مسودة الأهداف والمبادئ العامة لحركة الحرية الأن FNAM

أولاً المقدمة:

لقد صارع الشعب الإرتري البطل الأعداء ودفع الغالي والنفيس عبر عقود من الزمن لكي يعيش في وطنه عزيزاً مكرماً حتى استطاع تحقيق حلمه في الانعتاق . . والتحرر من الاستعمار الأجنبي. ولكن ومما يؤسف له بددت كل أحلامه وطموحاته تلك وأصيب بالخيبة في الوطن الذي كان يحلم به وضحى من أجله التضحيات الجسام، وذلك بسبب ممارسات نظام الحكم الذي ورث الوطن من المستعمر . فقد أحكم هذا النظام الذي يقوم على تحالف شرير قبضته على الوطن وأذاق الإنسان الإرتري الذل والهوان، ويتمثل هذا التحالف على النحو الأتي:-

1- مجموعة ممن تحكمهم عقدة الطائفية المسكونة بهاجس الخوف والشك من الأخر ، وعدم الاطمئنان إليه حتى وان كان شريكا في الوطن . وتتحكم  في سياسات وممارسات هذه المجموعة عقدة الخوف من ….، والدفاع ضد عدو وهمي لتدفع بها أوهامها لاتخاذ إجراءات على حساب مصلحة الوطن والمواطن. وان هذا السلوك ناتج من حقيقة أنها تحمل في مخيلتها مشروعاً ( حضارياً  ) مستتراً خاصاً بها. إلا انه يتعارض مع حقائق الواقع الإرتري لأنه قائم على إلغاء وتذويب الآخر في الوطن، وحرمانه ليس فقط من ممارسة حقه الوطني في المشاركة في إدارة شئون البلاد ، وإنما أيضا من تحديد خياراته الشخصية.

 

2- مجموعة أخرى تحكمها عقدة التفوق وأنها الأكثر تحضراً وتطوراً  وأهلية من غيرها في الوطن. وبحكم اعتقادها هذا فإنها ترى في نفسها الوحيدة المؤهلة لإدارة شؤون البلاد ، وتحديد ما يصلح لها ولغيرها معتبرة نفسها هي المخولة بالتفكير بالانابه عن الآخرين.  وهكذا تتخذ من نفسها مسؤولاً وحيداً عن مسيرة البلد وتطوره . وترى في نفسها أنها القاطرة التي حكم علها الزمن واختارها القدر لسحب عربات القطار الذي ليس لراكبيه رأي أو قدرة على معرفة مساره واتجاهه أو سرعته ناهيك من التحكم فيه. ومع ذلك يكون المطلوب منهم الخنوع لهم والخضوع لأوامرهم  وتقديم الشكر لهم  لما يقدمونه من تضحية في سبيلهم.

 

3- مجموعة من أنصاف المتعلمين وأنصاف الجهلاء الذين تتحكم فيهم عقدة الدونية والعداء للعلم والمتعلمين مما يدفع بهم بوعي، أو دون وعي إلى تدمير نظام التعليم في البلاد وإلحاق الأذى بالأجيال باتخاذ مجموعة من التدابير التي لا مبرر لها . فلنأخذ مثال على ذلك إغلاق الجامعة الوحيدة في البلاد وتحطيم جيل كامل من أبناء الشعب الإرتري الذي يقوم على أكتافه بناء الوطن وتطوره.  فقد انحرف النظام الحاكم بالتعليم وأهدافه من كونه وسيلة لإكساب المعرف والمهارات لإحداث التغيير على المستوى الفردي والوطني على كافة الأصعدة ، إلى أداة لخدمة أغراض أخرى تجعل من الشباب أدوات عسكرية يتحكمون بها على المواطن ويضيقون بها على لقمة عيشه . وكل ذلك يتم باسم الوطن وخدمته تارة ، وباستخدامه أداة لإعادة تشكيل هويات جزء من المجتمع الإرتري تحت مسميات شتى ولكن المعلن منها هو التعليم بلغة الأم، وصولاً إلى هوية غير معلنة، ومشروعاً حضارياً مستتراً.

 

4- مجموعة أخرى امتهنت المتاجرة السياسية ولا يتعدى مفهوم الوطن بالنسبة لها مشروعاً تجاريا أو وظيفة حتى لو كان ذلك على حساب الكرامة الوطنية ودماء الشهداء ومستقبل الأجيال.

5- وأخر الأحلاف غير المقدسة تلك، هو ذلك الذي يتمثل في التحالف بين رأس النظام ومجموعة من كبار الضباط الجهلاء في الجيش الذين تم تسليمهم مقاليد الحكم في الأقاليم وجعلهم ولاة الأمر والنهي بإعطائهم صلاحيات وسلطات مطلقة مادام الأمر يمكن رأس النظام من البقاء لفترة أطول حسب اعتقاده. وهذا أخر ما تلجأ إليه الدكتاتوريات الفاسدة . حيث يبحر الطرفان في قارب واحد إلى ان ينقلب بهم فيخضع من نجى من الغرق إلى مساءلة المواطنين حول ما ارتكب من جرائم بحقهم ، والحروب المدمرة التي تم خوضها باسمهم وفشلوا في إدارتها فتحولت نتائجها إلى سلسلة من الكوارث غيبت حتى ما كان قائما من المظاهر الشكلية للنظام والدولة من حزب ومؤسسات فأخذت هذه القوى المتحالفة تحتمي ببعضها من عدو اسمه المواطن.

 

ان هذا التقسيم والتصنيف لهذه القوى لا يعني بأي حال من الأحوال بأنها مجموعات منعزلة عن بعضها أو يمكن رسم خطوط فاصلة بينها، بل هي دوائر وحلقات متداخلة ومترابطة المصالح ومتشابكة النوايا مما يجعل الفصل بينها أمراً في غاية الصعوبة عملياً. وقد سعى هؤلاء ولا يزالون يسعون إلى إبقاء الوطن رهينة لعقدهم وأمزجتهم وطموحاتهم الشخصية على قاعدة إلغاء الأخر ونفي وجوده في الوطن أياً كان . وبذلك رهنوا بقاء والوطن ببقائهم على السلطة وسلامته بسلامتهم وبتصوراتهم الإستراتيجية وخيالهم المريض. وفي سبيل ذلك لا يتورعون عن استخدام كافة الوسائل والأساليب بما في ذلك إرهاب الدولة المنظم والذي يرقى أحيانا إلى مستوى الحقد على  المجتمع عامة  بشكل لا مثيل له في العالم .  فها هي النتائج ما ثلة أمامنا حيث دمر الوطن أرضا وشعبا – فاصبح المواطن نتيجة لذلك يعتمد في معيشته اليومية  على الاغاثات الدولية . والغريب في الآمر يحدث هذا والجميع يسمع الجعجعة، والضجيج الإعلامي والدعائي للنظام بتحقيق المعجزات التنموية والوعود الكاذبة التي تثير الحسرة أحيانا والشفقة أحياناً أخرى.  وإذا نظرنا إلى حصاد كل هذه المنجزات سنجدها في المحصلة النهائية مجرد امتهان لآدمية الإنسان وإذلاله بالعمل في مشروعات لا طائل منها للوطن وعائدها القليل إما يسرق على مرأى ومسمع من الجميع أو يبدد في سهرات ومهرجانات مصطنعة يستمتع فيها الجلاد بعذاب المذبوح . وبعملية حسابية بسيطة فان المواطن الإرتري يعيش اليوم شبه معدم فلم يعد هنالك فقير وغني ولا متعلم وغير متعلم أو عامل وعاطل الجميع سواسية أمام الطغمة الحاكمة، لأن الجميع ينتظرون العون من منظمات الإغاثة ولا يقطع الأمل والرجاء في الله.

وهكذا فمن يتأمل حال المجتمع الإرتري اليوم سيجده مجموعات من الأرامل والحيارى بين الترمل والتمسك بأمل عودة المفقود والأيتام والثكلى ، والمفقودين الذين اقتادتهم أجهزة الأمن تحت جنح الظلام ولم يعرف مصيرهم فأصبح الجميع أسرى بين حدود أصبحت جدران لسجن أكبر يعيش في داخله المواطن حائرا لا يعرف مصيره. ومن فر من هذا الأسر هام على وجهه في الصحارى والبحار متشبثا بخيط رفيع من الأمل والنجاة مما يجعله ربما أفضل حالاً ممن بقى داخل هذا السجن الذي كنا نتمناه بالأمس القريب بأن يكون وطناً حراً للجميع .  

