قصة مثيرة يحكيها الصحفي السويدي أداكتسون المتابع لقضية داويت إسحاق 1/2

ترجمة: زين العابدين محمد علي “شوكاي”

داويت اساق معتقل منذ 2011

داويت اساق معتقل منذ 2011

نشرت صحيفة “داغنس نيهيتر- Dagens Nyheter” السويدية الصادرة في ستوكهولم بتاريخ 25/8/2011، مقالاً كتبه الصحفي السويدي الشهير لارش أداكتسون بعنوان “سعر داويت إسحاق”، حيث يبين الصحفي أداكتسون أن مقاله هذا هو عبارة عن نص مختصر من كتابه الذي سيصدر في الأسبوع المقبل بعنوان “أفضل قصة في العالم”. فيما يلي ترجمة الحلقة الأولى من النص الكامل للمقال الذي نشره في الصحيفة المذكورة.

في ربيع عام 2009، عندما كنت أعمل في القناة التلفزيونية “TV 8، اتصلت بي شخصية وطلبت مني مقابلتها بشأن قضية داويت إسحاق، وأشارت بوضوح إلى أن الأمر في غاية الأهمية وأن لديها معلومات مثيرة عن الصحفي السويدي السجين (داويت إسحاق)، لذا من المهم أن نلتقي بأسرع وقت ممكن.

تابعت قضية داويت إسحاق لسنوات عدة، وقمت بإعداد برامج تلفزيونية عن مصيره المحزن في التلفزيون السويدي “SVT وفي القناة التلفزيونية “TV8، كما كتبت مقالات عدة في مختلف المناسبات عن الأوضاع السائدة في ظل النظام الديكتاتوري الذي قام بسجنه. وبالتزامن مع متابعتي لهذه القضية أنشأت بمرور الوقت علاقات واسعة وذات أهمية. كما أن اهتمامي الصحفي أصبح بمرور الزمن يتحول إلى اهتمام شخصي. وعلى المستوى الإنساني كان من الصعب عليّ ألاّ أبالي بالمعاملة التي تعرض لها داويت إسحاق منذ اعتقاله في خريف عام 2001.

الشخصية التي اتصلت بي والتي التقيت بها بعد أيام قلائل من أول اتصال جرى بيننا كانت مستقرة في الشرق الأوسط. كانت ذات خلفية صحفية وبدت وكأنها على اطلاع واسع بكل الجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلت على مر السنوات لإطلاق سراح داويت إسحاق. وذكرت لي السيدة أنها عملت في عدد من دول العالم التي تحكمها نظم شمولية، وأن لديها شبكة علاقات واسعة تمتد حتى دولة إرتريا في شرق أفريقيا التي يحكمها نظام ديكتاتوري، كما أنها من خلال علاقاتها تلك حصلت على معلومات بوجود خطة ملموسة لإطلاق سراح السجين بعيدًا عن القنوات الرسمية. وحكت لي عن لقاء أجرته في العاصمة الأردنية عمّان قبل يومين من لقائنا، وكيف أن أحدًا من معارفها في الشرق الأوسط دبر لها لقاءً مع ثلاث شخصيات سياسية بارزة، من بينهم وزير إرتري، وأنهم عرضوا عليها أن بإمكانهم أن يطلقوا سراح داويت إسحاق مقابل تعويض مالي نقدًا بمبلغ 400 ألف دولار أمريكي. وكان دورها في هذه العملية الوساطة، أي توصيل المبلغ المدفوع، وأن تكون متواجدة في الوقت ذاته في إرتريا بالتزامن مع الإفراج عن السجين لتوثيق الحدث.

