أحـداث الـتـأريـخ بـيـن الـحـيـدة عـنهـا وقـراءتها بمـقـاصـدهـا (2-5)

abu usamaبقلم: أبو أسامة المعلم،
E.mail: asous.ert@gmail.com

القراءة الثانية، حول ما قاله الأستاذ عن خطأ توصيف الصراع في إرتريا.

 

قال الأستاذ فتحي: “وتقديم الحق الديني على حق الحياة والحرية، هو الذي يؤدي إلى خطأ توصيف الصراع بأنه صراع طائفى ……..الخ”

ما الذي نفهمه من قول أستاذنا فتحي: (خطأ توصيف الصراع)؟

أحسب أن أستاذنا الفاضل أراد أن يقول: (تحديد أهداف الصراع)، وكلمة توصيف قد غدت شائعة في العرف السياسي المعاصر بلغة الكتاب والمتحدثين السياسيين، فلا مشاحَّة في الاصطلاح ابتداءً، بيد أن غيرها ربما أفضل منها لغة، لأنها في المعاجم تفيد غير هذا، فيُصبح لذلك معناها هنا غير دقيق، وعمومًا في هذا الموضع سوف أحصر حديثي في نظرية الأستاذ فتحي الجانحة إلى دعوتنا لتحديد أهـداف حرب حزب الجبهة الشعبية ضد الشعب، ذلك بعد إذ  قرر بأن هذه الحرب ليست حربًا طائفيًّا، كما قرر أن الدين لا يقدم على حق الحياة والحرية، وقال إذا ما قدمنا الدين على حق الحياة والحرية، فإن ذلك يؤدي إلى خطأ فهم مقاصد حرب حزب الجبهة الشعبية ضد الشعب الإرتري، والمقصود بالدين هنا هو حتمًا الدين الإسلامي، أي أن دين الإسلام يكون تابعًا لغيره بصرف النظر لمن يتبع، بيد أن المؤكد أن دين الإسلام عند أتباعه لم ولن يكون تابعًا لأي نظامٍ بشريٍّ وضعيٍّ، ولا حتى الديانة اليهودية والنصرانية، لكونه الدين الأخير الذي ختم الله به الرسالات، واختاره للبشرية في حياتها وما يترتب على الأفراد من بعد الممات، هذا بصرف النظر عما يقوله أصحاب التوراة المحرفة التي لا وجود لها أثر في الواقع المعاصر، إلا في حلقة ضيقة من اليهود التوراتيـين الذين يختلفون عن يهود الخزر، وكذا الإنجيل الذي تُعدُّ إصحاحاته بالعشرات، وأهمها:

-1 إنجيل مرقس.

-2 إنجيل متى.

-3 إنجيل لوقا.

-4 إنجيل يوحنا.

هذه الأناجيل الأقدم التي بعضها قريب من عهد نبي الله عيسى-عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك فهي مختلفة اختلافًا كبيرًا بينها في مسائل جوهرية، هذا في الوقت الذي لم يحدث ولن يحدث فيه اختلاف في القرآن منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنٍ مها حاول الأعادي، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها بعز عزيز وذل ذليل، هنا سأتحدث- بإذن الله- عن الجزء الثاني من الجملة، أي الذي وضعتُ تحته خطً لتمييزه، وهو قوله: (هو الذي يؤدي إلى خطأ توصيف الصراع بأنه صراع طائفي)، متجاهلا تعديد وتفاصيل ما قد أصبح من ثوابت أعمال حزب الجبهة الشعبية ضد المسلمين بعد إذ غدا يعمل ليل نهار لإزالة وجودهم من واقع الحياة السياسية والاجتماعية بسحتهم جملة، مع أنهم أهل فضل لإبقاء إرتريا بواقعها المعاصر منذ أحداث مراحل التكوين السياسي عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى حرب الحدود الإرترية الإثيوبية بعد الاستقلال، وهي أحداث لا يسعُـني خوض تفاصيلها هاهنا، ومع ذلك ليس بد من الإيماءات التالية لأهمية الربط:

-1 إن حزب الجبهة الشعبية لا يفتأ يعمل حثيثًا بكل ما أوتي من قوة لإعاقة المسلمين عن ممارسة حقوقهم الدينية في حياتهمُ اليومية، ومن أجل ذلك فقد غيَّبَ عن الحياةِ الدعاة والمعلمين منذ ما يقارب عقدين دون سبب وجيه يستطيع أن يقدمه للتأريخ، وأنه لم يقدمهم لا للمحاكمة ولم يطلق سراحهم، وأن بعضهم قد ماتوا على أي حال كانت ميتتهم بما ستكشفُه الأيام القابلة، وأما الذين في غياهب ظلمات الكهوف والحفر التي أعدَّها لهم ولأمثالهم حتى من غير المسلمين، فربما الموت كان خيرا لهم من الحياة فيها، إذ الموت أصبح يأتيهم من كل جهة ولم يموتوا، وسواء الأحياء أ والميتين، لا يعرف أهلوهم عن مصيرهم  خبرًا مؤكدًا.

-2 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لطمس اللغة العربية التي هي اللغة الجامعة للمسلمين في شؤون الدين والسياسة وممارسة الحياة اليومية، وأن الهدف من طمسها ليس إلا لتمييع وترقيق فهم الدين لدى ناشئة المسلمين، ولفصلهم عن أصولهم وبعدهم الثقافي، وأنه بهذا الإجراء فقط يتيح فرصة تمكين التجرينيا التي لا تستطيع الصمود أمام اللغة العربية في الواقع العملي الجمعي لممارسة السياسة والتعليم والإعلام والتجارة والصناعة، وغير هذا وذاك لكون اللغة العربية لغة عالمية حية، وأما التجرينيا، ليست لغة علم ومعرفة وتأريخ في الشأن الإرتري، فكيف بها في الشأن العلمي والمعرفي العالمي.

نعن، لما لم تكن ذات قيمة في الشأن الإرتري، فمن باب أولى وأحرى في الشأن العالمي لكونها لجهة محلية كالتجري والساهو والبلين العفر، وغيرها من الألسن المحلية كما في الغرب والجنوب الغربي، وهكذا تتجلى المؤامرة باضطرار ناشئة المسلمين ليتعلموا في باللهجات المحلية الميتة-لغة الأم-، تلك التي لا تنفعهم في مستقبل دينهم ودنياهم في واقع اليوم الذي انفتح فيه العالم على تقنية وعولمة المعلومات المتسابقة لنجدهم جهلة متخلفين؟!

نعم، من أجل حال حزب الجبهة الشعبية بين المسلمين حاملي الشهادات والثقافة العربية، وبين مشاركتهم في المؤسسات الوطنية التي لم تعد مؤسسات وطنية بهذه الفعال والتطبيقات العملية المنحازة لصالح فئة باشتداد حربه للمسلمين، ومن أبرز صور هذه الحرب، طلبه ترجمة الشهادات العلمية العربية إلى التجرينيا الميتة، وبهذا فكما حرمهم حقهم في وطنهم، فقد حرم الوطن قدراتهم العلمية ومهارات العملية المتنوعة، هذا والوطن في أمس حاجة إليها، بهذا نجد واقع الوطن قد أمسى في ظلمة حالكةٍ وكأنه في قرون الظلام الغابرة، وكأننا لسنا في القرن الواحد والعشرين حيث استطاع العالم تداول المعلومات والأحداث في ذات للحظة.

فماذا يعني محاربة لغة أمةٍ ما؟

في هذا قال بعض أهل العلم والمعرفة الذين منهم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:  (اللغات من أعـظم شعائر الأمم التي بها يتميَّزون)

وقال ابن خلدون رحمه الله:

(إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم)

وقال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله:

(ما ذلّـت لغـة شعـبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحـطّـت إلاّ كان أمره فـي ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرُضُ الأجنبـيّ المستعمرُ لغته فرضاً على الأمّة المستعـمَرةِ، ويركبهم بها، ويُشعـرهم عـظمته فيها، ويـسـتلـحِـقهـم من نـاحـيـتهـا، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثـً في عملٍ واحدٍ:

أ- أمّا الأول فحَبـْسُ لغـتهم في لغـته سجناً مؤبّـداً.

ب- وأمّا الثاني فالحكم على مـاضيهم بالقتل محواً ونسياناً.