وأما من كان خارج الوطن وكان ينتظر منه ان يعود إلى وطنه بعد غيبة لجوء طويلة أصبح يبحث عن ملجأ جديد من ملجئه بعد ان تبددت أحلامه حتى في امتلاك بيتاً يؤويه كغيره  من بني البشر ناهيك من وطن يحفظ كرامته .  وهكذا أصبحت إرتريا الداخل فيها مفقود، والخارج منها مفقود أيضاً نتيجة لممارسات فئة اعتبرت الوطن ملكا خاصا بها تديره كيفما شاءت دون حسيب أو رقيب .  وحاربت الفئة الحاكمة المواطن في رزقه وأصبحت تتعامل معه كمنافس لها حتى في الكسب الحلال. فاحتكروا التجارة باسم محاربة جشع التجار ، وجعلوا من الشباب الإرتري رقيقا يتاجرون بعرقه ويستثمرون جهده في أعمال سخرة عوائدها تكون لحراس النظام، وذلك باسم الخدمة الوطنية وبرامج التنمية الوهمية التي تنفذ تحت قوانين عسكرية غير مكتوبة مما فتح الباب واسعاً للفساد والإفساد بين المسؤولين مدنين منهم وعسكريين – فتفسخت القيم الوطنية والاجتماعية وتحللت أواصر القربى وروح التعاون والتعاضد فأحل النظام الجشع مكان القناعة والاستغلال محل التعاون والشكوك والريب مكان الصدق وروح الإخاء.  كل هذا يجري والعالم أجمع شاهد على ان القانون في بلادنا مغيب بكل أشكاله ، ولا يوجد شئ من العمل المؤسسي والإداري ناهيك من المرجعات القانونية أو الدستورية أو التشريعية – مما جعل إرتريا اليوم تقف شاذة في كل شئ أمام الأسرة الدولية بسبب ممارسات حكومتها الوطنية !!

ان الآثار السلبية لتلك السياسات التدميرية والتجويعية لم تقتصر على الشعب الذي يعيش في داخل الوطن ، بل شملت أولئك الذين يعيشون خارج إرتريا لمختلف الأسباب مما أدى إلى إحجامهم عن العودة إلى وطنهم ومن ثم حرمان إرتريا من اجتذاب أبنائها وأصحاب الكفاءات العلمية والخبرات العملية والقدرات الإمكانات المالية – والذين كان من الممكن ان تكون لهم إسهاماتهم المقدرة في بناء الوطن وتطوره.

وهكذا كانت محصلة كل هذا وذاك ان وجد الشعب الإرتري نفسه مستبدلا طغيان الاستعمار الأجنبي بجبروت وطغيان أسوأ  منه باسم السلطة الوطنية – فدع هذا بالبعض إلى التحسر على أيام الاستعمار ويندم على التضحيات التي قدمها من أجل حرية أصبح حصادها ضنكا في المعيشة وإرهابا لا يأمن في ظله أحداً أو يضمن أي مواطن سلامته الشخصية. لقد جعلت الطغمة الحاكمة الحرية مرادفاً للإذلال والمهانة والنيل من الكرامة الإنسانية، فاصبح هذا يشكل تهديدا خطيرا لوجود الوطن برمته عبر تفكيك نسيجه الاجتماعي وتلغيم تعايشه السلمي.

ولابد من الإشارة هنا إلى عدة عوامل أخرى ساعدت أو أخذت تؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشر إلى استمرارية  النظام وزيادة معاناة الشعب وهي:-

 ( 1) ما يمكن تسميته بمعسكر الصمت ، والهمس من قبل القوى الواعية الارترية التي انحسر دورها في البكاء والعويل وجلد الذات دون السعي للقيام بعمل ملموس حيال ما يجري في بلدهم ويتعرض له شعبهم ، وفضلوا خيار البحث عن الحلول الفردية في خارج الوطن ، وفي فجاج الأرض إذا ما تطرقوا  إلى قضايا وطنهم إرتريا، ويتم ذلك وكأنه ملهاة وعبث يجري في كوكب أخر لمخلوقات لا تعنيهم.

2- تحالف بعض المغتربين مع السلطات الحاكمة بضخ الأموال بالعملات الصعبة للحكومة ، والعمل كأبواق دعائية للنظام ، مستغلين الروح الوطنية للمهاجرين وارتباطهم العضوي بوطنهم وأهلهم بالداخل وكل هذا بالطبع يتم مقابل ما يعتبرونه الحصول على بعض الامتيازات والتسهيلات المتعلقة  بملكية الأراضي والاستثمار والتي هي حق بالمواطنة لا تستحق كل هذا الجهد والعناء. هذا بالإضافة إلى ما يقوم به النظام من ابتزاز للمهاجرين والمغتربين بربطه أبسط الخدمات بنسبة ضريبية حددت منذ ما قبل الاستقلال الوطني.

3- المعارضة الخارجية:

 كما هو معلوم عند لحظة التحرير كان بعضها أو كلها غارقا في صراعاته الخاصة ومنافساته التي لا تمت معظمها بصلة إلى قضايا الوطن وهمومه . لذلك ما إن حدث التحرير وجدت هذه القوى نفسها أمام مرحلة ومسؤوليات جديدة لم تضعها في الحسبان مما جعل العديد منها يرتبك ويتخبط في مواقفه إزاء ما حدث . فدخل منها الى البلاد من دخل وبقى منها من بقى ولكن دون ان تشهد ساحة المعارضة أي تغيير اللهم إلا بروز المزيد من التنظيمات والفصائل الجديدة – التي لم تأتي بجديد بل شكلت استمرارية لما كان قائماً بكافة أشكاله – وعندما تعرضت البلاد الى ما تعرضت إليه من خيبات أمل وبدت الكثير من الطموحات والأحلام الجميلة التي كان يحملها  الإنسان ويسعى الى تحقيقها بعد الحرية في التلاشي. كان أمل المواطن هو ان تلعب هذه المعارضات دور المنقذ له، ولكن للأسف الشديد خاب ظنه، فاصبح الاعتماد على العمل الداخلي خيارا لا مفر منه بكل ما يشكله هذا من تحديات ومخاطر جدية.  

4- إدارة الأزمات عبر اصطناع المشاكل الخارجية:

ان ممارسات هذه الفئة وعدوانيتها لم تقتصر على المواطن بل انسحبت على الجيران حيث تبنت هذه المجموعات سياسات عدوانية تجاه الدول والشعوب المجاورة – فالشعب الإرتري لا يرى حتى الآن سببا مقنعا لكل هذه المواجهات السياسية والعسكرية المحتدمة مع دول الجوار . ومع ذلك فقد انطلت الحيلة على الكثيرين من البسطاء الذين لا يملكون مصادر إعلامية غير جهاز الدولة ، فيصدقون مقولة العدو الخارجي والاستهداف الوطني مما يدفع بهم إلى تحمل الأذى الناجم عن ” حماية الوطن”.  وللأسف الشديد لم تقتصر  حالة التشنج والاضطراب السياسي في علاقاتنا مع دول الجوار بل امتدت لتشمل معظم دول العالم التي حذف العديد منها إرتريا من دائرة علاقاته الخارجية وحساباته السياسية. ان حالة العزلة هذه سهلت على النظام ممارسة القمع في الداخل أبشع صوره ، حيث لا توجد منظمات دولية أو حتى دول تعتني بحقوق الإنسان الإرتري .  فبالرغم من ان سجل الحكومة الإرترية في مجال حقوق الإنسان يعد من أسوأ السجلات التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا إلا ان منظمات حقوق الإنسان نراها تتقاضى عن انتهاك حقنا في مجرد الحصول على نظام قضائي أو قانوني نعرف من خلاله نوع الجرم الذي ارتكبناه كإرتريين . وان عملية خلط الأوراق التي يمارسها النظام بربط كل شئ بما عرف أخيرا بالإرهاب الدولي ولصق التهم جزافا بمواطنه  أصبحت واحدة من سمات عمله الدبلوماسي. 

5- غياب دور الشارع الإرتري:

يضاف إلى ما سبق افتقار الشارع الإرتري إلى الأدوار المنظمة لتحريك الوضع، والمتمثلة في الأحزاب السياسية والنقابات العمالية الفاعلة، وكذا انعدام كافة أشكال منظمات المجتمع المدني الأمر الذي شل وغيب دور الشارع الإرتري في التصدي لسياسة الإرهاب والتجويع والإذلال التي تمارس ضده. ونتيجة لهذا الحالة فقد انتشرت ثقافة الخوف والجبن بين الأفراد حيث أخذ كل فرد يبحث عن حل فردي لتخليص نفسه مما ألت إليه الأمور . وأصبح هذا يصب في مصلحة النظام ولا يحل مشاكل الأفراد.

