عيسـى) لم يكن موجودا فى ذاك الزمـان بل كـان  يملك حينـهـا أستوديوالتصوير فقط فى الغرفة المجـاورة.

نهـضت وإخوتى فى الصبـاح البـاكر,والكلْ صلى صلاة الصبح كالمعـتاد,الوالد فى المسجد والبقية خلف جدًنـا الخليفة الكبير,والًذى كـان لا يسـامح من لم يصلى خلفه نسـاء كـانو أم أطفـالا,ولأن العمر تقدًم به أحيـانا كثيرة يصلى فى الدار,والصلات فى أوقـاتهـا ولا عذر لمن أنذر!!!!

تنـاولنـا وجبت الفطور,ولأنه لم يكن هـنالك حـائطاً فـاصلا بيننـا وبين الجيران,مجلس الجيران كـان مليئـا بالضيوف الًذين يأتون عـادة من الرًيف,صحن طـالع وصحن نـازل,والقهـوة والشـاهى,يأتى تـباعـا, وبدأت تدب الحركة فى الحـارة  , ولأن حيًنـا يمرً عليه قطـار السكك الحديدية(بـابور ويك )و(بـابور بـام) و(لاتارينـا) عمـال السكة الحديدية يعملون صبـاح مسـاء لحفر المجـارى على طول الطريق بمحـاذات( دبرأيتعبًر) خوفـا من أن تجرف مـياه الخريف التى تأتى من أيتعبر قضبـان السكك الحديدية,جـاء( الكبرالو) مسؤول التيم ليستلم عدًة العمل الًتى تركـوهـا بالأمس فى منزلنـا, والإستعداد كـان يجرى على قدم وسـاق للذهـاب للقرآن,  أنـا وأخى الأصغر, وبقية أبنـاء الحىً.

الحـارة كـانت  هـادئة ,من مسـافة ليست يقصيرة كنت أسمع صوت بائعة الشرو(شرو النـا شرو)  ولأننـا كنـًا نسكن فى مكـان عـالٍ نسمع نداء الـتاجر المتجول( بيلا روبا) (شحـانى لنـا مبلعى,مقربى, كبـاياتات,براد) وكـالمعتاد ذهـب الوالد لعمله وكنت أسمع الحمًالين, يتخدثون بصوت عـالِ(,دفـأ طنح.حنسـاب) فى محطة البنزين( أجيب) والًتى كـان يملكهـا أبوى أبرهـا وندريـاس,وهـم يحـاولون شحن القـاطرة (روموركيو) على الشـاحنة(إن.ترى) والسبب طبعـا معروف وعورة الطريق تجعل سحب القـاطرة  متـعب,وتلك طريفة من طرائف وطننا الحبيس, وبعدهـا بزمن قليل تحرًك أول بـص شركة( ستـايو) إلى أسمرا,نشـاهده من ذاك العلى وهـو يمرً ب(بمبت أب رايت) حوًر إسمهـا هذين اليومين إلى (بمبـا أبرهـت),ونسمع من حيًنـا صفًارات إنذار (الأتبوس) عند مروره وسط حى (حشلا )المزدحم, مرورا بالبلوكو) ويختفى خلف الجبـال وهـو متًجه الى( حشلا بلين) فى طريقه إلى أسمرا, وإذا كـان السائق(فرانكو الحنفطى) تجد ذاك الصوت الجميل لمحمد وردى السودانى ينبعث من مكرفونـات,(الأتبوس) ….

(مـا تخجلى: يـا السًمحة قولى وإستعجلى: عطًشت قلبى وكلً يوم تجملى: أدينى كلمة وسـامحينى وطوًلى….)

و لأنى أكبر أشقـائى كـان علىً أن أفتح الأبواب للدواجن,وكـان لهـم أكثر من كوخ,لأن الليل إنقضى والصبـاح ربـاح,والكل يبحث عن رزقه,وأبن عمى لم ينم الليل وهو يحرس الدواجن من قطً الخلاء (نينى) الذى أتعبنـا وأتعب الحى كلًه, ولأنًنـا كنًـا نسـكـن فى حىً( عد دبر) فى بداية جبل إيتعبًر من النـاحية الشـمـالية,كـان القط البرى يجد ضـالته فى حيًنـا العتيق بكل سهـولة,وعندمـا إشتدً عودنـا كنًا نطـلع على سفح الجبل للبحث  عن هذا القط الجبـان الًذى لا يـأتى إلا ليلا,ولم نترك غورا ولا جحرا الاً ودخلـنـا فيه, أو نظرنـا بداخله بحثـا عن ذاك القط الخـائن,الذى قضى على دواجن الحىً,وقد نصل أحيـانا مشـارف( شفشفيت) و(بقو) وأحيـانا كثيرة كنًـا سيئ الحظ فيطـاردنـا حرس الجبل (يوهـنس) الملقب (طـابر) وأحيـانـا رئيـسه فسهـاى, ونعود من منتصف الطريق.

وحتى نلتقى فى الجزء القـادم

للتواصل

Khulafa20@yahoo.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2894

نشرت بواسطة في أبريل 4 2010 في صفحة التاريخية, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010