ج- وأمَّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعـدها لأمره تَبـَعٌ)

إن هذا الكلامَ شأنه عظيمٌ في الحياة، وأنه بليغ الرسالة، وواضح المعاني، وقويُّ الإنارة لدروب الغافلين، وشديد الشحذ لعقول الخاملين، وأنه خطابٌ سياسيٌّ رزين، وحصيفٌ بربـطه لحلقات التأريخ الموصولة بهموم أبناء الأمة العاملين من أجل مستقبل تتحقق فيه كافة مطالبهم، ومع ذلك لطيف يؤنس النفس والعقل.

بهذه القراءة فإن اللغة لأي أمةٍ، إنما تعني في حقيقة بُعـدها الإنساني، البعـد الثقافي والتأريخي والحضاري لتلك الأمة زماناً ومكانًا عـبر التأريخ، وبالتأسيس على أبعاد هذه المعاني العـظـيمة الجلية، فالتآمر عليها إنما يُراد منه بالضرورة إزالة تلك الأمة المتآمَرِ عليها بإزالة آثارها الحـضارية والتأريخية والثقافية الـظاهرة في لغـتها، ذلك من أجل التمهـيد لإحالتها إلى تابع للغة وثقافة المُتآمِرِ عليها الكائد بها، كما يريده ويعمل من أجله لوبي اليوتوب النصراني في واقعنا الإرتري منذ الأمـس وإلى اليوم من أجل بناء مستقبله على أنقاض وجماجم مستقبلنا.

-3 إن حزب الجبهة الشعبية ظل يعمل حثيثًا بكل ما أوتي من قوة لمنع عودة اللاجئين لكي لا يعيق وجودهم في وطنهم تقدم التجرينيا بما لديهم من ثقافة عربية وتحصيل علمي ومعرفي باللغة العربية، وقد وجد في خطط إعاقته لعودتهم إلى وطنهم من يعينه على ذلك بعلم وجهل، ومن هؤلاء:

منظمة قوس اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي تعمدت تهميش أمرهم، وكذا السودان الذي انحاز إلى أهداف حزب الجبهة الشعبية دون نظرة إستراتيجية لما بيننا وبينه من وشائج، ولما سيترتب على فعاله هذه في المستقبل غير البعيد، ولهذا نجده اليوم يوزع جنسيته بسخاء للاجئين الإرتريين وهم في معسكراتهم.

-4 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لمنع المجندين المسلمين عن أداء إقامة الصلاة في معسكرات الإذلال والسُّخْرة، والقصص المدمية في هذا الشأن قد ملأت الآفاق وسار بها الركبان، فكم هم أولئك المجندين الذين قُتلوا وقَتلوا دفاعًا عن دينهم لما مُنِعُوا عن أداء الصلاة؟!

-5 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لإفساد فتيات المسلمين بانتهاك أعرضهن بقصدٍ وإرادةٍ وإصرارٍ منذ عهد الثورة وحتى حينه بغرض إذلال المسلمين وكسر شوكتهم بالأفراخ الذين يلدنهن قسرًا وغصبًا بما هو مترجمٌ في واقع الحياة، وقد غدا اليوم أولئك الزنمة أبناء السفاح هم ألد أعداء الأمة،  وأنهم غدوا يحظون برعاية خاصة لأداء مثل هذه المهام الصليبية، وأهداف أخرى لا يجهلها الإرتريون، بل ولا يجهلها غير الإرتريين، وهي تفاصيل يصعب ذكرها في هذا المقام.

-6 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لتغيير معالم الأقاليم الإرترية بإعادة رسم حدودها وتسمية بعض المناطق فيها، وبمصادرة أراضي المسلمين ومنحها لغير أهلها بحجة أن المسلمين غير موجودين في الوطن، بعد إذ صنع واقع تغييبهم بخطط ماكرة ليتقرب بتوزيعها على خاصته من الإرتريين وغير الإرتريين.

-7 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لخلق واقع مشاهد دينية وثقافية صليبية في أقاليم المسلمين ببناء كنائس ورموز وشارات في كل مكان ذي بال، وفي الجبال والتلال الواقعة بين المدن من أجل أن يشاهدها المسافرون، وأنه غدا يُغيرُ بعض الأسماء والرموز الدالة على أن الإسلام دين سكان هذه الأقاليم منذ القدم، كل تلك المشاهد ليتخذوها شهادة تأريخية للاستدلال بها على أن سكانها نصارى.

-8 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بما أوتي من قوة لتجرنة إرتريا لغة ودينًا وثقافة وتطبيعًا، فهو لا يفتأ يَصبغُ مشاهد واقعها الوطني السياسي والاجتماعي بصبغة النصرانية، وقد غدت هذه الصبغة تنمو بمشاهد التغيير البارزة بما يُشاهد في الفضائية الإرترية، وفي سائر تفاصيل الحياة اليومية لجعل إرتريا مع مرور الزمن، وطنًا خالصًا للتجرينيا النصارى، هذا الكلام لا يعني إنني ضد النصارى ، بل ضد هذه الاعتداءات على حقوقنا الثابتة، وضد الصمت عليها.

-9 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لصناعة عقول ناشئة المسلمين الذين داخل الوطن على النمط الذي يريده لهم، لكي يصبحوا مع الزمن منطبعين بطبائع أهداف الجهة الصانعة لعقولهم بسياسة الأمر الواقع المترجَمَةِ بمشهد الوطن المقروء في معاني اللغة والثقافة التجرينية النصرانية.

-10 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل بكل ما أوتي من قوة لكسب الوقت حتى يفنى الكبار الذين هم داخل الوطن بعوامل الزمن والجوع وأعمال السُّخرة، ولتكبر ناشئتهم وهي مفصلة عن أصولها الاجتماعية والدينية التليدة لمَّا لم يكن أمامها خيارات علمية ومرجعيات ثقافية موثقة، وهكذا فقد بدت ملامح مشهد غدهم، وهم يتحدثون بالتجرينيا بعد فصلهم عن أصولهم.

-11 إن حزب الجبهة الشعبية يعمل حثيثًا بكل ما أوتي من قوة لكسب الوقت حتى يفنى الكبار الذين هم خارج الوطن بعامل الزمن، وتنشأ ناشئتهم بلا انتماء واضحٍ حيث هم بقراءتهم في واقع تيهٍ فكريٍّ ونفسٍ، أو أنهم سوف يذوبون في المجتمعات التي سيحملون جنسياتها قانونًا، أو يصبحون من طبقة البدون كما هو واقع بعض الفئات في دول الخليج العربي.

أقول: أيها العقلاء كافة، إن لم تكن هذه الأعمال المقننة بنظمٍ مدروسة، حربًا صليبيةٌ طائفيةٌ ضد المسلمين خاصة، فماذا عسى أن يكون تفسيرها يا ترى، أم من الضروري أن  يعلنها حزب الجبهة الشعبية صريحة علنية كونها حرب صليبية طائفية منظمة ضد المسلمين الإرتريين كالتي دعا إليها الباب أوربان الثاني بصراحة وصلفٍ وغرورٍ مخاطبًا جيشه الصليبي لرفع لواء الصليب في القرن الحادي عشر-1095- ضد الإسلام نقول، إن حرب حزب الجبهة الشعبية ضد المسلمين صليبية، ولنصرف النظر عن جيش دمحيت الإثيوبي التجراوي الذي يحمي حزب الجبهة الشعبية وهو يسئ إلى المواطنين في وطنهم.

هنا ثم لفتة خطيرة تتعلق عن جيش دمحيت الذي تحدثنا عنه كثيرًا، بيد أن البروفيسور تسفاظيون مدهانيي قد أصهب في شأنه بما يستحق الوقوف عليه مليًّا، والرجل إما أكاديميَّا متخصصًا أو مثقفًا، وقد أردتُ بهذا أن أربط بين وجود قوات دمحيت وبين الأحداث الأخيرة المتصلة بالأحداث التي سبقتها والتي ستأتي بعدها في صناعة الغايات، والربط الذي أعنيه قد استهللتهُ بصيغة سؤال موجَّهٍ إلى كل المعنيين، وإلى الأخ فتحي خاصة على النحو التالي:

أليس ما يجري اليوم على أرض الواقع ونحن نكتب هذه الأسطر، من التجنيد العسكري لكبار المسلمين خاصة من أجل إحراقهم في معركة مجهولة، وفيهم من تجاوز العقد السادس، هذا في الوقت الذي يتضخم فيه جيش دمحيت الإثيوبي التجراوي الضخم وهم مُعدِّين بأحدث العتاد العسكري، وأنهم ينتشرون في الشوارع مدن إرتريا، وأنهم يستوقفون المواطنين الإرتريين فيها ليسألوهم في وطنهم عمن هم، أليس هذا تمهيد لما ظللتُ أقوله منذ عشرين عامًا بأن إرتريا غدت تهيئ لغير أهلها، وأن شرط تهيئتها لغير أهلها لن يتحقق إلا بسحق المسلمين حسًّا ومعنىً بكل ما تعنيه العبارة، فإن لم يكن هذا حربٌ صليبية، فماذا عسى أن يكون أيها العقلاء.