ومع كل ذلك :-

1- وبما ان إرتريا هي وطن لكافة الإرتريين بمختلف جذورهم العرقية وثقافاتهم وعقائدهم الدينية وانتماءاتهم السياسية ، ناضلوا جميعاً  من أجل تحريرها ونيل حقوقهم وصون كرامتهم ، فانه لابد من الإقرار بأن المشاركة في كافة شؤون وطنهم بالجهد الفكري والعملي وإدارته وحمايته هو حق طبيعي لجميع المواطنين بل انه واجب على كل مواطن.

2- وبما ان هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد وتهدد وجوده ، تفرض علينا وعلى كل القوى الوطنية الحادبة على مصلحة الوطن وسلامته ، العمل من أجل إيجاد حلول ومعالجات عملية وعلمية تقوم على الأسس الآتية:-

أ- الوعي والإدراك السليم لواقعنا الاجتماعي والثقافي وبالمعضلات السياسية والاقتصادية المعقدة التي تجثم على صدر شعبنا.

ب- الاستفادة من التجارب التي اكتسبها شعبنا عبر تاريخه ، بما في ذلك مرحلة ما بعد التحرير التي خيبت أماله وطموحاته في الحرية والنماء والأمن والاستقرار الذي كان يتوق إليه، نتيجة لممارسات القوى الدكتاتورية التي جثمت على صدره.

ج – الاستفادة من دروس وعبر وتجارب الشعوب الأخرى التي سبقتنا في التحرير وتماثلنا في النشأة والتكوين الاجتماعي والثقافي.

3- وبما ان ممارسة العمل السياسي هو حق مشروع يكفله حق المواطنة ، وان العمل السياسي المؤسس على الديمقراطية والشفافية والعلمية يمثل قيمة من قيم المجتمع المدني مما يدفع الشعوب التضحية في سبيله، وهو ما فعله الشعب الإرتري في سبيل هذه القيمة، لينعم بالحريات والحقوق الأساسية ، وليتمتع بالرفاهية الاقتصادية . وإننا وضمن هذا الفهم نطرح برنامجنا هذا للعمل الوطني . ويحمل هذا البرنامج رؤانا وتصوراتنا للحلول الهادفة الى حلحلة المشكلات التي أصبحت تهدد شعبنا وتحول دون انطلاقته نحو التقدم والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.

 

 

 

 

ثانيا :   أهدافنا:

1) ما نسعى ونهدف الى تحقيقه هو:-

( أ ) بناء وطن أمن مستقر اجتماعيا ومزدهر اقتصاديا . وطن يعمه السلام والعدل والرخاء . وطن يحكمه القانون وتنظم علاقاته الداخلية والخارجية عمل مؤسسي وقانوني –  وطن يقوم على الاحترام المتبادل والقبول بالأخر وإقرار حقه ، والعيش معه في وئام بعيدا عن الأحقاد والصراعات الداخلية والخارجية.

 (ب ) وطن تصان فيه الحقوق والحريات الأساسية للإنسان والتي نصت عليها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ، كحق الإنسان في الحياة والعمل ، وحقه في صون كرامته الإنسانية – وحقه في حرية التعبير والأمن والسلام. وطن يحترم فيه القانون وتحفظ فيه كرامة الإنسان وقدسية حياته ومعتقداته.

( ج) وطن يؤمن حياة العزة والكرامة  لأبنائه الذين يعتزون ويفتخرون بالانتماء إليه ويقدمون أرواحهم فداءاً لأرضه وسماءه .

( د) وطن يسوده نظام يؤمن بالمشاركة العادلة في السلطة والثروة لكافة شرائحه الاجتماعية والسياسية.

2- كيف يمكن الوصول الى هذه الأهداف:-

إننا نؤمن إيمانا قاطعا بأن إيجاد وطن بهذه المواصفات التي نسعى إلى تحقيقها ليس مستحيلا رغم التجارب المريرة والمخيبة للآمال. ولا يتأتى هذا إلا بتهيئة البيئة الملائمة ووضع إطار عمل ولبنات قانونية وإدارية سليمة، وهذا ما نطمح إليه  ونطرحه في برنامجنا هذا وفق رؤانا واجتهاداتنا المشروعة. وفي اعتقادنا فان المناخ الملائم والبيئة الصالحة التي يمكن ان تؤمن لنا وطنا أمنا ومستقراً يسوده العدل وحكم القانون ، وتكون أولوياته خدمة الإنسان وتقدمه في كافة الجوانب يمكن ان يبدأ بخطوات بسيطة تتمثل في:-

أ- إيجاد إطار عمل يحقق التعايش السلمي بين جميع شرائح المجتمع الإرتري ، ويعيد للمواطن الثقة بنفسه ووطنه ، لتشكل أساسا للإيمان بالمصلحة المشتركة في العيش معا، ومن ثم تجنب الوقوع في مخاطر الانزلاق والانحرافات العرقية والثقافية والدينية واللغوية والإقليمية …..الخ التي نعاني منها نحن الآن، وتعاني منها الكثير من شعوب العالم الثالث.

ب- توفير الأمن والاستقرار لكونه الدعامة التي تبنى عليها الأوطان ويتحقق في ظلها التطور والنمو والازدهار . فلا وطن يبنى في ظل حروب وقلاقل اجتماعية وانعدام الأمن والاستقرار والسلام . ان الأثر السلبي للحروب لا يتوقف عند تعطيل عجلة التنمية بل يمتد الى تدمير المجتمع وإلحاق الأذى بكل ما كان قائما من مظاهر التنمية والتطور. ولهذا فان السعي الى توفير الأمن والاستقرار داخليا وخارجيا يمثل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها عملنا هذا. ونحن نؤمن بأنه متى ما تحقق الأمن والاستقرار الداخلي وعلاقات جوار تقوم على التعاون والإخاء مع كافة الشعوب والدول المجاورة بعيدا عن روح التنافس والأحقاد والسياسات الخاطئة ، فان عملية التنمية والازدهار الاقتصادي تصبح أمرا واقعا يجني ثماره كل مواطن.   

3 كيف يمكن إيجاد مثل هذه البيئة:

ان بيئة كهذه تؤمن لنا وطناً آمناً ومستقراً ومزدهراً لا يمكن إيجادها ما لم نقوم بإعادة صياغة للأوضاع الراهنة في إرتريا، وذلك بتحديد مبادئ وأسس تقوم عليها العلاقات الإرترية – الإرترية ، وتقوم عليها الدولة وتتمثل هذه حسب رأينا فيما يلي:-

 

أولاً- الإقرار بمبدأ الوحدة الوطنية الطوعية بين مكونات المجتمع الإرتري ومن ثم الحفاظ عليها بشكل سلمي.

(1)  من المعروف بأن الكيان الإرتري بحدوده الحالية وتحت إدارة موحدة قد ظهر الى حيز الوجود مثل غيره من كيانات العالم الثالث، بعد خضوع سكانها للاستعمار الغربي ، والذي تمثل في الاستعمار الإيطالي لإرتريا منذ عام 1890م. ولهذا فان بروز إرتريا كدولة لم يتم ضمن صياغات الصيرورة التاريخية مثل بعض الكيانات التي تشكلت عبر الحقب التاريخية فربطت بينها وحدة القومية والتاريخ والمصالح المشتركة. وبهذا المعنى فان الوجود الإرتري الحالي ناتج مثل غيره من دول العالم الثالث بفعل عوامل خارجية وليست ذاتية أو داخلية. حيث جمع الاستعمار الإيطالي بين شعوب وقبائل تنتمي الى مجموعات بشرية مختلفة الأعراق والثقافات واللغات والمعتقدات والتاريخ في إطار إداري وسياسي محدد تحت إدارته وسيطرته وفق قواعد لعبة القوى الاستعمارية دون ان تكون لهذه المجموعات كلمة في ذلك الحدث. ومع ذلك يمكن القول بأن هذه المجموعات كانت تنتمي في نفس الوقت الى اثنين من الحضارات التي خضعت لها المنطقة، وهما الحضارة الحبشية ( اكسوم وما تلتها من عصور تاريخية)، والحضارة العربية الإسلامية .

