أرتريا.. والضياع بين لغة القمع ورُوح الإختلاف

(1)

فى عهد حكومة مايو بالسودان حين وصلت الأحوال فى السودان لمراحل مُتقدمة من الضيق والكبت قيل أنه ذات يوم أوقف جهاز الأمن شباباً يُوزعون منشوراتٍ بيضاء فى وسط الخرطوم لم يتم كتابة حرفٍ عليها! فسألوهم لماذا تُوزعونها فردوا:

(هسة دي حالة مُحتاجة كتابة) وقياساً على الحالة تلك فنظام أفورقى لايحتاج لتوصيف حالة الناس والبلد فى عهده مع فارق التوصيف طبعاً بين النظامين ! عليه من المُفيد جداً الكتابة لجهة توحيد الجُهود ورص الصفوف ونشر ثقافة الحِوار وإدارة الإختلاف لأنها مُقومات أساسية للتغيير.

(2)

تزداد يومياً فى الداخل الإرترى معاناة أهلنا بسبب مُمارسة القمع وإستلاب الحُقوق وتسنُ الدولة بصورةٍ مُستمرة قوانين تُشرعِن بمُوجبها مُصادرة الحُقوق والأملاك وتحرم بموجبها الكثير من حقوق المواطنين الطبيعية فى إنتهاكٍ صريح لحقوق المواطنين ، وتقزيماً واضحاً لقيمة الوطن، وعن الإقتصاد فإن التهديد الأكبر للنظام سيأتى من تدهور الوضع الإقتصادى وإنعدام الخدمات،  وبما أن الدولة الأرترية تتحرك بدون فكرة واضحة وبلا منهجٍ ورؤية فيمكن أن تستمر حركة الدولة لكنها قطعاً ستتحرك بُسرعة مُتناقصة ومُتباطئة وستُموت قيمة الوطن وتتأكل سيادته من الأطراف حتى تنهار الدولة رويداً رويداً وهو ما ستؤول إليه حال الدولة فى أرتريا إذا لم يتم تداركه .

(3)

النظام فقد مِصداقيته لدى الشعب الإرترى بسبب سياسة التضليل ولغة القمع وهو فى قطيعة تامة مع شعبه ومُلاحق قانونياً بسبب إنتهاكه لحقوق الإنسان ولعل التحالفات والتقارب الأخير من النظام مع دول المنطقة فهو دليل ضُعف وهو المعروف عنه العداء لدول المنطقة وشعوبها وقطعاً لن يستفيد منها الوطن ولا الشعب لأن ارتريا دولة بلا مؤسسات فضلاً عن أن النظام لايرعى العُهود ولا يصُون العُقود ويكفى الإشارة بإعتقاله (15) وزيراً بينهم نائبه ووزير خارجيته ووزير دفاعه وقادة حزبه مرةً واحدة فقط 18/9/2001م لطرحهم العودة إلى المؤسسية فى إدارة شأن الدولة ! وهم الآن بين مُقتول وقابع فى سجونه دون أية مُحاكمة ، ولهذا فمن لايُراعى رفقاء النضال لن يكون أميناً فى علاقاته مع الآخرين.

(4)

إن الإطاحة بأنظمة الحُكم الدكتاتورية فى غياب مُعارضة ديمقراطية قوية هو ضربُ من فِقدان الوعى ما يستدعى إعادة ترتيب البيت الداخلى لقوى المعارضة وتنسيق جُهودها وتوحيد رؤاها ، وبناء المواطن الواعى المُدرك لحقوقه ومسؤوليته، وتوجيه كل الطاقات الإبداعية لمواجهة النظام بدلاً من الإهتمام بالمصالح الحزبية الضيقة والتجرد من الأنا المُسيطرة فى نفوس القادة والكوادر، ولعل ذلك يقودنا لتناول بعض المفاهيم التى يجب أن نتحلى بها جميعنا فى جبهة المعارضة منها :-

التوافق على الثوابت الوطنية العليا والتسامى عن مرارة الماضى :

إن الثورة الإرترية شاب تاريخها الكثير من الصراعات السياسية بين قياداتها وتنظيماتها وكان نتاج ذلك بُروز الجبهة الشعبية التى سيطرت على مقدرات البلاد والعباد دون إحترام لقيمة الوطن والمواطن الذى بتضحياته نالت أرتريا إستقلالها! ولإعادة صياغة الوطن ينبغى التوافق على الثوابت الوطنية العليا، والتسامى عن مراراة الماضى وعدم تركها تُسيطر على الراهِن السياسى فالماضى بإيجابياته وسلبياته يجب أن لا يتحكم فينا،

الإرتقاء بأخلاقيات الحوار العام بجبهة المعارضة لمصاف تحديات الوطن :