أليس جورج بوش الابن أعلن بصريح المقال أن حروب أميركا الأخيرة صليبية ضد الإسلام يوم قررت أميركا الحرب ضد القاعدة في أفغانستان، زاعمين بأن المسلمين هم الذين فجروا برج التجارة العالمي بعد أن أحكموا هم أنفسهم واقع الحدث صناعة وتنفيذًا من أجل أن يسوغوا إعلان الحرب على الإسلام بما نظر به صمويل هنجنتون وفرانسيس فوكويام، والمؤسف أن كثيرًا من سذج العالم صدقوا بأن المسلمين هم الذين ضربوا برج التجارة العالمي والبنتاجون بطائرات أميركا، ورُبَّ جورج بوش المخمور كان من هؤلاء السذج، بينما أن القوى الحقيقية الخفية التي صنعت ذلك الواقع الغامض إعدادًا وإنفاذًا بإحكام متقن، هي التي يلزمنا معرفتها، لا من أجل إضافة معلومة سياسية عن الحدث الأميركي الصناعة، بل من أجل معرفة مَن الذي يُديرُ أحداث العالم من خلف أكمة ومن تحت أجمة أميركا؟

نعم، بتطويع القرار السياسي الأميركي من خلال المحافظين الجدد القابعين تحت أجمة البيت الأبيض، والآخرين المتترسين بقوة المال والإعلام والصناعات الأميركية أتباع الكنيسة الإيفانجليكية التي استولى عليها الصهاينة مذ وقت مبكر، مظهرين تَنَصُّرهم فيها، ثم صَهْينُوا أتباعها النصارى من أجل تجنيدهم لخدمة أهداف الصهيونية مستغلين إيمان أتباع هذه الكنيسة بوجوب قيام معركة أرماجدون التي ما لم تقم، فلن بنزل نبي الله عسي-عليه الصلاة والسلام، لاعتقادهم أنها معركة فاصلة بين النصارى واليهود من جهة، والمسلمين من جهة أخرى، وأن النصارى يصعب عليهم القيام بها من بلادهم، لهذا لم يكن بدٌ من الوقوف مع الكيان الإسرائيلي في الشام، ومع النصارى في محيط إقليم البحر الأحمر المتصل بأمن إسرائيل، حتى تحقيق قيام معركة أرماجدون، وهذا هو الهدف الذي خططت له قوى الروتشيلد بإقامة دولة إسرائيل في بلاد الشام، ثم صنعت لذلك العقلية الأميركية بإحكام لخدمة هذه الأهداف، وهذا هو سر وقوف العالم الغربي مع دولة إسرائيل بكل قوَّةٍ، وهذا هو سر ما يقوم به حزب الجبهة الشعبية من حربه ضد الإسلام وفي إرتريا، لكي تصبح إرتريا قلعة خالصة للنصارى الذين يجب أن يضافوا إلى آليات حماية إسرائيل اليوم، وقوة لقيام معركة أرماجدون غدًا.

هذه الكنيسة تؤمن بأن المسلمين كفارًا، ولا بد من سحقهم تمامًا بانتصار الصليب عليهم في معركة أرماجدون الفاصلة من أجل التمهيد لنزول نبي الله عيسى-عليه الصلاة والسلام-، وأنه سوف ينزل عندما تتحقـق نتائج هذه المعركة، وعـندئذ سيحكم العـالم ألـف سنة بـسلام، ثم تقوم بعدها القيامة وينتهي عمر الدنيا بانتقال الناس إلى الدار الآخرة، وفي الأمر تفاصيل لا يسعها المقام، بيد أني أنوه للراغبين والباحثين والمثقفين الذين لم تكن لهم خلفية سابقة في هذا الشأن، لأن يبدؤوا بقراءة كتاب: (النبوءة والسياسة)، للسيدة غريس هالسل، وترجمه إلى العربية محمد السماك، وأصدرت دار النفائس طبعته السادسة في عام 1426هـ-2005م، وللكتاب أهميته استثنائية لكون السيدة هالسل من ذات الكنيسة.

بهذه القراءة نعلم بالضرورة أن حزب الجبهة الشعبية لم ولن يكن مؤهلا للقيام منفردًا بإدارة إرتريا، بيد أن مآرب القوى الإستراتيجية في شرق إفريقية والجزيرة العربية والشام، لن تتحقق من جهة إرتريا إذا ما أُوكِلتْ إدارتها إلى كافة مكونها الوطني للأسباب التي تعرضتُ لبعضها في أكثر من مناسبة على نحوٍ ما، ولهذا فقد حُصرت إدارة دولة إرتريا على حزب الجبهة الشعبية لكونه حجر في رقعة الشطرنج العالمية التي صنعتها وتديرها قوى الروتشيلد بغية التحكم على دول العالم كلٍ بحسي أهميته لها.

وبالتأسيس على هذا البعد، فقد تمت صناعة هذا الحزب سلفًا للقيام ببعض مهام اللعبة العالمية الإستراتيجية من جهة إرتريا، وأن من لا يحسنون هذه القراءة، إنما يشتتون قوانا الفكرية والعملية في متاهة تصنيف سوء فعال حزب الجبهة الشعبية، وآخرين يمزقون وحدتنا بإحيائهم لفتن التجرى والشماقلى كما هو حالنا مع الدكتور جلال، وهو يعلم يقينًا أن رسول الله -صلى الله عليه- لعن محيي الفتن النائمة بين المسلمين، وكل أولئك علينا مراجعتهم.

لقد فرغ الغرب ومعهم إسرائيل من خطط تمزيق الدول الإسلامية العربية مذ زمن بعيد، وكانت أحداث 2001/9/11 تمهيدًا للتَّسوِيق العالمي لهذه الأبعاد الخطيرة، وقد كان من أهمها تمزيق وبعثرة العراق على النحو الجاري بعد مسرحية أفغانستان، فعراق اليوم تجري فيه عمليات تقسيمه إلى ثلاثة دولة هي:

-1 دولة الأكراد في الشمال الغنية بالنفط الأقل تكلفة لإخراجه كما جاء مفصلاً في كتاب: (حروب البترولية الصليبية والقرن الأمريكي الجديد) لمؤلفه: (عبد الحي يحي زلوم)، وأن جمع شتات الأكراد في دولة لهم على يد القوى الإستراتيجية العالمية يعني: إمكانية الضغط بهم على دولة تركيا الإسلامية الصاعدة، ولأهداف أخرى.

-2 دويلة السنة المبتورة المقترح قيامها في الوسط، وربما أُحقت فيما بعد بالسنة في سوريا.

-3 دولة الرافضة في الجنوب المتصلة بالجزيرة العربية من جهة، والمؤيدة من إمبراطورية الفرس بغرض زعزعة العرب، وضم أجزاء إليها من فسيفساء دول الخليج حتى شرق المملكة العربية السعودية من جهة ثانية، كل ذلك بما يجري ترتيبه بين أميركا وإيران من أجل تمكين إيران بالهيمنة الفكرية والسياسية في المنطقة، في مقابل أن تنفرد أميركا بالاستيلاء على مخزون الطاقة البترولية والسوق العالمية المالية والاستهلاكية الخليجية من جهة ثالثة، وللتحكم على الحركات السياسية السنية فيها من جهة رابعة.