( 2) ان هذه التركيبة لا تنفي بالطبع وجود مكونات هذه الكيانات سابقاً ووجود علاقات بينها ، بصرف النظر عن طبية هذه العلاقات سلمية كانت أو عدائية من قبل. ولكن عدم الوعي بهذا التكوين التاريخي لهذه الكيانات والانطلاق من فرضية وجود وحدة وطنية تاريخية مسلم بها لهذه الكيانات انطلاقا من مقولة ان هذه المجموعات قد عاشت تحت إدارة واحدة أوجدتها السيطرة  الاستعمارية هو خداع للنفس. وكان هذا الأمر ولا زال أحد عوامل عدم استقرار هذه الشعوب ومبررا للقمع والاضطهاد لبعض هذه المجتمعات من بعضها الأخر بحجة الحفاظ على الوحدة الوطنية   .

3) ان إدراك هذه الخاصية المتعلقة بكيفية نشوء هذه الكيانات ، ومن بينها الكيان الإرتري، يترتب عليها منطقيا وبالضرورة ، عند خروج الاستعمار الذي كان يمثل عامل توحيد ، ان تبدأ هذه الشعوب في البحث عن صيغة من التعايش والتوحيد بين العناصر المنضوية في إطار الخريطة السياسية، خلافا للوحدة التي كان قد فرضها الاستعمار . ويفترض في هذه الحالة ان تقوم مثل هذه الصيغة على أرضية الخيار الطوعي وعلى الإدراك الواعي بالمصلحة المشتركة والعيش في وئام في وطن واحد، على ان يتم ذلك في مناخ حر وديمقراطي. أما الوحدة التي تتم في ظل نظام قمعي يشكل شكلاً من أشكال النظام الذي حل محله، تجعل الشعوب تلجأ إلى المقاومة والدفاع عن حقوقها المغتصبة بوسائل غير سلمية،وهو ما لا نريده لإرتريا.

4) تأسيسا على ذلك يمكننا القول بأن مفهوم الوحدة الوطنية في إرتريا مثله مثل بقية دول العالم الثالث ، هو مفهوم سياسي، وربما قسري، أكثر من كونه قومي أو تاريخي أو ثقافي أو ديني …الخ. ويفترض ان تكون الوحدة على أساس الاعتراف بالتعددية  العرقية والثقافية والدينية …. وبالتالي يكون مفهوم الوحدة الوطنية قائماً على ما هو أشبه بالعقد الاجتماعي أكثر منه إلى الوحدة القومية والتاريخية أو خلاف ذلك. إن ما ننشده هو وحدة قائمة على التنوع والقبول بالأخر وليس على التذويب وفرض السيطرة والهيمنة العرقية أو الثقافية والتي تسعى في المحصلة النهائية الى إلغاء الأخر. فالوطن إما ان يكون للجميع، حيث فيه كل من ينتمي اليه نفسه فيه أو لن يكون هنالك وطن أصلاً.

5) ان اعترافنا وإقرارانا بهذه الحقيقة التاريخية لنشوء الكيان الإرتري وإيماننا بالوحدة الوطنية القائمة على مبدأ أو أرضية القبول الحر ، والوحدة الطوعية لا يعني بأي حال الدعوة الى تفتيت الوطن . بل يعني تأكيد المبدأ وتثبيت حق شرعي ووحدة لا إكراه فيها . كما إننا نؤمن إيمانا قاطعا بأن الوحدة الطوعية والقائمة على أساس الوعي بالمصلحة المشتركة هي الأقوى والأمتن من الوحدة القسرية المفروضة تحت مختلف المبررات والحجج.  خاصة وان المجتمع الإرتري ، وبغض النظر عن كيفية نشأته التاريخية يمتلك أساسا متينا للبقاء موحداً، لتحقيق الازدهار والتعايش السلمي القائم على أساس المصالح المشتركة والتطلع نحو مستقبل مشترك. هذا بالطبع إذا توفرت لهده الوحدة بيئة ملائمة تجعل المواطن يدرك بأن  ما يجمعه اكثر مما يفرقه وان مصلحته تقتضي بالبقاء موحداً. وان طول المدة التي عاشها الشعب الإرتري موحدا في إطار إداري واحد، وعقود النضال الوطني قد زادت من تماسك الشعب الإرتري وشكلت أرضية خصبة وصلبة للوحدة الوطنية . كما ان الممارسة العملية للوحدة من خلال غرس وتغذية المواطن بالروح الوطنية والشعور بالانتماء الى وطن واحد لا يأتي بالتأكيد دون المشاركة الكاملة وتطبيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وليس عبر ترديد شعارات جوفاء لا يشعر المواطن بوجودها على ارض الواقع. فشعارات مثل شعب واحد وقلب واحد !! لا يريدها المواطن صراخاً بل يريدها عملا وممارسة يومية تنعكس في السياسات والمخططات الآنية والمستقبلية.  

ثانياً: الالتزام العملي بمبدأ العدالة والمساواة بين كافة أفراد المجتمع الإرتري في تقاسم السلطة والثروة على أساس المواطنة :-

بما ان الوطن ملك للجميع فانه يجب ان تتساوى فيه الحقوق والواجبات بين مواطنيه ، إذا أردنا له ان يكون فعلا وطنا صحيحا خاليا من بذور المتاعب. ذلك لأن أي فرد أو مجموعة، تحس بأن حقوقها مهضومة ، وان هنالك تمييزا يمارس ضدها لا يمكن ان نتوقع منها ان تؤدي ما يطلب منها باسم الواجب الوطني طوعاً وعلى النحو المطلوب.  ولهذا لابد من نبذ كافة أشكال التمييز المباشر أو غير المباشر على أساس عرقي أو ديني أو لغوي أو إقليمي أو حتى التمييز الطبقي أو على أساس الجنس وإلا فان البديل سيكون الاحتراب الداخلي. لذلك لابد من تأكيد حق الجميع في الثروة الوطنية وممارسة السلطة تبادلها وفق صيغ قانونية ودستورية يتفق عليها الشعب الإرتري. والتأكيد على مبدأ ان الحقوق والواجبات هي على أساس المواطنة.

ثالثاً : الالتزام بمبدأ الحوار الوطني لحل القضايا الخلافية ونبذ العنف لحل أي خلاف إرتري – إرتري:

بما ان الاختلاف والاتفاق حول قضية من القضايا الخلافية هو من سنة الحياة ، فلهذا ليس بالضرورة ان تتطابق دائماً الآراء وتتفق حول كل شئ. والشيء المهم هو إقرار مبدأ حق الاختلاف في الرأي ، ومن ثم احترام الرأي الأخر  في إطار نسبية الخطأ والصواب.  وجملة القول هو العمل بقاعدة  ” ان أي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ” . ولذلك فان اللجوء الى العنف والقوة لحل الخلاف مهما عظم أو صغر ينم عن الضعف والعجز  في مقارعة الحجة بالحجة ورغبة في الظلم بعيدا عن منطق الاحتكام الى القانون ومنطق العقل. وإيمانا منا بان تجربتنا خلال فترة النضال الوطني مليئة بالدروس والعبر ، وإيمانا منا بحقيقة ان العنف لا يولد إلا العنف والدمار للطرفين فإننا نؤكد على العمل بمبدأ التزام الحوار السلمي  وحرية الرأي والتفكير والعمل مع أو ضد أي جهة وفق ما ينص عليه القانون الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وان القضاء والتشريعات القانونية هي الوسيلة لحل الخلافات السياسية والنزعات بين مختلف الجهات الاعتبارية .

ومن هنا وتدعيما للغايات التي نسعى إليها، وهي صيغة وطنية للحكم والإدارة يتفق عليها الجميع، فإننا ندعو الى إغلاق كافة الملفات الخلافية ، ووقف كافة الممارسات التي تحكمها عقدة الماضي، واعتبار الاختلافات السابقة في الرؤى حول الشأن الإرتري حق مشروع للجميع وشئ من الماضي يستفاد منها كتجارب وعبر دون اتخاذها حجج لممارسة أعمال غير قانونية. وانطلاقا من هذا ندعو الى ان يصبح مبدأ الوفاق الوطني وتبني الحلول السلمية ومبدأ الحوار لحل جميع القضايا الخلافية الإرترية كأحد أهم وسائل تحقيق الوئام والسلام والاستقرار الوطني، ولتعبئة الجهود الإرترية للانطلاق نحو بناء حقيقي قائم على دعائم وحدة وطنية متينة.

