رثائية مزدوجة بدمع مداد مالح

بقلم : د- مسفن بخيت
05  ديسمبر 2004

طالت الفترة  التى  تربطني بالقراء خلال  السنة الماضية التى  توزعتني فيها ظروف العمل والصحة والاهتمامات الى  مواقع لم اعهدها منذي قبل ، فلله الشكر الذي مد العمر لالتقـي مرة أخرى  مع هذه الشخوص التى اعشقها من خلف مداد اسود  وشظايا افكار نحاول ترتيبها من فترة وأخرى ، وافكار اخرى  نتلقاها من أخوة لنا ورفقاء درب  او زملاء  الهم المشترك الذين لم يكتفوا بكفكفة مالديهم من هموم بل وتلمسوا همومنا الملحة  البادية او الكامنة في الدواخل فامتعونا  بكتاباتهم وتحليلاتهم الثرية،  غبت عن ساحة الكتابة لظروف  مانعة {واغلبها صحية} لكنني بقيت وفـيي لساحة القراءة عبر شبكات الانترنيت الارترية الغراء، وفي كثير من الاحيان أخذتني  رحلات  مكوكية بين طيات الافكار والتطلعات التى تشبهني حد التطابق فأيقنت ان الهم أضحى موحدا حد الفداحة ، وهو شيئ يدعوا للتفاؤل  حول الخطوة القادمة  بعد توحيد الهم والتطلعات في خطوة جديدة نحو تجسيد التطلع/ الحلم…

لم أفق من تخدير  فعل الادوية المزروعة على جسدي  الذي اعيته مواد  الصيادلة ، وهموم الوطن المحمومة  بالاسئلة والتطابق  الوجداني ، الا على وقع الصدمة المدوية التى اصابتني  في مقتل قبل ان تصيب  راحلنا ألاعظم “ابو أياي” هذا الرائع  حتى الثمالة ، والوطني الجسور حد الاسطورة والصامد كالطود الشامخ الذي لاتهزه الرياح .. انه  جبل  بكل ماتحمله المفردة من معاني  التعبير ، “جبل لا تهزه الرياح ” ..كلمة  تمتد كسياج ثوري  لتربط بين الذي اطلقها بكبرياء مناضل عظيم  من وسط حصار  جهنمي  برام الله ، وبين جبل آخر كان رفيقا ثوريا وانسانيا  يقف شاهدا على حصار آخر من قوى  الاستبداد باسمرا ، فقد عاشا جبلين شامخيين  معا كل في موقعه ورحلا معا  دون  سابق  وصية ..اغمض عينيهما اللذين طالما  كانا مصدر إشعاع  ودفئ لنا  وموضع   الروئ والاستشراف الموضوعي .. رحلا سويا ..فيا لفــداحة المصاب .. رحل “ابو إياي ، برفقة ابو عمار “، فمن  للنضال ومن للتضحية  ومن للشموخ قد بقى ؟؟؟

من سينذر عمره  لبقائنا  وقضايانا العالقة  بعد هذا الرحيل المذدوج ؟ من سيمسح الدمعة المالحة من  خد ابنائنا  ورجالنا  ونسائنا ؟ من للثكالى  وللشهداء  والقادمون من ألازمنة  العذاب ؟ من لنا وقد اصبحنا ايتام  في موائد أللئام ؟!

من لهذا الفجر القادم الذي طالما حلمنا به ؟! هل هو إنشغالنا الدائم  بتوافه الامور  وفسيفسائها العديمة المعنى الذي حدى  بجبلين من طينة العظمة  ان يرحلا في هدوء ملفت على نقيض سيرة بقائهما الجسدي  التى صنعت  تواريخا ثورية عارمة  تتحدى  سنن الحياة ومحدودية  مساحاتها الضائقة بأركانها  المتشعبة !

هكذا افقت  من تخدير إبتلاء  رباني  نحو إبتلاء اكثر  صدمة ..فلم يكن الحدث  ليمر على جسدي  المرهق دون مصاحبة اعياء  اضافية واتعاب مضاعفة ، فلم يكن “ابو اياي”، اسم عابر  من قائمة قادة  تنظيم ، نسترجعه  في واقعة ما او حادثة تاريخية  وحسب ، ولم تكن علاقتي معه في إطار  مجرد ارتباط  تنظيمي او حزبي، بل كانت تتجاوز كل تلك  العموميات لتضرب في عمق الارتباط  الانساني  الرائع دوما عندما يكون احد اطرافه هو الاستاذ الصديق صالح اياي، صداقة  امتدت عقودا من الزمان منذ نشأتها ألاولى في بلاد الشام عندما كنا نحلم سويا في جعل القضية الارترية موضع إهتمام أكثر في هذه البقعة من جغرافية الثورة  والمقاومة العربية ضد كل اشكال الاستعمار .

كان اقل تشاؤما وأكثر  ابداعا وديناميكية ، بينما كنت أقل تفاؤلا  واكثر ثرثرة ، ولازلت  استعيد شريط الذاكرة  عندما جلسنا للأستاذ نبيل الخوري  وفي دردشتنا التى امتدت حتى ساعة متأخرة  من الليل  لفت نظره  صمت “ابو اياي” المغلف بالاسئلة والهموم البادية على محياه، فالتفت اليه قائلا  ” ان صمتك  ياصالح يجعلني أرى  فيه الاصرار  على المبدء وهذا اهم عناصر نجاح الثوري العنيد “، فأشتاطت شرارات  -الغيرة  الصبيانية – في عيوني  {ولم اكن اتجاوز العقدين ونيف من العمر} ليلتفت الي قائلا اما “مراد “{وكان ذلك الاسم الحركي الذي يلقبني به  الرفاق في  ج.ش.ت.ف}  فيكفي ان تكون  رفيقا  لصالح فهو  سيروض جموحك ، كما يحاول فعله ابو عمار مع “ج.حبش”

وكانت تلك دلالة واضحة “لخوري” الذي لم يخطئ ابدا ن فقد كانت لرفقة ابو اياي معاني  مختلفة  وقيم تعلمتها  كما لم اتعلم في أي مدرسة او جامعة او تجربة  عايشت تفاصيلها ..، ولم يكن اقلها  عبرة  واستنباطا ذلك الرحيل المهيب  المترافق مع  دوزنات  العزف الثوري من أرض المارسيليز الى ارض عرابي الى ارض الحلم المحاصر الى المدينة الشاهدة والشهيدة مع احلام وصمود ابو “اياي”.

هكذا كان الفقد فادحا والمصاب جلل، فماذا بوسع رجل  ضعيف النفس والقدرة  فعله وهو يكابد الصد متين من على فراش  العافية  المرجوة  سوا تسطير خربشات اشبه  ما تكون  بكتابات  مراهق عندما تتقاطع  لديه حالة الولع  بالعذاب المستحدث  فياله من ولع متجدد بالوجدان  تجاه جبلين صامدين  من العزة  والإباء، ويا لعذاباتنا القادمة ويتمنا الفادح                                                                           

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8649

نشرت بواسطة في ديسمبر 5 2004 في صفحة شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010