وهكذا فقد فرغ القوم أيضًا من تقسيم سوريا، والسعودية إلى فسيفساء دويلات مبتذلة، وأما مصر فلا بد من تفريع دولة نصرانية قبطية منها على ضفاف دلتا النيل لتحقيق حلم امتداد إسرائيل لبلوغها النيل من خلالها، ذلك بعد إذ وصلت إلى الفرات عبر إيران وأميركا، والدولة القبطية لا بدٌ أن تعمل ضمن مخطط معركة أرماجدون، ومن الواضح أن بعض هذه الأهداف قد تحققت على أرض الواقع، فالوجود الفعلي الإسرائيلي في العراق معلوم ومشهود، وأما في مصر فربما تحقق بما يجري فيها من بعد الانقلاب على نظام حكم الإخوان المسلمين المنتخب ديمقراطيًّا، وإعلان تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، وظهوره بقوة غير طبيعية، وإعلانه البيعة لأمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو ما يجري في ليبيا وناجيريا وغيرهما، وأن هذه الإرهاصات تنبي بظهور قراءات ديمغرافية جديدة مختلفة عن المألوف، وهكذا فأن إرتريا جزء من المخطط الإستراتيجي بما يقوم به حزب الجبهة الشعبية من أجل تهيئة إرتريا لغير أهلها، بيد أن أمر الله فوق كل شيء مهما كانت قوة أهل الأرض، فلا نعلم إلى ماذا ستنتهي هذه الأحداث.

إن هذه المعاني الإستراتيجية بأبعادها العقائدية والسياسية والاقتصادية والأمنية، لا بد من تأمين شواطئ البحر الأحمر الغربية لها، وأن دولة إرتريا من أهم المحاور في هذا الشأن، لكون الجزء الجنوبي من شاطئ إرتريا يقع عند مضيق باب المندب الذي ربما تم التحكم عليه من أرخبيل جزر دهلك، وتل وجزيرة رأس دميرة الإرترية، في المثلث العفري، ذلك بغرض تأمين التجارة وسائر والإستراتجيات العالمية من جهة، و تحقيق تأمين إسرائيل في الحاضر والمستقبل من جهتها.

كل هذه المعاني بكافة أبعادها، لن تتحقق إلا بإبعاد أو إضعاف المسلمين الإرتريين الذين هم سكان المنخفضات الإرترية المشتملة على كامل شواطئ إرتريا، ذلك لأن الغرب لا يرجو من المسلمين الإرتريين التعاون معه من أجل إنجاح مخططاته بسحق المسلمين في جزيرة العرب والشام.

وإذا كان الأمر كذلك، أليست هذه المعاني أسبابًا وجيهة لأن يشن حزب الجبهة الشعبية حربه ضد المسلمين لتحقيق أهداف إستراتيجيات القوى العالمية التي هو أحد جنودها في رقعة الشطرنج، وإن لم يكن الأمر كذلك، فما هو التفسير العلمي المؤيد بالتطبيقات العملية، وليس بكلام إنشائيٍّ لا يستند إلى علوم ولا معارف في هذا الشأن؟

لهذا أقول: بلى، إنها حرب صليبية طائفية ضد المسلمين بكل المعايير من جهة حزب الجبهة الشعبية، ولا ينكر هذه الحقائق إلا من لا يحسن القراءة، أو مستكبرٌ يتطاول على حقائق وثوابت التأريخ التي أخذت واقعها الزماني والمكاني، فلا يمكن محوها من ذاكرة الإنسان ومن صفحات التأريخ، ومن ذاكرة المسلمين الإرتريين خاصة بسبب خصوصيتهم في صنع أحداث التأريخ الإرتري المتصلة ببعضها خلال العقود السبعة العجاف الخـوالي، بيد ثَـمَّ حقيقة عظيمة الأهمية لا بد من معرفتها والتعامل بموجبها مع واقع حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، وهي:

إن حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، لم ولا ولن يُجمع على أعمال الغدر والعمالة ضد المسلمين وغيرهم لتخريب وطنهم الذي ناضلوا من أجله بمهجهم ومستـقبلهم، بل أن من سيقوم بأعمال التخريب هذه، ليس إلاَّ فئة من بين مكون الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا من قبلُ، ثم حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعادلة من بعدُ، وأن هذه الفئة قد صنفتُها سلفًا في كافة كـتاباتي مصبغًا عليها اسمًا علمًا هو: (لوبي اليـوتـوب النصـراني)، وذلك من أصل معتقدها وفعالها المترجمة بتطبيقاتها العملية على أرض الواقع، وهو لوبي مزيج من إرتريين وإثيوبيين، ومن هؤلاء، الذين يُعرفون في الداخل بـ: (دميش)، ومعهم قوة دمحيت العسكرية التي ذكرها بشيء من البيان البروفيسور تسفاظيون في كلمته السنوية التي نُشرت في بعض المواقع الإعلامية الإلكترونية الإرترية، كما استشهدتُ منها بشيء يسير في هذه الدراسة البحثية لربط سلسلة أحداث حلقات التأريخ الإرتري مذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى حينه.

إن الدلائل الثابتة تشير عند قراءتها بمنطق العقل والعلم والمعرفة، بأن لوبي اليوتوب النصراني ظل متخفيًّا خلف أكمة وتحت أجمة الجبهة الشعبية منذ فترة النضال، ومن بعد الاستقلال الوطني، وإن أهداف حرب حزب الجبهة الشعبية ضد المسلمين، إنما هي أهداف لوبي اليوتوب النصراني الإرتري المُتحِّكمِ على حزب الجبهة الشعبية، وإن من أهدافه: التمهيد لقيام وحدة مع كل إثيوبيا، أو إقامة حلف متكامل الأركان بينه وبين التجراي لتحقيق تجراي تجرينيا على هيئة وصورة عصرية، أقول ذلك بقراءة الحقائق الثابتة التي لا يمكن إزالتها من صفحات التأريخ الذي هو آية من آيات الله الكونية.

إن تلك الحقائق مؤسسة على بعد إرث تأريخي نعلمه جميعًا، والقوى المعنية نفسها لا تنكر حقيقته، ولهذا فإن وجود قوة دمحيت العسكرية التجراوية في إرتريا بأعداد كبيرة، ورعايتها وتسليحها بعتاد متقدم رغم أنوف الإرتريين، لدليل على عظيم صحة هذه القراءة،  لاسيما عندما نعيد قراءة مخطط إعاقة عودة اللاجئين الإرتريين، والذين في السودان خاصة، ذلك بالتواطؤ المُحكمِ بين حزب الجبهة الشعبية والسودان ومنظمة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وكذا الإعاقة الواضحة للكفاءات الوطنية من علماء وسياسيين وأكاديميين، والذين يحملون الشهادات العربية منهم خاصة بما جاء ذكره من قبلُ.

رُبَّ هذه المخططات تتكامل مع ما يجري حاليًا من تمهيد لفصل منطقة دنكاليا على التفصيل الذي جاء بيانه في الفصل الخامس في كتاب بعنوان: (إرتريا في قراءات سياسية)، وكذلك بما يجري من دعوات لإقامة دولة البجا التي ليس بد من إقامتها إلا على جزء من غرب إرتريا وشرق السودان، إن تمكن دعاتها من تحقيقها على أرض الواقع، بيد أن من المعلوم المؤكد، أن إقامة دولة البجا في تلك البقعة من أرض إرتريا والسودان، لا يمكن عقلا ومنطقًا أن يتحقق بعيدًا عن تصور تخطيط مشتركٍ بين المؤسسات السياسية والاستخبارية لدول الإقليم والقوى الإستراتيجية العالمية المهتمة بأمن البحر الأحمر المتضمن أمن إسرائيل وحماية هيمنتهم ومصالحهم المادية والعسكرية.