رابعاً : الإقرار بمبدأ الثنائية الدينية ( الإسلام والمسيحية ) والثقافية (العربية الإسلامية والتجرينية / المسيحية ) للمجتمع الإرتري:

من خلال فهمنا للواقع الإرتري وتركيبته الدينية والثقافية نرى ان الاعتراف والإقرار :-

أ) بالثنائية الدينية ممثلة في الديانتين الإسلامية والمسيحية وبالثنائية الثقافية ممثلة في اللغتين العربية والتجرينية دون إسقاط حقوق أي ديانة أو ثقافة أو لغة أخرى  في المجتمع الإرتري، هو مبدأ يجب إقراره والعمل به في مجال التعليم والعمل.

ب)  ان اعتبار اللغتين العربية والتجرينية لغتين وطنيتين ورسميتين ، مع الاعتراف بحق اللغات الإرترية الأخرى في التطور والنماء والتعامل ، هو تجسيد للواقع الذي يجمع عليه الإرتريون ، ويعتبرونه من عوامل التعايش والاستقرار الداخلي . كما يعتبر هذا الإجراء ضمانة أساسية للحيلولة دون التعرض لانزلاقات تغذيها في الغالب الأعم السياسات الشيوفينية  التي تتبناها الحكومة وتتجاهل بموجبها الواقع الاجتماعي وتسعى الى خلق واقع جديد وفق رؤاها القائمة على أساس تهميش وإلغاء بعض الأطراف وحقوقها المشروعة.

خامساً : الإقرار بثنائية الهوية العربية – الأفريقية لإرتريا:

بحكم تكوينها الاجتماعي والثقافي وموقعها الجغرافي ، فان إرتريا تنتمي الى العالمين العربي والأفريقي. وهذا الوضع يحتم علينا التعاطي مع المعطيات الجغرافية والتاريخية لنتمكن من التعايش والتواصل إيجابا مع محيطنا. هذا فضلا عن أهمية تحديد علاقتنا وانتماءاتنا بما يراعي خصوصيتنا هذه، ويخدم مصالحنا العليا وبما يحفظ أمننا الوطني على المستويين الداخلي والخارجي.  ولا يتأتى هذا الا بتبني مواقف وعلاقات متزنة لا تتنكر لخصوصيتنا أو تتغافل عن واقعتا ومحيطنا الطبيعي، عند وضع السياسات وتبني استراتيجيات تتعلق بإيجاد الهوية أو التعامل مع  القوى الإقليمية والدولية في الحاضر والمستقبل. ان إقرار الثنائية في الهوية يجب ان يكون نابعا من حقيقة الانتماء الحضاري – حيث ان تاريخ المنطقة لا يخرج من الدوران في فلك أو  في إطار  الحضارات التي سادت منطقتنا فتشكلت على أساسها انتماءاتنا الثقافية واكتسبنا معتقداتنا الدينية.  وان هذه الثنائية في الهوية هي مصدر غنى وقوة لإرتريا إذا عرفنا كيفية استغلالها بما يخدم مصالحنا الوطنية. حيث يمكن لإرتريا التفاعل إيجابا مع كل الأطراف والاستفادة من كونها تشكل إحدى حلقات الوصل بين القارتين في إطار الروابط والمصالح المشتركة . وقبل هذا وذاك ينبغي التأكيد بأن تحديد الهوية ليس أمرا خاضعا للأمزجة الشخصية والحماسة الوطنية أو الدينية أو لمعايير الربح والخسارة  الآنية المدفوعة بمنظور مادي . بل ان قضية الانتماء هي خيار يعبر عن واقع تاريخي وانتماء حضاري وثقافي- ولا يحق لأي طرف ان يحدد هذا الإحساس بالانتماء أو يحدد الهويات نيابة عن الآخرين أو يمنعهم عن هذا الانتماء أو مجرد الإحساس به.

سادساً : تبني نظام سياسي يقوم على أساس التعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة:

أ- نحن كغيرنا من المجتمعات المتعددة الأعراق والثقافات واللغات نحتاج الى تعددية سياسية وإدارية تعبر عن هذا التنوع وتتماشى معه.  وان المناخ العالمي السائد وتطور الفكر والتراث الإنساني يقف شاهدا على ما ندعو إليه حيث أصبح  النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية وفصل السلطات وتكاملها ، والاعتراف بالأخر والتعايش الثقافي والفكري والعرقي ….الخ ، واحترام الحقوق الإنسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجموعات من المبادئ الأساسية لحياة الإنسان في هذا العصر، إلى جانب ضمان المشاركة التي يكفلها القانون للشعوب في التبادل السلمي  للسلطة والإدارة ومراقبة شؤون بلادهم في شتى المجالات وعلى كافة المستويات وفق رغبات الشعب .

ب-  كما ان قيم الحرية والديمقراطية تجسد في حد ذاتها قيمة إنسانية سامية ، وهي في جوهرها مجموعة متكاملة من  القيم والمعايير الثابتة . وبالتالي فان عدم إدراك هذه الخاصية هو خلل يؤدي بدوره حتما الى ضعف الالتزام بها في ممارسة الحكم من خلال البحث عن تفسيرات ومبررات وأساليب تحكمية وانتقائية للالتفاف على ممارسة الديكتاتورية باسم الديمقراطية، أو باسم حماية الديمقراطية من ذاتها.

ج-  وبما ان أدوات ممارسة الديمقراطية هي التنظيمات والأحزاب السياسية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني . وبما ان هذه التنظيمات هي عبارة عن أطر وأوعية تنشئها مجموعة من الأفراد تجمع بينهم رؤى حول قضاياهم وقضايا المجتمع لمعالجة وإدارة شؤون البلاد. فانه لا يمكن وضع قوالب وأطر مسبقا حول طبيعة تكوينهم العرقي أو الإقليمي أو الثقافي أو الديني …الخ ( مثل اشتراط – ان يضم الحزب في عضويته من الطائفة الفلانية أو الإقليم الفلاني أو القومية الفلانية …. خارج إطار تلك الرؤى والأفكار والأهداف المشتركة . وان فرض مثل هذه الشروط يمثل قيودا أو خرقا لأسس الممارسة الديمقراطية الحقة التي تقوم أساسا على قاعدة حرية الاختيار بين الأراء والأفكار التي تعبر عنها التنظيمات السياسية ، وليس بين تكويناتها العرقية أو الثقافية أو الإقليمية أو الدينية….الخ.

بمعني أخر ان معيار الاعتراف في نظرنا بأي تنظيم أو الانتماء اليه هو ما يطرحه من أفكار وبرامج وأساليب ووسائل تنفيذ تلك الأهداف والبرامج التي تتبارى على خدمة الإنسان وتحقق رغباته في تحقيق التقدم والازدهار، وليس أي معيار أخر. ومن هنا فان ما يهمنا من حيث المبدأ  ونود التأكيد عليه، فيما يتصل بالتكوينات السياسية، هو ليس تركيبتها الاجتماعية أو العرقية أو الدينية أو الثقافية أو مسمياتها  ….الخ ، وإنما هو :-

أولا: مشروعية أهدافها ، بمعني ان تكون الأهداف التي تسعى الي تحقيقها تلك التنظيمات والأحزاب السياسية في إطار الحقوق المشروعة التي يكفلها القانون والدستور الذي يقره المجتمع  ويرتضيه مظلة للحكم.

ثانيا: ان يقوم التنظيم على مبدأ الإيمان بالعملية الديمقراطية والتعددية السياسية ، والتداول السلمي للسلطة بين التنظيمات السياسية وفق رغبات الشعب التي يعبر عنها بانتماءاته السياسية وممارساته السلمية والديمقراطية.

ثالثا: مراعاة المصلحة الوطنية العليا، ومصالح المجتمع بحيث لا يتم تحقيق هذه الأهداف على حساب ومصالح وحقوق طرف أو أطراف أخرى من المجتمع الإرتري. وهذا بغرض تأكيد مبدأ تكاملية مصالح الوطن مع مصالح  المجتمعات التي تعبر عنها الأحزاب.

رابعاً:  مشروعية الوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف . أي ان تكون الوسائل المتبعة من قبل التنظيم أو الحزب السياسي لتحقيق أهدافه وتنفيذ برامجه وسائل سلمية وقانونية وديمقراطية، لا إكراه فيها أو إرهاب أو خداع للمواطن.

خامسا: ان يكون التنظيم مفتوحا لجميع المواطنين الذين يرغبون في الانضمام اليه بغض النظر عن أصلهم العرقي أو معتقدهم الديني أو لغتهم أو إقليمهم….الخ.