وأثناء الحديث ذكرت لي أنها شخصيًّا تقوم بهذا العمل دون الحصول على أي تعويض مالي، لكنها أكدت في الوقت نفسه على أنها بحاجة إلى مال لشراء تذاكر السفر والإقامة بالفندق، بالإضافة إلى حصولها على ممول يمكن أن تكون له مصلحة للعمل في الإفراج عن داويت إسحاق. ومن الواضح أنها كانت تأمل في أن تمول شركة “إم تي جي – MTG (وهي شركة إعلامية شهيرة في جميع أنحاء أوروبّا، التي تملكها أسرة “ستينبيك– Stenbeck السويدية) أو أي فرع من فروع شركات “ستينبيك”  الكثيرة التي يمكن أن يكون لديها الاستعداد لدفع التكاليف. وكمقابل لذلك اقترحت أن تقوم القناة التلفزيونية  “TV8 وحدها بتغطية عملية الإفراج عن السجين، وأن تحتكر الصور والمقابلات التي سيتم إجراؤها.

كانت خطة تنفيذ عملية الإفراج موضحة بالتفصيل كما تم وضع تاريخ أولي لتنفيذ الخطة، وأكدت لي السيدة على أنها لم تحصل فقط على تأشيرة دخول لإرتريا، بل حصلت أيضًا على تصريح لزيارة داويت إسحاق قبل يوم واحد فقط من إطلاق سراحه، كما حصلت على ضمان لنقله بأمان من السجن حتى مطار العاصمة أسمرا.  وكان من المخطط نقل داويت إسحاق من أسمرا إلى عمّان في طائرة يتم استئجارها خصيصًا لهذا الغرض، وأن هناك شخصًا له علاقة خاصة بها سوف يُدبِّر مسألة دخوله إلى الأردن حتى لو لم يكن لديه جواز سفر وأوراق ثبوتية أخرى.

ورغم المعلومات المفصلة بدقة، والاهتمام الواضح الذي أبدته السيدة، كنت مترددًا أمام تلك المعلومات. وبإجراء بحث بسيط عن شخصيتها تبين لي أن لها ماض مشوش، وتشوب الأعمال التي تقوم بها الكثير من الشبهات، إضافة إلى تهم بالقيام بأعمال تزوير. كما تبين أن لها علاقات سابقة مع نظم ديكتاتورية، وأنها نقلت أنباء من تلك الدول، ولها أعمال خاصة في عمَّان.

وبعد حيرة شديدة وتشاور مع القناة التلفزيونية “TV8، جاء القرار بالاستمرار في الاتصال بالسيدة رغم كل شيء. خلفيتها الغامضة أثرت بالطبع على مصداقيتها، كما أقررنا في الوقت ذاته أنه لا يمكن لمواطن عادي ذي ضمير حي أن تكون لديه علاقات في المستويات العليا لنظم ديكتاتورية. وبدا وضع هذا العرض جانبًا دون تمحيص محتواه أمرًا خاطئًا من الناحية الإنسانية، وكذلك بالنظر إلى العجز التام الذي كان قد أصاب كل الجهود الرسمية التي جرت بين السويد وإرتريا.

كانت إمكانية أن يتم الإفراج عن داويت إسحاق بجهود دبلوماسية خلال تلك الفترة الزمنية تبدو ضئيلة. ففي لقاء تلفزيوني مثير أغلق الرئيس الإرتري إسياس أفورقي الباب تمامًا أما أي حوار مع السويد. كما تم تأجيل لقاء كان مقررًا مسبقًا بين الرئيس الإرتري وبين وكيل وزارة الخارجية السويدية فرانك بلفراغه، وأبلغ النظام الإرتري السلطات السويدية رسميًّا أنه لن تتم أية اتصالات ثنائية بين السويد وإرتريا خلال ستة أشهر.

وبحثًا عن المساعدة في تقدير الحالة، وللوقوف على الجوانب العملية في كيفية الإفراج عن السجين، قمت باستشارة عدد من الشخصيات والمنظمات والشركات. توجهت إلى منظمة الصليب الأحمر الدولي وإلى منظمة العفو الدولية “آمنستي” للاستماع إلى نصائحهم وإلى التجارب التي مروا بها في حالات مشابهة، كما تحدثت إلى عدد من رجال الأعمال للبحث عن الفرص المتوفرة لجمع الأموال المطلوبة. كل هذه القضايا استغرقت وقتًا، وكانت العملية معقدة، لسرية بعض المعلومات الهامة والمتعلقة بالعملية، وذلك لحماية المصدر. وبعد اتصالي بوزارة الخارجية اتصل بي وكيل الوزارة فرانك بلفراغه، ونصحني بشدة الامتناع عن دفع الأموال مقابل عملية الإفراج.