إني لا أقول هذا جزافًا، بل بناء على معلومات وطموحات نعرفها جيدًا، وهي  جزءٌ من معاناتنا السياسية من جهة بعض القوى المختلفة، وربما بمغازلة عـواطف دعـاة دولة البجا، يتم التمهيد لاندلاع معركة ذات بعدٍ ثقافيٍّ في شرق السودان عامة، وفي إقليم البحر الأحمر منه خاصة، ذلك من أجل استكمال السيطرة على سواحل البحر الأحمر من مضيق باب المندب النافذ إلى المحيط الهندي جنوبًا، وحتى قناة السويس النافذ إلى البحر الأبيض شمالا، وإلى موطن صراع الحضارات في الشام حيث الأردن وفلسطين وإسرائيل شرقًا، وإلى مضيق هرمز في الجنوب الشرقي حيث حروب إبادة عقائدية بين السنة والرافضة من جهة، وخطط تثبيت أركان إستراتيجيات دولية وإقليمية من جهة ثانية، وهذه المسائل قد بحثتُ بعضها في الفصل الثاني من الجزء الثالث في كتابي بعنوان: (إرتريا والمأساة التأريخية)، وفي ذلك الموضع من الكتاب المذكور تناولتُ مستقبل الإرتريين في شرق السودان بعد إذ قسمتهم إلى ثلاثة مذاهب فكرية وسياسية واجتماعية بقراءة ظاهر واقعهم هناك، وإن تصور قيام كيانات اجتماعية من هذا القبيل، سوف لن نُسْتشَار فيه، فضلا من أن تكون من خيارنا.

ولما كان الأمر كذلك، فلا ينبغي أن تقوم هذه الكيانات الاجـتماعية الفكرية على جماجمنا، بل يجب أن نكون جزءًا فاعلاً في صناعة الديمغرافية المتوقعة، وإن لم نفعل كذلك فسوف نُصبحُ خارج الوطن رغمًا عنا، ومن يبقى منَّا في الوطن، يجب أن نعلم سلفًا أنهم سوف يكونون من صنف البدون، فانظروا أيها العـقلاء، أخَيْرٌ لنا لأن نلتقي ولو في الثوابت والكليات العامة التي لا نختلف فيها، أو نُصبح أشتاتًا نندب حظنا في الدمن والأطلال؟!

هذه هي الدراسات والأبحاث التي نحن في حاجة حقيقية إليها، وليست حاجتنا في توصيف حرب حزب الجبهة الشعبية الذي ضدنا، فالموت موتٌ على أي جنبٍ كان مصرعنا، والنتيجة المرجوة للقاتل واحدة، ولسنا أغبياء لنتيه في توصيف لا يعود إلينا بنفع في عاجلنا وآجلنا من أمر الدين والدنيا، هذا في الوقت الذي يُحقق فيه الأعادي كامل أهدافهم، بينما نحن في تيه أو كذلك يُراد لنا في متاهة تحديد طبيعة الحرب، ما إن كانت سياسية أو دينية طائفية، ثم نتيه مرة ثانية في تحديد نوع السلاح المناسب للمعركة، ألا تبًّا لدعوات التيه والتمزيق.

القراءة الثالثة، حول قوله، الطائفية وإن كانت أحد مستويات الصراع، لكنها ليست الواسم الأوحد.

وقال: “….. وإن كان الطائفي أحد مستويات الصراع الحالي، ولكنه ليس الواسم الأوحد لطبيعة الصراع……………………………………………………………………………الخ”

أقول: بقوة بلى، إن الطائفية بالمعنى المعاصر يقصد بها الـدين، ولما كان الأمر كـذلك، هي الواسم الأوحد لدى المسلمين، ذلك لأن الأمر عندهم أمر دين لا يقبل إقرار ما يسيء إلى دينهم عقيدة وشريعة، أما ظاهر عدم مقاومتهم للباطل والقهر، فليس إلا لعجزهم بسبب تخلف إعدادهم المطلوب لمغالبة الباطل، وما ذلك إلا لتخلف قياداتهم عن القيام بالواجبات، وعندئذ لا تثريب عليهم حتى يتأهلوا فيعدُّوا العدة، والأمر لدى غير المسلمين على اختلاف مذاهبهم لا يتجاوز حد معاني مكاسب سياسية ومصالح مادية، ولأن هذه المعاني لا تتجاوز حدود الدنيا، نجدهم يفاوضون ويقايضون ويساومون دون تحفظ عن شيء إذا ما لاح لهم ما يحقق لهم قدرًا من المكاسب والمصالح.

وقال: “…..، وبافتراض تأخير حق الحياة والحرية والعلم والعمل والأسرة، وتقديم حق العبادة عليها جميعا في وصفنا للصراع الراهن، فإننا نقر هنا بأن الصراع هو صراع ديني طائفي يستلزم نتيجة لذلك حربا دينية، والحرب الدينية هدفها، إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، إلى قوله: فإن النصر يعـني كسر شوكة أسياس وأتباعه، وقسرهم على تحويل دينهم أو دفع جزية صاغرين إن انتصر صاحب توصيف الصراع بالطائفي على أسياس وطائفته، فهل سيقوم بأحد الأمرين؟

ثم قال: الإجابة التي حصلنا عليها من هؤلاء، بأنهم غير معنيين بتحويل مذهب المهزوم أو إرغامه على دفع جزية، عملا بقاعدة لا أكراه في الدين.”

أولاً، ما وددت أن أعلم أن هذا الكلام صدر عن أستاذنا الفاضل فتحي، بيد أني ما إن تذكرتُ القول المأثور لقائله فيما مضى: “أن لكل جواد كبوة”، هان علي الخطب، إذ كل منا إما قد كبا فعلاً يومًا، أو أنه يكبو يومًا، ذلك لأن كلامه انطوى على قدر عظيم من الربك الواضح بين المعاني والمقاصد، فأما الربك بحق المعاني، تقريره لفصل معان موحدة لا يقره عليها العلم الجمعي بمفهمنا المعاصر، إذ قد فصل بين حق الحياة والعلم والعمل والأسرة، فهو بفصله للمعاني الموحدة أوحى وكأنها مختلفة، وإن قالها بناء على فلسفة ما، فهو ليس وحي مسلمٌ به.

إن نَظْمَ الأستاذ فتحي للمعاني بهذا الصياغ لا تستقيم به المقاصد لفصله بين مفرداتها المنتظمة في عقد تتكامل فيه معانيها الذهنية، وما إن أظهر الحياة وكأنها ذات كيان مستقل بحقٍّ معلومٍ مطلوبٍ تحقيقه، فهذا قول لا أصل له في حقائق الكون، ذلك لأن كلمة الحياة تعني: تحقيق مطالب الناس في شؤون معاشهم للبقاء أحياء بتوفير الضرورات التي تقوى وتسلم بها أجسامهم وعقولهم من أجل القيام بواجبات المعاش من الأكل والشرب والدواء والكساء والرعاية الأسرية التي هي بين الدولة والأسرة، وكذا صيانة الملكية والتعليم والعمل، وضمان الحقوق الفكرية والسياسية والإنسانية، وهذه واجبات مسؤولة عنها الدولة، وكل ما يلحق ويتعلق بهذه المعاني، هو الذي يقصد به الحياة؟!

ثم قوله: ‘وإن كان الطائفي أحد مستويات الصراع الحالي’، فهذا قول فيه أمرين، أما أحدهما، أن كلمة: (مستوى) في هذا الموضع لا تفيد ما أرده منها، والصحيح حسب المقصود منها في مثل هذا الموضع هو: (وإن كان الطائفي أحد أسباب الصراع الحالي)، وهذا ما يجب أن يفه القارئ؟!

ثانيًا، إن التفريق بين جملة هذه المعاني، وبين قوله حق تقديم العبادة، قول غير مستقيم لنزوعه إلى أن العبادة ليست حقًّا أصيلاً في حياة الناس لدى الغالب من أمم وشعوب الدنيا قديمًا وحديثًا بما هو ثابتٌ أزلاً، وهو ما لا تستطيع البشرية إسقاطه قمطًا لأهله، وأن كل من يقمط الناس، أو فئة من المجتمعات حقوقهم، فما ذلك إلا عن فكر مستبدٍ-ديكتاتور- لمَّا كانت العبادة جزءًا رئيسًا في منظومة حقوق الناس في الحياة بالأصالة أو الابتداء بحسب حال كل مجتمع في زمانه، بيد أني أحسب أن هذا الفصل والتهوين من أمر العبادة ينطوي على إيحاء خفي للتهوين من شأن المعبود، وهذا بعدٌ خطيرٌ بحق العبادة والمعبود لكونه يعطي مسوغًا لتهميش العبادة لدى الأعادي عندما يكون قائلها مسلمٌ، وترقيقها لدى الناشئة خاصة.