د-  في إطار هذه الضوابط فان تنظيمنا يؤمن بحق أي مجموعة تتفق في رؤاها الفكرية والسياسية في تكوين تنظيمها السياسي بصرف النظر عن تركيبتها العرقية أو الثقافية أو الدينية……الخ . كما إننا نؤمن بأن نشر الثقافة الديمقراطية وقيم الحرية وإتاحة أكبر قدر من ممارسة الديمقراطية وإرساء الأرضية التي تقوي روح الانتماء الى الأخر والإحساس بالمصلحة المشتركة معاً، هي من العوامل التي تؤدي الى ممارسة الديمقراطية الحقة والناجحة والرشيدة.  وتخرج المواطن من الانكفاء في أطر مفاهيم العرقية والإقليمية والطائفية …. إلى الفضاءات الوطنية الأرحب وليست القوانين التي تضع قوالب مسبقة لتكوين التنظيمات السياسية . كما ان أخطاء الديمقراطية لا تعالج الا بالمزيد من الديمقراطية، لأنها عملية تراكمية تنمو وتتطور عبر المزيد من الممارسة الديمقراطية . كما ان الدعوة التي تقول بتأجيل الممارسة الديمقراطية بحجة ان الشعب لم يبلغ سن الرشد أو للشعب أولويات أخرى أهم من الديمقراطية، هي في الواقع مصادرة لحق الشعوب . وهي كلمة لا صلة لها بالواقع أو الحقيقة ، وتلوكها العقول المريضة التي لا تؤمن أصلا بالعملية الديمقراطية ، بهدف الاستمرار في قهر شعوبها وإشباع نزعاتها الديكتاتورية.

ان الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها ، وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات . وكذلك وسيلة لتحقيق رغبة الشعب وخلق حالة رضى عام بهدف إيجاد الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي ، وتفجير الطاقات الفكرية والاقتصادية .  كما تمكن هذه العملية النظام الحاكم من الاهتمام بالتنمية والتطور وتجعل الأحزاب والمنظمات المتنافسة على السلطة تتبارى على خدمة المواطن وتحقيق رغباته. وذلك لأنه إذا كانت التنمية من أجل الشعب فانه أيضا لا تنمية بدون مشاركة الشعب ولا مشاركة للشعب دون ممارسة الديمقراطية الحقة.

سابعا: تبني النظام الإداري القائم على الفيدرالية/ اللامركزية الإدارية:-

قد تتضمن النصوص الدستورية والقانونية العديد من المواد التي تعبر عن الحقوق ، ولكنها قد تتجاهل الجوانب الإجرائية التي تحدد الوسائل والآليات والنظم التي تمكن المستفيد من تلك المواد من الاستمتاع بتلك الحقوق . ويجعل هذا من تلك النصوص والقوانين مجرد نصوص لا تساوي قيمتها قيمة الحبر الذي كتبت به فبالتالي تصبح مجرد جسد بلا روح.  ينطبق هذا على نوعية النظم الإدارية التي تلعب دورا محوريا في تقاسم السلطة والثروة من الناحية العملية بين الفئات المكونة للمجتمع. ونظرا لكوننا نؤمن بنظام حكم يضمن المشاركة الفاعلة والعادلة للجميع في السلطة والثروة، وينال رضى وقبول كافة فئات المجمع الإرتري، فان إيجاد نظام كهذا يمكن ان يكون :-

أولا: وكما ذكر أنفا بتبني نظام ديمقراطي تعددي قائم على الدستورية المؤسسية والشفافية وسيادة القانون.

ثانيا: بإيجاد آليات عمل ونظم إدارية تمكن كافة شرائح المجتمع الإرتري من المشاركة الفعالة والعادلة في السلطة والثروة. وفي هذا السياق ، فإننا نرى بأهمية تبني نظام إداري قائم على الفيدرالية / أو اللامركزية الإدارية، تتمتع من خلالها الأقاليم الإرترية بقدر من السلطات التي تمكنها من تسيير شؤونها ، ووضع برامج عملها التي تستجيب لمطالب مواطنيها. وان انسب التقسيمات الإدارية التي نراها ملائمة كمبدأ يمكن الاتفاق عليه لاحقاً، وتشكل أساسا للحكم الاتحادي الفيدرالي أو اللامركزي،  هي  على النحو الاتي: 

الإقليم الأول : إقليم دنكاليا

الإقليم الثاني : المرتفعات ( ويضم أكليقوزاي وحماسين وسراي ) باستثناء العاصمة القومية.

الإقليم الثالث: المنخفضان الشرقية والغربية (يضم  سمهر والساحل وعنسبا والقاش و بركة).  قد يستند هذا التقسيم على التقسيم الإداري القديم لإرتريا، وبالتالي سيلغي التقسيم الإداري الحالي . ويأخذا هذا التقسيم في الاعتبار التجانس الاجتماعي والجغرافي والتاريخي لسكان هذه الأقاليم على ان يتم توزيع السلطات بين المركز والإقليم وفق ما يتم الاتفاق عليه في دستور البلاد، الذي يجب ان يشارك في صياغته الجميع ليجد القبول والرضى من جميع المعنيين. كما ان هذا التقسيم لا يتعارض مع تبني نظام برلماني أو رأسي أو نظام مختلط. 

 

ثامنا: تبني نظام اقتصاد ي حر يقوم على آليات السوق:

1) بما ان الحرية الاقتصادية تعتبر الوجه الأخر للحرية السياسية والفكرية والممارسة العملة للديمقراطية، فإنها تمثل الخيار الأمثل لترشيد استغلال الموارد وتحقيق القدر الكافي من الكفاءة الإنتاجية وتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة التي ينشدها المواطن. 

2) كما ان العالم يتجه اليوم نحو وحدة اقتصادية عالمية في ظل قواعد لعبة العولمة ، مما  لا يدع مجال للانغلاق والسيطرة على الحياة الاقتصادية. ولهذا فان الحرية الاقتصادية المتمثلة في آليات اقتصاد السوق الحر ، وخلق بيئة آمنة ومستقرة لإنعاش الاقتصاد الوطني وتأهيل البنية التحتية لاستغلال الموارد الطبيعية والبشرية، التي تذخر بها إرتريا، هي خيارنا ومن المبادئ الأساسية لتحقيق التقدم والازدهار والرخاء الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا.

3) وبما أن العالم يشهد بين لحظة وأخرى تحولات متسارعة في مجال الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية ، فإننا سوف نسعى من أجل تحقيق أعلى مستوى متقدم من التعاون الاقتصادي لإعطاء حرية وفضاء أوسع لحركة الموارد المالية والبشرية في منطقة القرن الأفريقي. ومن ثم السعي للاندماج في التكتلات الاقتصادية مع دول الجوار للإسهام إيجابا في تعزيز  التنمية الاقتصادية لشعوب المنطقة، وتوفير البيئة الملائمة لجذب أكبر قدر من الاستثمارات الوطنية والأجنبية.

تاسعاً : إيجاد قانون عادل لقضية ملكية الأرض.