وفي الوقت نفسه كان الموعد المحدد يقترب، وتمكنّا من تغيير التوقيت بعض الشيء، لكن السيدة التي كانت وسيطًا بيننا كانت تؤكد مرارًا على أنه يجب تنفيذ الخطة بالسرعة الممكنة، وكانت حجتها في ذلك أن الشخصيات السياسية الثلاث في المجموعة بدأ “صبرهم ينفذ”.

وكانت ردود فعل العاملين في شركة “إم تي جي” ورجال الأعمال عمومًا إيجابية للمساهمة في مناسبة من شأنها أن تؤدي إلى عملية الإفراج عن داويت إسحاق. وكان إحساسي أن المبلغ المطلوب لم يكن مرعبًا، ولكن كان هناك قلق عام عما يمكن أن يحدث فيما لو سارت الأمور بصورة أسوأ. وكان ذلك أمرًا مفهومًا تمامًا، حيث كانت هناك الكثير من الأسئلة العالقة. كانت المهمة حساسة لأنها تتعلق بقنوات بعيدة عن القنوات الرسمية. وبعد أيام من التفكير والتمحيص، قررنا في القناة التلفزيونية “TV8 الاستعانة بشركة إعلامية كبيرة في تحرير خبر العملية.

في نهاية شهر مايو وبداية شهر يونيو اتصلت برئيس تحرير صحيفة “إيكسبريسن” توماس ماتسون، ورويت له حكاية السيدة التي اتصلت بي، والمعلومات التي لديَّ، فاتفقنا على اللقاء في أقرب فرصة ممكنة لمناقشة الموضوع.  صحيفة “إيكسبريسن” ورئيس تحريرها أبدوا اهتمامًا كبيرًا بقضية داويت إسحاق لمدة طويلة. وفي فبراير عام 2009 قامت الصحيفة بحملة إعلامية كبيرة، وفي الاتصالات اللاحقة التي جرت بيننا أظهر العاملون في صحيفة “إيكسبريسن” وعيًا وقوة ترك لدي انطباعًا إيجابيًّا بخصوص المعلومات الجديدة التي قدمت إليهم.

وتم على الفور اتخاذ قرار بالتعاون بين القناة التلفزيونية “TV8 وصحيفة “إيكسبريسن” وتم تنظيم لقاء بين السيدة ورئاسة تحرير الصحيفة، وتم في الوقت نفسه وضع خطة عملية لكيفية العمل في المستقبل. وبالتوازي مع ذلك تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات بين الأطراف المختلفة، وبالنسبة للاتفاق الذي وقع مع السيدة لم تكن لديَّ أنا شخصيًّا أية معلومات عنه، وفي الاتفاق الذي تم بين القناة التلفزيونية والصحيفة تم تكليف الصحيفة بمعالجة موضوع الوساطة مع السيدة. وكان المبدأ ألاّ يتم دفع أي تعويض مالي من المبلغ المطلوب قبل الإفراج عن داويت إسحاق ووصوله إلى مكان آمن.

كان دور رئيس تحرير الصحيفة توماس ماتسون في القضية هامًّا وحاسمًا. فبدون الخبرة الطويلة للصحيفة في الجوانب التحريرية، واهتمامها، وتنظيمها، كان لا يمكن التوصل إلى كل الاتفاقيات الخاصة بالمعلومات الخطيرة التي كانت السيدة تقدمها إلينا. وقد تم استشارة خبراء في المجالين الطبي والنفسي، في الوقت الذي كان يتم فيه الإعداد لإخراج الخبر، بمعنى كيف ستسير الأمور من الناحية العملية في عمَّان بعد عملية الإفراج.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17014

نشرت بواسطة في أغسطس 26 2011 في صفحة المنبر الحر, سجناء الرأي. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010