ثالثًا، أنَّى لأستاذنا أن يقرر مسائل وأحكامٍ عظيمة في الشأن الشرعي، وشؤون الاجتماع بخطاب إنشائي بقـوله: ‘إن الإقرار بتقديم حق العبادة على حق الحياة والحرية والعلم والعمل والأسرة، إقرار بأن الصراع ديني طائفي يستلزم حربًا دينية، وأن الانتصار في الحرب الدينية يُفضي إلى قسر المهزوم غير المسلم إلى تغيير دينه أو إرغامه على دفع جزية’، وهذا قول مجافٍ للحق لا يقره عليه الإسلام، ولَمَّا كان الأمر كذلك فإنه ينبي باعتداءٍ على الإسلام، ليضاف إلى الاعتداءات التي يعاني منها المسلمون، ذلك لأنه كلام غير مؤسس على علوم الاجتماع المعاصرة باختلاف مدارسها، فضلا من أن يكون مؤسس على علوم الشريعة المُقعَّـدَة على أسس نصوص شرعية وقفية، وهو بهذا يمثل بعدًا سياسيًّا من جهة أكاديمي المدرسة الحداثية، كيف لا، وأن الكاتب ليس مبتدئًا، ولا هو ضحل الثقافة بما نعلمه عنه من تخصص أكاديمي متقدم، وبما يبدو لنا في كتاباته والمناصب التي شغلها في السلك الدبلوماسي ردحًا من الزمن، فالعلوم الاجتماعية وعلوم الشريعة، كلها قائمة على مدارس ذات قواعد ومرجعيات علمية بحسب مذاهبها الفكرية والسياسية المؤسسة على أهداف مكونها لأفكار أتباعها.

رابعًا، إن أفضل مثال يبين المراد هو: أن العـلوم التطبيقية كالطب والهـندسة والزراعة مـثلاً، لا يُفتِى فيها غير أهل الاختصاص في آحاد ميادينها، أما أن يُفتِي فيها أناس غير متخصصين بتفسير أحداثها وظواهرها، والأسباب التي أدت إلى ذلك، والنتائج التي ترتبت عليها جزافًا أو عمدًا أو استحسانًا، فهذا أمرٌ منكرٌ من جهة كافة العلماء حسب ميادينهم وتخصصهم فيه، وكذلك من جهة كافة أهل النظر، فإن ما قاله أستاذنا بحق الإسلام، ليس إلا جزافًا أو عمدًا أو استحسانًا، فهو إذًا لا أصل له في التشريع الإسلامي مذ عهده الأول وحتى حينه بعد الأربعة عشر مئة عام، ولهذا لا يحق له ولغيره أن يَتجرأ فيُفتي افتئاتًا على هذا الدين.

خامسًا، وبيان ما قرره أستاذنا بأن المسلمين المنتصرين يُرغمون المهزومين غير المسلمين على دفع الجزية قسرًا صاغرين، كونه كلام مؤسس على جهلٍ بأحكام الشرعية المقررة في هذا الباب بما هو ثبت في سيرة الرسول الله الكريم-صل الله عليه وسلم-، المحققة بجملة فعاله، وإقراره، وأقواله، وأن هذه علوم لا تُدرك إلا بالتتلمذ عليها في كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة فقه أحكامها الجهادية، وليس ثقافة عامة تُنال من الصحافة والمدارس والأعمال الدبلوماسية.

إن من أهم الفقه في الجهاد الشرعي، أن يعلم المتحدث عنه، مراتبه، ومنازله، وأحواله، ومسمياته، وهذه التشريعات في الدين الإسلامي، يلزم وجوبًا العلم بها لمن يريد أن يتحدث عنها من طلاب العلم الشرعي، فضلا عن غيرهم بمعرفة الفرق بين الجهاد والقتال قبل أن يُفتي فيها بغير علم.

والسؤال البديهي هاهنا يقول: ما هو إذن الجهاد؟

-1 الجهاد لغة: من الجهد، أي الطاقة، ومنها الجهاد بالافتعال.

-2 والجهاد اصطلاحا في التشريع الإسلامي يعني محاربة الأعادي والخصوم.

-3 ما هي إذًا مراتب الجهاد وأحواله ومسمياته بحسب أحوالها؟

أ- جهاد الطلب أو الفتح، وهو بقصد تبليغ الدين الإسلام في الآفاق.

ب، جهاد الدفع، وهو النفير لدفع عدوٍّ غازٍ-صائل- عن الأرض والعرض.

ج، القتال، والقتال يكون لحماية مصالح دولة الإسلام، أو لنصرة مظلومين، أو ردع مفسدين.

بيان بعض المعاني المجملة أعلاه.

إن جهاد الطلب تقوم به دولة الإسلام الحاضرة المعلومة باسمها وحدودها وشاراتها الظاهرة القائمة على بقعة أرض تعرف بها وتعرف بها، وأنها عند قيامها بهذه الشعيرة ومحاصرتها لدولة أو أي جمعٍ في حاضرة ما، فهي تُخيِّرُ أهل تلك الحاضرة بين الدخول في الإسلام ليتساوى الجميع في الحقوق والواجبات بحق الإخاء في الدين منذ لحظة استتباب الواقع الأمني والسياسي.

لكن ماذا لو أبى أهل تلك الحاضرة الدخول في الإسلام رغبة في البقاء على دينهم، خاصة أهل الكتاب، عندئذ لا يُرغمون على الدخول في الإسلام، وهنا تُوَقِعوا معهم دولة الإسلام عهودًا ومواثيق لضمان التعايش السلمي على قاعدة: (لكم دينُكم ولنا ديننا).

ومن أمثلة العهود والمواثيق الإسلامية، الوثائق التأريخية التي وقعها رسول الله-صل الله عليه وسلم-، أولاً ما كان مع يهود المدينة المنورة لكونهم من سكانها، وأن هذا البُعدُ في دين الإسلام وددتُ لو أن الأستاذ فتحي وغيره درسوه ليعلموا كم هي السياسة الشرعية دقيقة وعظيمة بثابت التشريع الذي لا يميل مع الحكام كما هو الحال لدى أنظمة الحكم الوضعي، فالإسلام يحمي ويصون التعايش السلمي بين سكان الوطن الواحد، وكيف أنه أرسى هذه القاعدة الجليلة قبل غيره من الأنظمة التي تكيل بمكيالين جورًا وكذبًا وتعسفًا.

ثم أن العهود والمواثيق التي أبرمتها دولة الإسلام مع بعض القوى الإقليمية في الجزيرة العربية، وأخرى التي وقعها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- في إيلياء عند فتح المسلمون بيت المقدس وفيها النصارى واليهود.

قلتُ في جهاد الفتح، لو أن جيش المسلمين حاصر حاضرة، فإنه يُخيِّر أهلها بين الدخول في الإسلام، وبين بقائهم في دينهم، خاصة أهل الكتاب، وبينتُ فيما لو دخلوا في دين الإسلام ماذا يكون الحكم بحقهم، ولو أنهم رفضوا الدخول في دين الإسلام لكنهم طلبوا السلام والبقاء في دينهم، ماذا يكون الحكم بحقهم،  ولو أنهم أبوا لا الدخول في الإسلام، ولا التعايش السلمي بينهم وبين المسلمين، وفضلوا خوض حرب ضد جيش الإسلام، وقدَّر الله هزيمتهم على أرض الواقع، هنا تجري عليهم أحكام مقاصد الدين الإسلامي كما هو الحال مع كافة قوى العالم المتغالبة إذا ما انتهت بينهم معركة المغالبة على حال منتصرٍ ومهزوم،  وهذه حقائق معلومة حوادثها في سجلات توثيق التأريخ في القديم والحديث بين حواضر الأمم والشعوب، بيد أن أنصع وأنزه وثائق سجلات حوادث تأريخها على الإطلاقً، هي التي وقعها المسلمون المنتصرون مع غير المسلمين المهزومين بشهادة الوثائق المحفوظة في كتب التأريخ ومتاحف العالم الغربي.

أما جهاد الدفع، فهو نفير عام لكافة المسلمين القادرين على حمل الـسلاح رجـالاً ونساءً، كـبارًا وصغـارًا، وكذا القادرين على تقديم مساندة للمقالتين الدافعين الغزاة المعتدين عن الدين والأرض والعرض والمال، ذلك لأن العدو الغازي الصائل، لن يميز بينهم إذا ما تمكن من دخول ديارهم، بل يقتلهم جميعًا دون تمييز بين ذكرانهم وإناثهم، وبين كبارهم وصغارهم، وأنه ينهب كل ثمين وما يستطيع أن يحمله من أموالهم، وأنه ربما اغتصب نساءهم، وأنه يهدم عمرانهم، وأنه لا يدخر وسعًا لفعل كل منكرٍ وتخريب بحقهم.