لقد أثارت السياسات التي اتبعتها الحكومة الارترية بشأن الأرض الكثير من التساؤلات ، واتسمت بالكثير من الغموض، إذ لا يعقل ان تكون هنالك معايير مزدوجة لموضوع الأرض ولا يمكن ان نعتبر كل أو جزء من أرض الوطن  ملكاً لفئة بعينها، واعتبار أجزاء أخرى من ارضي البلاد أرض مشاع ، أو أرض بلا صاحب.  وبمعنى أخر ان يكون جزء من الشعب مالكاً لأرض خاصة به، والجزء الأخر لا يملك شيئاً. إن مفهوم الرستي / الطيسا ، وأراضي الدومينالي هو ارث استعماري أسئ فهمه ، أو تم تفسيره بشكل متعمد بحيث تعني أراضي الرستي أرضا ذات أصحاب  (أو ملكية خاصة كما يحلو للبعض تسميتها)، ولتعني أرضي الدومينالي أرضا مشاع أو أرض بلا أصحاب. بينما في حقيقة الأمر الاختلاف ” حسب فهمنا”  هو في طريقة استغلال الأرض وشكل ملكيتها وليس مضمون الملكية ذاتها. فإذا كان شكل أو أسلوب ملكية الأرض في نظام الطيسا / الرستي تعني ملكية الأرض لأهل القرية، أو لمجموعة من الأفراد ليتم استغلالها في أغلب الأحيان في مجال الزراعة والرعي، فان شكل أو أسلوب الملكية في أراضي الدومنيالي هو الملكية الجماعية للأرض من قبل مجموعة من القبائل والمجموعات العرقية التي تسكن في نطاق جغرافي محدد. ويتم استغلال الأرض في اغلب الأحيان في مجالات الزراعة والرعي دون ان يتم تقسيم هذه الرقعة الجغرافية على أفراد هذه المجموعات أو على مجموعات بعينها بشكل كامل ومحدد. وقد يتم هذا حتى دون توثيق هذه الملكيات في سجلات رسمية بسبب خضوع الناس نمط الحياة في تلك المجتمعات لنظام الأعراف والتقاليد. زمع ذلك الغريب في الأمر هو مصادرة أراضى مملوكة لأفراد لديهم ما يكفي من الوثائق التي تثبت ملكيتها لهم في مناطق ما يعرف بالدومينالي من قبل النظام بحجة ملكية  الدولة للأرض . فيملك النظام هذه الأراضي لمن يحب من أعوانه أو لمن يدفع ثمن أكثر أو للجيش الذي أصبح هم ضباطه المنافسة في الثراء واستغلال إنتاج تلك الأراضي، وتسخير جهد وعرق الشاب المجند في الجيش لمصالحهم الخاصة. صحيح ان من حق أي إرتري ان يعيش ويعمل ويمتلك في أي بقعة من الوطن، شريطة ان  لا يتم هذا على حساب الأخريين أو أصحاب الملكية. فالحراك الاجتماعي والاندماج يجب ان يكون حراكاً حراً وطبيعيا تحكمه المصالح المشتركة والتراضي والقبول، وليس عبر سياسات إدارية وقوانين تسن بهدف خدمة فئة معينة من المجتمع وعلى حساب فئة أخرى. ان مثل هذه الممارسات تمثل في نظرنا قنابل موقوتة ستنفجر عاجلا أم أجلا ما لم يتم التنبه لها ومعالجتها بشكل عادل وموضوعي وعقلاني تراعى فيه مصالح وحقوق كافة المواطنين دون تمييز.

عاشراً : تبني سياسة دفاعية تقوم على تجنب الحروب ومسببات التهديد وعدم الاستقرار في الآمن الوطني داخليا وخارجياً.

1) ان حماية الكيان الوطني والحفاظ عليه من التهديد الخارجي وعدم الاستقرار الداخلي هو واجب وطني مقدس لا خلاف عليه. ولهذا لابد من توفر القوة الضرورية اللازمة لحماية الوطن وضمان سلامته. ومع هذا فقد تختلف الرؤى حول مفاهيم الأمن والتهديد وعدم الاستقرار ومصادره . كما قد تختلف حول مفهوم القوة وبناءها ووسائل الدفاع وأساليبه.

2 ) قد تكون مصادر التهديد داخلية بسبب عدم الاستقرار الداخلي وفقدان الوئام الاجتماعي الناتج عن عدم رضى فئات من المجتمع التي تتسبب فيها سياسات الحكومة نفسها. فقد تؤدي السياسات والممارسات الخاطئة للحكومات الى عدم استقرار وصراعات وحروب داخلية مما يوهن جسم الوطن. كما يمكن ان تكون المهددات خارجية عندما تتعرض البلاد لعدوان خارجي بما يضر  بالمصالح الحيوية وأمنها القومي. ولهذا فان السياسة الدفاعية والأمنية لبلادنا يجب ان تقوم على أساس قاعدة الوقاية ، وذلك بتجنب مسببات الخلاف والإضرار بمصالح الآخرين أو الاعتداء عليهم في داخل أراضيهم أو خارجها.    

3) ونظرا لتركيبة بلادنا الاجتماعية وحجمها وموقعها الجغرافي فإننا نعتقد بأن أفضل الوسائل لحماية أمننا وكياننا الوطني  هي تبني سياسات تضمن لنا التماسك الوطني وتعزز الوحدة الداخلية. وان الطريق الى هذا الهدف يتمثل في الابتعاد عن كافة أشكال الممارسات المؤدية بطريقة أو أخرى الى النيل من الوحدة الوطنية .  وان أخطر  أساليب التفتيت وتمزيق الوحدة الوطنية تتمثل في إثارة الفتن والنعرات الدينية والقبلية وانعدام العدالة المساواة  في توزيع الثروة والسلطة ، وبالتالي العمل على تهميش البعض وتعزيز  دور البعض الأخر.  وفي المحصلة النهائية تضع هذه الممارسات المواطن بين أمرين أحلاهما مر : فإما ان يقاتل دفاعا عن حقوقه الوطنية والآدمية أو ان يصبر على الظلم والذل والمهانة والقهر والبطش، وهو عامل يضعف روح الحرص على الوطن والحفاظ عليه والدفاع عنه.

4) أما بالنسبة للمهددات الخارجية فان حماية الوطن ستعتمد بشكل أساسي على انتهاج سياسة حسن جوار ، وسلام  وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، وعدم تبني سياسات تضر بمصالح الدول الأخرى واستقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وكذا اعتماد سياسة حل النزاعات والخلافات مهما كانت بالوسائل السلمية وبالتالي إزالة كافة عوامل التوتر والصراعات الخارجية التي يمكن ان تهدد الكيان الإرتري ومصالحه واستقراره.

5) ان تكوين الجيوش الضخمة وتكديس الأسلحة والصرف المفرط عليها خصما على متطلبات التنمية ، قد لا يضمن سلامة الأوطان في كل الأحوال.  ومن ناحية أخرى يمثل هذا هدرا للموارد وعبئا ثقيلا خاصة في ظل استحالة عدم استخدام القوة العسكرية لحل النزاعات الدولية في عالم اليوم.

6) ومن هنا نرى بأن انسب الوسائل لحماية الكيان الإرتري ، والحفاظ على أمنه واستقراره داخليا وخارجيا هو الاعتماد أكثر على قوة السلام وليس سلام القوة أو المؤامرات والغدر بالأخريين. ولا يكون ذلك الا بتمتين وتعزيز الوحدة والوطنية وتحقيق وحدة الرأي حول المصالح المشتركة والعدو المشترك من جهة ، وانتهاج الطرق السلمية لحل الخلافات الخارجية من جهة أخري.

7) ومع كل هذا ، ولما كان من الضروري وجود مؤسسة عسكرية، بصرف النظر عن حجمها، فيجب ان تكون جيدة التجهيز، ويراعى فيها :-

أ- ان تكون هذه القوة المسلحة في حدود ضروريات الأمن الداخلي والخارجي للدولة الإرترية.، في ضوء المخاطر الأمنية المحتملة عملياً. وان تكون محدودة الحجم جيدة التجهيز وتعتمد على النوع أكثر من العدد. 

ب_ ان تقوم هذه المؤسسة العسكرية على أرضية وطنية تراعي فيها شروط الكفاءة والعدالة بين الأفراد والمجتمعات الإرترية، بحيث تعكس التركيبة الاجتماعية الإرترية.

ج – ان تكون ذات رسالة وطنية خالصة تقتصر مهمتها في الدفاع عن الوطن وسيادته إذا تعرض لتهديد خارجي ، والمساعدة في الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي . وينبغي ان يتم هذا وفق تشريعات وقوانين تسنها وتجيزها الجهات التشريعية ، لحماية المؤسسة العسكرية من الاستغلال في قضايا لا تمت بصلة الى الأمن الوطني أو مصالح الشعب وإجماعه الوطني، أو تخضع لولاءات سياسية. ولهذا يجب ان تكون قضايا الحرب والسلام بيد الجهة التشريعية الممثلة للشعب ، ويكون ولاء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية للوطن فقط وليس للنظام السياسي ، الا في حدود الطاعة التي تفرضها القوانين التي تنظم العلاقات بين مختلف الجهات والمؤسسات.

حادي عشر : تبني سياسة خارجية تقوم على مبدأ التعايش السلمي والمصالح المشتركة:

كما أسلفنا القول فان أحد أهم شروط الازدهار الاقتصادي والاجتماعي هو السلام الخارجي، وهو ما يستدعي بدوره انتهاج سياسة تخدم السلام والاستقرار والتعاون والوحدة والمصالح المشتركة ، بديلا عن الاحتراب والصراعات في التعامل مع العالم الخارجي. وبناء علاقات متينة تقوم على الوئام وحسن الجوار وترسيخ المصالح المشتركة مع دول الجوار . كما لابد من تبني أسلوب الحوار السلمي وحل الخلافات التي تنشأ بين الدول الأخرى واحترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها.