إن الوصول لفرضية قبول الآخر تحتم علينا التحلى بضوابط الحوار وتصحيح مساراته وإختيار طرائقه لتكون مخرجاته وفق ما نُريد، فالحوار بين مجموعات مُتعددة ونمائط تفكير مُختلفة فى ظل عجزنا تحقيق وحدة وطنية وبناء دولة ومُجتمعٍ مُتصالح مع نفسه يحتاج إلى تهذيب الإختلاف وعدم شخصنة الخلافات وتقديم مصلحة الوطن على مصلحة الحزب ووضع رؤية وهدف للحوار، ثم أن الأهلية للحوار وأخلاقياته هى لازمة جوهرية يُرجى مراعاتها تحت كل الظروف للمتحاورين وأن العمادة الأخلاقية تقتضى التركيز على الحوار وأفكار الحوار وبذل المُزيد لإنجاح مساعى التقارب وخلق مساراٍ توافقى بين الجميع ، ثمة نقطةٍ جوهرية وهى الإيمان بالمُتغيرات فى التفكير مُهمة فمن حق الناس أن يتغيروا على آذان كل فكرة جديدة أو لحظة تقتضى صرفاً مُختلفاً فالحياة هى مجرة تغيير لا ينقطع, أحداثها تتعاقب, حقب من الأزمان تتوالي, أجيال تنهض وأخرى تغيب مُجتمعات تتقدم وأخرى تتقهقر, حضارات تُسود وأخرى تزول, فكرة تذهب طويلا أو قصيرا حسب قدرتها على تلبية إحتياجات المجتمع ولهذا فالتغيير يجب أن يكون مسار إحترام شريطة أن لايخرج من الثوابت العليا للوطن ، كل هذا يفرض علينا إدارة حوار مُتمدن نناقش فيه أُس المُشكلات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بإحترافية، نحتفظ فيه بحق الإختلاف كمبدأ، ونُقوى المشتركات المُتفق عليها كقاعدة، والإلتقاء فى نقاط الخلاف كوسيلةٍ وهدف ، ولن أُبالغ إن قلت إن حصيلة حواراتنا منذ ملتقى الحوار الوطنى الإرترى عام 2010م وحتى المجلس الوطنى كانت حصيلته صفراً ! بل زادت الفجوة لأن الحوار كان به الكثير من النقائص والخلل ، وبما أن الحِوار وسيلة وهدف لتحقيق تطلعاتنا فلابد من التعامل معه فى كل مِنبر حوارى بتجردِ ونُكران ذات ، خاصة وأن الوطن يمر بمحنة والأجيال تكبر وستُحاسبنا يوماً ما فى تقصيرنا تجاه الوطن وشعبه، فهل سنقوم بدورنا التاريخى كما يجب أم سيُكرر التاريخ نفسه!؟

بقلم : محمد رمضان

كاتب أرترى

Abuhusam55@yahoo.com

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36362

نشرت بواسطة في يناير 26 2016 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “أرتريا.. والضياع بين لغة القمع ورُوح الإختلاف”

  1. الثابت الوطنى والشرعى الوحيد الذى اجمع عليه الشعب الارترى هو دستور 1952 وينبغى علينا ان نعود اليه ونحترمه ونعمل به ان اردنا الخروج من مأزق الشتات والفرقة .. الشعوب الحرة يوحدها دستور توافقى ودستور 1952 دستور توافقى اتفقت علي بنوده قوى المجتمع الارترى المختلفة فى كل شئ بما فى ذلك فى وجود الكيان الارترى الموحد .. وهو دستور ديمقراطى بامتياز يصلح العمل به .. وتنص مادته (16) : ” دستور ارتريا مبنى على مبادئ الحكم الديمقراطى .. ” ويمنع بنص دستورى تعديلها وكذلك المادة (22) وهىى منسوخة من صك قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 390أ (5) وهى مادة تمثل الجوهر الديمقراطى لدستورنا الوطنى الديمقراطى ويمنع تعديلها ايضا ومن المهم ان نحفظها عن ظهر قلب !! وبطبيعة الحال من المفيد اجراء التعديلات اللازمة على بعض بنوده اذا دعت الضرورة ونعلم انه جرى تعديل فى بعض بنوده الخاضة بالاتحاد الفدرالى وذلك باستفتاء شعبى حر اشرفت عليه الامم المتحدة ومنظمات اقليمية اخرى وكانت نتيجته نعم للاستقلال بنسبة 99.8 بالمائة وبذلك فضت العلاقة الفدرالية بين ارتريا واثيوبيا التى كانت قائمة بموجب الدستور .. كل فرد او فئة منا تعتنق ما يحلو لها من افكار فلسفية مختلفة .. والافكار بطبيعتها ليست واحدة والناس لايجمعون على فكر واحد مهما كان .. مايوحد الشعب هو عقد اجتماعى تصيغ بنوده قوة مختلفة فكريا ودينيا وثقافيا وتأريخيا .. ودستور 1952 هو ما تعاقد عليه الشعب الارترى بكل طوائفه واحزابه وفئاته الاجتماعية المختلفة .. وابرمه تحت قبة برلمانه المنتخب وباشراف دولى ممثلا بمندوب الامم المتحدة !! عزيزى رمضان : لاديمقراطية بدون دستور ديمقراطى .. فاذا كانت قوى المعارضة ديمقراطية حقا فعليها ان تلتزم بدستور 1952 ومبادئه الديمقراطية وتعفونا من الهرج السياسى التائه!!

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010