وأما القتال، فهو ما يقع عادة من مواجهات عسكرية بين المسلمين وغير المسلمين في مسائل لا تتعلق مباشرة بأمر الدين، لا تبليغًا له ولا دفاعًا عنه، فربما كان بسبب خلاف في حدود بين دولتين وما في حكمه من مصالح متنازع عليها، وربما كان انتصارًا لغير مسلمين تم الاعتداء عليهم ظلمًا، وربما كان بين دولة الإسلام ومسلمين بغاة، وربما كان بين دولة الإسلام وعصابات قطاع طرق الذين ينهبون الأموال ويرعون الآمنين، وربما كان بين دولة الإسلام والمفسدين من صنف المتاجرين بالمحرمات.

فإن كل من لا يعلم هذه الأبجديات من علوم السياسة الشرعية في دين الإسلام لا ينبغي أن يتجرأ على مثل هذا الكلام العظيم الذي لا يُقدِمُ عليه أهل العلم إلا بحذر، ذلك لأن المفتي في منزلة الموقع عن الله تبارك وتعالى، فليحذر الذين لا يعلمون أن يُوَقِّعوا عن الله بجرأة، هذا إن كان الموقع عن الله مسلمًا، أما الكافر فلا يُسال عن مثل هذا، فالكفر بالله أعظم من القول على الله، وبارك الله على امرئ عرف قدر نفسه.

سادسًا، أما عن الإجابة التي حصل عليها أستاذنا الفاضل من الذي استفتاه عن بعض معاني الجهاد فأفتاه، وإن كانت فتوى المُستفتىَ في مجملتها صحيحة، بيد أنه كان عليه أن يبين للمُستفتيِ الأحكام الشرعية لكي لا يقع في أمر الدين بمثل ما وقع فيه جهلاً بأحكامه، وبالقراءة التحقيقية يتضح أن هدف أستاذنا فتحي كان غير الإجابة التي حصل عليها، وإلا فلمَ لم يقف عند حدود الفتوى ما لم يدحضها بدليل صحيح.

 

سابعًا، هنا لعل القارئ الحصيف الباحث عن الحقائق والكلام المؤسس أن يقول: ماذا تعني يا أبا أسامة من قولك: وبالقراءة التحقيقية يتضح أن هدف الأستاذ فتحي كان غير الإجابة التي حصل عليها، إذ لم يقف عند حدود الفتوى، ومثل هذا التساؤل قد يكون سببه، أهمية ما نجريه بيننا من حوارٍ علميٍّ سياسيٍّ هادفٍ، وأن هذا الحوار إنما هو وثيقة تأريخية سوف نتركها لمن يأتون بعدنا، لهذا فإني أعني ما أقول بما سيأتي بيانه تاليًا في فقرة: (البعد السياسي في المقال) وأن هذا القول قد أسسته على إقرار الأستاذ فتحي، إذ قال: الإجابة التي حصلنا عليها من هؤلاء هي قولهم: “أنهم غير معنيين بتحويل مذهب المهزومين، أو أرغامهم على دفع جزية، عملا بقاعدة لا أكراه في الدين”، وأن قوله الإجابة التي حصلنا عليها من هؤلاء، تفيد هو وهم على النقيض، أي لا يجمعهما الأمر الذي جرى نقاشه بينهما بموجب لغة الخطاب.

وقال: …………………..، ” والحقوق الشرعية كما نفهمها لا تخرج عن المقاصد الخمسة للشريعة وهي: حفـظ النفس والدين والعـقل والـنسل والمال، وهي نفس الحقـوق الإنسانية الأساسية المذكورة أعـلاه، وبهذا يعود صاحب التوصيف الطائفي للصراع إلى المربع الأول بحكم أن الصراع هو صراع من أجل الحقوق كلها بما في ذلك الحقوق الدينية التي تلي منطقا وفهما الحق في الحياة والحق في الحرية. ”

نعم، قد يكون ثمَّ قدر من التوافق العام فيما ذهبت إليه من عموم الحقوق الناس في الحياة، لكنك أخطأت عندما زعمت بأن نفس الإنسان تحفـظها أنظمة وضعـية كفرية قد قننت حماية لكافة الحالات المؤدية إلى الاعـتداءات على النفس الإنسانية بصناعتها لواقع الفوضى باسم المدنية وحقوق الإنسان المزعـومة، فهي تحمي تلك الفوضى بما قـننـتـهُ لها في دساتـيـرها، بل لقد أبعدَ الغرب والذين يقتفون آثاره بما سنته حكوماتهم من إباحة ممارسة الزنا صراحة، وقد أثبتت ذلك بنصوص صريحة في دساتيرها، ولهذا فمن حق الفتيات وهن في أسنان مبكرة أن يمارسن الجنس كيفما شئن مع من أحببن، والأسوأ من كل ذلك، لا يهم علم أو جهل الآباء بما يفعله الأبناء، إذ قد جُرِّد أولياء الأمور من حق المراقبة والاعتراض على الأبناء.

نعم، لا يهم علم أو جهل الآباء بما يفعله الأبناء بعد إذ لم يعد لهم حق النظر فيما يفعله الأبناء بعد سنٍّ معينةٍ بموجب الدستور الذي جرَّد الأسرة عن مسؤولية الدين والأخلاق والإنسانية، ولهذا فكما يحق للفتيات ممارسة الزنا، فلهن الحق أيضًا أن يجهضن أجنتهن بموجب القانون، وهذا هو سبب قوة ورواج وانتشار شركات تصنيع وتسويق مواد منع الحمل والإجهاض علانية في أسواق العوالم المادية، وأن معظمها شركات مملوكة لكبار المرابيين الأميركيين.

وأنك أخطأت عندما زعمت بأن الدين الإسلامي يكون تبعًا لغيره كما جاء وبيَّنْتُهُ من قبلُ، وها أنا ذا هنا أبيِّنُهُ أكثر، فهذه الأنظمة قد قننت سلفًا هتك الأعراض بإباحتها فاحشة الزنا، وفاحشة اللواط التي هي أقبح رذيلة كونية من بين جملة الفواحش المباحة في الغرب.

نعم، إنها أقبح رذيلة لكونها تنتهي في مجتمعاتهم بإقرار التزاوج بين الذكران الذي عُرف عندهم بـ: (المثلي)، وهي ظاهرةٌ بعيدة بعدًا سحيقًا عن خلق الآدميين في كـل زمان ومكان، فكم هي شنيعة تقشعر من هولها أنفس الكرام لمجرد تصورها، بصرف النظر عن دياناتهم، لكونها ضد الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، وأن الجنس البشري لم يعرف في تأريخه أسوأ منها بشاعة على الإطلاق، وإن أقل ما يمكن قوله عن هذا التردي غير المسبوق إباحته وتقنينه، أنه: (ولوغ في مستنقعات الرذيلة الأشنع).

نعم، إن دساتير الغرب تحمي هذا المسخ بـادعاء أنه من لوازم المدنية وحقوق الإنسان بحسب زعمهم المنحرف، وبالتأسيس على ذلك، فالذين يفدون إليهم من دعاة ومصلحين من كل الأديان والمذاهب، لا يحق لهم الاعتراض على هذه الأنظمة الممسوخة الساقطة.

إن كل من يتجرأ لمنع أبنائه من ممارسة هذه الفواحش، فقد تم سلفًا سن قوانين لمعاقبته، وبهذا فقد قضى الغرب وأتباعه على سلطة الأسرة التي قضى الإسلام بأنها شرطٌ من شروط قوامة الحياة بين أفراد الأمة بما جاءت به التشريعات الإسلامية، فقد قال الله جل شأنه في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

والأمر العجيب المفجع، أن المجتمع الغربي بقضائه على سلطة الأسرة في دساتيره، وتكميمه لصوت العقل والحكمة، قد أحكم تأسيس نظريات مفضية إلى القضاء على مجتمعاته، فعل بها كذلك بعد أن أغرقها في حالة تغييبٍ وتيهٍ وغرورٍ، فقد جاءت دراسات علمية محققة من لدن علماء الغرب أنفسهم، بأن أوربا خلال العقود التالية سوف تصبح أقليات لا قيمة لها في أوطانها، وفي أميركا سوف لن يوجد ابن حلال يرجع إلى أم وأب معروفين تم اقترانهما بزواج معلوم، باستثناء بعض مناطق الريف النصرانية النائية، ويبدو أن أهم أسباب التالية:

-1 إن أفراد مجتمعاتهم بدوا يعزفون عن الزواج  لتشبعهم بثقافة التحرر عن سلطة الأسرة.