2) انطلاقا من هذا فإننا نؤمن ونسعى الى تمتين أواصر العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين الشعب الإرتري والشعوب الأخرى خاصة المجاورة منها التي تعتبر امتدادات طبيعية ثقافياً واجتماعياً لها. وتحديدا الشعوب المجاورة في السودان وإثيوبيا وجيبوتي والصومال الشقيق ، بهدف تحقيق  أعلى درجات التعاون والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي مع هذه الدول والشعوب في كافة المجالات كهدف استراتيجي .  بحيث تصبح الحدود التي تفصل بين هذه الشعوب جسورا للتواصل الثقافي والاقتصادي وليس سدودا وموانع تحول دون التواصل بين شعوب المنطقة التي تتواصل اجتماعيا وثقافيا وتتشابك مصالحها الاستراتيجية.  ويكمن ان يتم هذا وفقا لخيارات هذه الشعوب ورغباتها ، وبعدم التدخل في شؤون بعضها والإسهام الإيجابي والفعال في استتاب الأمن والسلام في المنطقة. فمن البديهي انه لا يمكن لإرتريا ان تعيش في سلام وتزدهر بمعزل عن السلام الإقليمي والعالمي .

ثاني عشر : إصحاح البيئة والحياة الطبيعية لإرتريا والحفاظ على سلامتها.

1) من المعروف ان أحد الهموم الإنسانية والعالمية في الوقت الحاضر هو الحفاظ على سلامة البيئة وإعادة توازنها الذي اختل بسبب التلوث الصناعي والحروب والاستخدام الخاطئ للأرض ومواردها الطبيعية مما اصبح يهدد عناصر البيئة بالانهيار والتراجع المستمر في الكرة الأرضية عامة.

2) وإنه انه من المعروف بأن إرتريا قد تعرضت لخراب ودمار بيئي خلال العقود الماضية ، نتيجة للإهمال المتعمد للبيئة من القوى الاستعمارية المتعاقبة من جهة وبسبب دورات الجفاف والسياسات الجائرة  في استخدام الأرض والغطاء النباتي فيها من جهة أخرى.

3) وإذا لم يتم تدارك هذا الأمر بسياسات جادة تسعي لإصحاح البيئة وتضع ضمن أولوياتها الحفاظ عليها وإحيائها ، فان دورة العلاقة السببية بين التصحر في الأرض  والجاف سوف تستمر لتجعل من إرتريا أرضا غير صالحة للسكن والتطور حتى لو توفرت فيها ظروف سياسة واجتماعية مواتية.

4) ومن هنا نجد ان إحدى أهم الشروط الضرورية والمكملة للشروط الأخرى، في نظرنا والتي يتوجب توفرها لإيجاد وطن مزدهر ومنتج هو السعي لإصحاح البيئة الإرترية والحفاظ عليها.  ولهذا يجب وضع سياسات واتخاذ إجراءات وتدابير تحقيق هذه الغايات النبيلة.

أخيراً:

1-  ان بناء تنظيم سياسي وديمقراطي هي مسألة تتطلب تجرد وجهدا وطنيا مخلصا يتسامى على صغائر الأمور ، وإدراكا واعيا لواقع المجتمع . كما يتطلب وضع في الحسبان حق الجميع في الاجتهاد والاختلاف في الرؤى ماضيا وحاضرا ومستقبلا ما دام كل ذلك كان من أجل هذا الوطن واعتبار ذلك حقاً مشروعا وذا قيمة تراكمية وفكرية في تشخيص ومعالجة القضايا الوطنية، بعيدا عن الرؤى الأحادية التي تقوم على احتكار الصواب.

2-  إننا في حركة الحرية الأن  FNAM  وهي رابطة وطنية إرترية تسعى الى تحقيق السلام والتنمية سوف نعمل من أجل:

أ-  تحقيق وفاق وطني وميلاد مشروع وطني ديمقراطي يقوم على إزالة كافة العقبات التي تحول دون انطلاق إرتريا نحو المستقبل المشرق.

ب- للوصول إلى هذه الغايات فإننا سوف نتبع مبدأ التدرج في تحقيق الأهداف ، واعتماد آليات العمل السلمي والمنظم والمدرك لأهمية العمل المؤسسي القائم على العلم والعقلانية والاستنارة السياسية والممارسة الجماعية الواعية والهادفة بغية تحقيق الاستقرار والأمن والرفاهية والعدل وضمان المستقبل الديمقراطي المزدهر للبلاد.  

ج- سيادة  قيم العدالة والمساواة واحترام الحريات والانسجام الاجتماعي في زمن أصبح فيه الحديث عن الحرية والديمقراطية في بلادنا جريمة لا تغتفر. 

د – وبما ان الحرية ليست ترفا  هبة يمنحها الحكام أو تقليدا تمليه رغبات فردية أو  ميول أيدلوجية بل هي شئ من كينونة الإنسان وفطرته التي خلق عليها ، ولهذا هي حق طبيعي لكل إنسان . نعم هي حق في التفكير والتعبير عن الذات الفردية والجماعية ، ولهذا لم تكن الحرية يوما هبة من إنسان لأخيه لإنسان، بل هي هبة إلهية.

ان التضحيات الجسام التي تكبدها الشعب الإرتري على مديى أكثر  أربعين عاما كانت من أجل الحرية بمفهومها الشامل من تعبير وحركة وانتقال واعتقاد وتعليم وعمل  …الخ. حرية تنظمها القوانين وتحمي الكرامة الإنسانية وترفع من شأنها. حرية تمكن الإنسان من القول نعم أو لا وفق مبادئه وقيمه ومصلحة وطنه  . وان هذه الحقوق هي ما تستند إليه الحركة في عملها وفكرها باعتبارها مطالب إنسانية ملحة حاضرا ومستقبلا. ومن هنا انبثق اسم الحركة ” حركة الحرية الأن “، قبل أكثر من عام في إرتريا.

هـ ان ما نقوم به ونسعى اليه هو حق وواجب في ان معا. كما ان الغايات التي نسعى الى تحقيقها هي في نفس الوقت وسائل لتحقيق تلك الغايات. فقضايا ترسيخ ثقافة السلام والتعايش من خلال الاعتراف بالأخر والاحترام المتبادل في الوطن وخارجه ، وسيادة العدل في اقتسام الثروات والسلطات ، واحترام خصوصيات الآخرين ومراعاة حقوقهم في الوطن مثلا ، فبقدر ما هي غايات نسعى الى تحقيقها بقدر ما هي وسائل لايجاد وطن ارتري أمن ومستقر إجتماعياً ومزدهر إقتصادياً.  فالسلام والتنمية هما كلمتان تكملان بعضهما  ، فلا تنمية دون سلام واستقرار ، ومتى ما توفر السلام والاستقرار فان التنمية تصبح تحصيل حاصل. وان أي بلد يسود فيه الإحساس بالظلم وينقسم شعبه بين ظالم ومظلوم لا أمل له لا السلام والاستقرار ولا في التنمية الجادة التي تنعكس على حياة الإنسان.

و – من هنا كان لابد ان نسعى الى إيجاد مخرج من المأزق الذي تعيشه البلاد بالسعي إلى إشاعة قيم الديمقراطية والعدالة وصون كرامة الإنسان في كافة مناحي الحياة. فلا استقرار يمكن تأمينه داخليا وخارجيا والعيش بسلام بين فئات المجتمع الإرتري في ظل القهر  وحياة الذل والهوان التي يتعرض لها .  وإنه لا مكانة لنا بين الأمم وشعوب العالم ما لم نحتل مكاننا في الداخل أولا.

ان الطرح الذي نقدمه إلى جماهير شعبنا في الداخل والخارج ليس أمرا سهلا ونحن مدركون للصعوبات والمخاطر ولكننا نؤمن بحتمية تحقق هذه الأهداف . ولهذا نحن عازمون على التصدي لجبروت أفورقي وللعصابات الظلامية التي تحكم شعبنا ولهذا نناشد جميع القوى الوطنية التي تتفق معنا في الرؤى والديمقراطية التي تسعى لتحقيق أهداف وطنية للتعاون معنا ولتضع يدها بيدنا لنحقق الخلاص لعشبنا.

” الحرية الأن وليس غدا ” هو شعارنا دائماً.  

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7325

نشرت بواسطة في ديسمبر 28 2005 في صفحة الأخبار, وثائق. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010