-2 إن أفراد مجتمعاتهم وجدوا ما يشبع رغبتهم الجنسية بلا تكاليف مادية وتبعات قانونية.

-3 إن أفراد مجتمعاتهم هُيئت بهذه المواصفات والخصائص الحيوانية وهي في هيئة آدمية.

-4إن المراد من صناعة أفراد تلك الأمم على هذه الشاكلة، ليس إلا من أجل تحقيق أبعاد فكرية وسياسية معلومة بأن صانعها هي قوى (الروتشيلد) التي تقود العالم من خلال أميركا خاصة كما جاء ذلك في كتبٍ محققةٍ لكتاب وباحثين غربيين، لذا نجد أفراد هذه المجتمعات أقل ثقافة رغم ما تتمتع به دولهم من إنتاج تقني ومادي متقدمٍ جعل العوالم الأخرى عالة عليه.

-5 وفق دساتير أنظمة الغرب، نجد أن حقوق أفرادهم في الحياة قد بُسطت بما يوافق تلبية نمط تطبيعهم بما صنعوهم عليه فكرًا وخلقًا بعد تجريدهم عن الدين والفضيلة.

وأنك أخطأت عندما زعمت بان العقل تحفظه أنظمة وضعية كفرية قد قننت حق تعاطي الخمر صناعة وشربًا وتجارة، لتُبقي مجتمعاتها في حالة لهوٍ وتبلدٍ وربك تيهٍ فكريٍّ دائم، حتى أصبحت طبائع تلك المجتمعات في جملتها، أقرب إلى طبائع الحيوانات.

وأنها بهذا التصنيع إنما تفتك بشعوبها الغافلة لاعتدائها على أنفسهم وعقولهم على السواء، وبمصادرتها لخصائصهم الإنسانية بتسهيلها وإشاعتها لشهوات البطون والفروج وحب المال، بهذا فقد غدت عليهم لصالح أصحاب رؤوس أموال المرابين المسيطرين على أميركا خاصة، أما الإسلام فيأمر بحفظ النفس والعرض والعقل بما جاءت به نصوص شرعية قطعية لا يسع المقام لسردها هنا، فآيات القرآن الكريم التي تحدثت عن العقل مباشرة، أو مقصودٌ بها العقل، قريبة من ألف آية، وكذا الأحاديث كثيرة أيضًا.

وأنك أخطأت عندما زعمت بأن المال تحفظه أنظمة وضعية كفرية تقوم على المراباة في كافة صنوف المعاملات المالية، وأن الجميع من المسلمين وغير المسلمين يعلمون ما فعلته قوى الروتشيلد المرابية بالمجتمع الغربي عندما حطَّمت اقتصاده بما هو ثابتٌ في كتب التأريخ لعلماء الغرب نفسه، ولهذا فالربا محرَّمٌ في الإسلام تحريمًا قطعيًّا.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-“اجتنبوا الموبقات” قالوا: يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”

.

.

———————-

أحـداث الـتـأريـخ بـيـن الـحـيـدة عـنهـا وقـراءتها بمـقـاصـدهـا (1-5)

abu usama

بقلم: أبو أسامة المعلم،
E.mail: asous.ert@gmail.com
الجزء الاول
تـمـهـيـد
بين أيدينا دراسـة بـحـثـيـة لأهداف حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة بمنهاج الاستقراء التحليلي للوقائع والأحداث التي يتجلى جلها بالتطبيقات العملية كما ينزلها العاملون على أرض واقع الناس في كافة ميادين الحياة، وكما أن الاستقراء يعني دراسة وتحليل تتابع أزمان الوقائع والأحداث المتصلة ببعضها توافقًا أو تضادًا، كذلك يدرس ويحلل زمان […]

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34751

نشرت بواسطة في يونيو 20 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

5 تعليقات لـ “أحـداث الـتـأريـخ بـيـن الـحـيـدة عـنهـا وقـراءتها بمـقـاصـدهـا (2-5)”

  1. غريب امر الكاتب انه ادعى بانه علامة ثم يعرج علينا بانه وجد مواقع اخرى تقبل به معلنا انه محارب من اتجات عدة وقد خص بالاشادة على من اشادت به وفى نفس الوقت لم يلتفت الى تعليقات الاخرين!!! اليست موجهة ايضا اليه وان كانت نقدا، اذن لما ينتقد الاخرين ولا يرد على نقد موجه اليه / الحمدالله اننى صائم

  2. ادريس محمد

    السلام عليكم اولا جزاك الله خيرا على الاجتهاد ومحاولات تحليل وتفسير ماضي وواقع الشعب الارتري وتاريخه السياسي وان كان في طريقتك ربط الاحداث باقوال علماء الاسلام وتفسيراتهم وفهمهم فيه شئ من التعسف والبعد عن الحقيقة والواقع، ثانيا اسال فقط لماذا اقحمت اسم البروفيسور جلال الدين في مقالك وذكرت بانه من دعات التجرى والشماقلي انا قرات كتب ومقالات الدكتور جلال ولم اجد ما ما يدل على انه من دعاة الفتن او القبلية او ولم نعرف عنه الا كتابات علمية موثقة ، فهل عندك دليل على انه يريد احياء مشكلة التجرى والشماقلي ياريت تذكر المصدر حتى نتبين ام انه مجرد محاولة للاطاحة بالاخرين،وكل ما نرجوه هو عدم اقحام القراء في عداوات شخصية فهذا يقلل من شان قائله ويزهد الناس عن متابعته ويخدش في مصداقيته وعمق تحليله، واخيرا نصيحتي لكل الاخوة القراء التنبه لمثل هذا الحشوا وتصفية الحسابات بين الفرقاء في مقالات فيها الغث والثمين

  3. لم اقراء المقال ولسبب بسيط جدا وهو اننى لا اثق فى مكتوب يخفى او يختفى صاحبه تحت اسم مستعار او كنية وخاصة اسماء مستلفة / كيف سابنى ثقة او اختلاف بينى وبين مجهول لا اعرفه

  4. منى محمود

    لا أقول شئ بعد قراءتي لمقالك التحليلي الشافي والوافي هذا غير جزاك الله 1000 خير للجهد العظيم والمقدر حقا للرد على الإفتراءات على ديننا أولا وعلى مكوناتنا في إطار الوطن .. لك التقدير جله أخي أبو اسامه .. كثر الله من امثالك

    • أبو أسامة محمد أحمد المعلم

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، وتقبل الله منا جميعا الصيام والقيام وصالح الأعمال.
      أختي الفاضلة يا من سمت بها همتها إلى المعالي، أشكرك على هذا الكلام الجميل الذي أجده يزيدني ثقة وحماسًا.
      أختي منى، عن تعليقك في الحلقة الأولى ما وددت أن أكتب إليك بسبب كوني اصطدمتُ بموقف سلبي ما توقعته من بعض منابرنا الإعلامية حيث اعتذرت، والبعض الآخر ما زال يتلكأ في مواصلة ما بدأه كما يلاحظ في غير هذا الموقع خاصة.
      أخي الفاضلة، إنني غدوتُ أنشر المادة في موقع شباب 24 مايو، وفي موقع فيدراليتنا، بالإضافة إلى صفحتي الخاصة في الفيسبوك التي أود أن تشرفيها بمتابعتك وقد فُتح لي بابًا جديدًا بفضل الله بعد ما أحسستُ بعدم التحمس لنشر الدراسة لأسباب لا تخفى علي، والباب الجديد الذي فُتح هو: مجلة البيان العالمية.
      أختي الفاضلة، إن هذه المادة قررتُ إضافتها إلى كتابٍ لي سوف يطبع قريبًا-بإذن الله- بعنوان إرتريا في قراءات سياسية.
      ولك كل تقديري واعتزازي بك وبأمثالك، وطابت ليلتك، بل كل عمرك.

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010