إسياس من الغباء السياسي الى الجنون

بقلم : (ابو عادل) عمر محمد صالح

في البدء نحيي الشعب الإرتري داخل إرتريا وخارجها بمرور الذكرى الـ 55 لإنطلاق الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر ونحن نستذكر هذه الأيام كل تلك التضحيات العظام التي بذلها أبناءٍ الشعب لتحرير إرتريا أرضاً وشعباً من المستعمر الأجنبي كما نحي كل من شارك في تلك الملاحم البطولية من الشهداء والأحياء ، ونُذَكِّر الحادبين على مصلحة الوطن بأن الظروف التنظيمية القاهرة التي أطبقت على الشعب الإرتري تلك الأيام وجعلته ييأس من الوصول لحل لها سوى الكفاح المسلح قد إكتمت دائرة تكرارها وعودتها من جديد ونحن نعيش اليوم مرحلة الدولة المستعمرة لمواطنيها والرئيس الرافض لوجود أي قيادات أخرى في إرتريا غيره ، ولقد مات المئات بل الألوف لتلبية أحلام هذا الشخص المريض في زمن الثورة والدولة ولا حل لمعالجة وضع كهذا غير السير في طريق الضياع والهروب من الواقع المأساوي أو السير في طريق المقاومة لهذا الواقع والعمل على إسقاط الحكومة الحالية وإقتلاع جزورها من إرتريا الحبيبة .

إسياس يمثل النموزج المثالي للشخصيات الإرترية التي تحول حبها للقيادة الى مرحلة الهوس والإدمان وهي مرحلة ميؤس من علاجها ، وكل من يسير عبر هذا المسار التنظيمي المظلم لا يكاد ينظر من خلال عدسته الى الواقع الإرتري بوضوح شديد ، وعليه فإن كل التصرفات الصادرة عن تلك العدسة المريضة هي رؤى مشوشة تجعلك تتخيل ماتشاء حسب ما يدور بخلدك من شكوك وظنون ، وبالتالي فإن تعاملك مع الواقع يكون مختلف لأنه غير مرتبط بالوجدان الإرتري ولا تأثير حقيقي يستشعره من أدمن هذا المسار تجاه المجتمع بقدر ما أن عقله السادي المنفصل عن العاطفة يصور لصاحبه وقائع مختلفة تجري وسناريوهات تتشكل وذلك كلما سمع عبارة أو لفت نظره مشهد أوإشارة عابرة من أحد ، لأن الشعور الذي يغلب عليه وهو سائر في طريقه الفردي الرافض لوجود أحد أو جماعه تتقاسم معه وظيفة الدولة ومهام السلطة هو شعوره الممتلئ بالريبة والغائر في الشك بمن حوله وكل من يقترب من المدار التنظيمي الذي يتحكم وحده بمفاصله ويحدد معالمه ، وبالتالي فإن الشخص الوحيد الذي سمح له بمرافقته والعمل بنصائحه هو الشيطان المارد الذي تمرد على أوامر سيده وخالقه والذي أصبح الرمز الذي يحثه على الوصول للسلطة ويغويه ويساهم في مده بالتصورات الجهنمية حول المؤامرات والخدع السياسية المزهلة ، وهو بذلك يضيئ له طريقه بالثقة المحفوفة بالحذر والمزاج المتقلب الرافض لمبدأ الرتابة والمسلمات التنظيمية ومن هنا ندرك أنه ليس لديه ما يُدعى بالثوابت غير القرارات التي تصدر منه ليعبر بها عن قدرته السادية على إخضاع الجميع تحت شعار نفذ أولاً ثم ناقش، حتى الدول والرؤساء من حوله على مستوى القرن الإفريقي أو القارة الإفريقية بأكملها ، حيث كان يؤمن بقدرته هذه منذ اللحظة التي قرر فيها الإنضمام الى الثورة ووجد الدعم الذي وجده من الملك الإثيوبي والمخابرات الإمريكية والصهيونية، وعليه جاء الى الثورة وهو يحمل بداخله بذرة فناءها ، خاصة أن المناخ التنظيمي العام للثورة كان يسير على هواه ويمهد له الطريق ليصبح مايريده ويعمل على تحقيقه ، وبالتالي رحلته الى الصين كانت العصاة السحرية التي منحته مقعد السلطة التي تمناها وحلم بها طوال مرحلة الصبا والبلوغ ، ولقد لعب إسياس دوره بحذر شديد عند تسلمه منصبه التنظيمي داخل الثورة لكنه بدأ يتخلى عن حذره رويداً رويداً عندما رأى الفراغ التنظيمي المناسب لحراكه الشيطاني المتمرد، وبالفعل عمل على بناء كيان تنظيمي داخل الثورة من الخلَّص من أبناء دائرته الجغرافية وممن يشعر بوجود ميول وإنجذاب نحوه وإستلطاف لأفكاره التنظيمية حتى بدأت دائرة سيطرته تَكْبُر وتتسع بصورة سرية لم ينتبه لها أحد ، ولما تشكل تنظيم قوات تحرير الشعبية كرد فعل لتصرفات القيادة الميدانية للثورة وجد سبيله للإنفصال والعمل لتحقيق مبادئه الخاصة ، وبالفعل حقق هدفه بعد إنضمامه لقوات تحرير الشعبية وترأسه للجنة الإدارية وهي القيادة العسكرية للتنظيم ، ومن هناك بدأ في تشكيل تنظيمه وبصورة متحررة من كل القيود السابقة التي كانت تحول بينه وبين الظهور للعلن ، وكانت ضربة البداية مؤتمر الوحدة الثلاثية بالخرطوم 1975م حيث أعلن وبوضوح إستقلاليته التنظيمية عن القيادة السياسية (الثورية) برفضه الحضور الى الخرطوم لتمثيل الجهاز العسكري لقوات التحرير الشعبية وتحت مبرر واهي يَدَّعِي فيه عدم قبوله الجلوس مع المجلس الثوري وذلك لأنه كان يرتب في قرارة نفسه لظهوره الدرامي كزعيم لتنظيم سياسي جديد هو الجبهة الشعبية ، ويمهد لنفسه بذلك الطريق ليصبح زعيم الساحة النضالية برمتها ، وبالفعل بعد سلسلة معارك إستنزافية لقدرات الثورة وإنهاك لمخزون قدراتها في الصمود وبدعم مباشر من الجبهة الشعبية لتحرير تقراي تمكن من السيطرة على الساحة الإرترية حيث لم تعد هناك تنظيمات إرترية أخرى غير الجبهة الشعبية ، وبالتالي تحول ثقل المجتمع الإرتري المساند للثورة إليه بالإضافة الى إستفادته من المخازن الإحتياطية للسلاح والمؤن الغذائية للتنظيمات الإرترية الأخرى التي طردها من الساحة .

لقد كان هذا الحسم العسكري الكبير لصالح إسياس المدخل التنظيمي الجديد ليرسم عبره مستقبل إرتريا كيفما هوت نفسه وداعبته أمانيه المريضة وأحلامه الغبية ، والتي صورت لمخيلته أن لا أحد يستحق مشاركته ثمار النصر الثوري الكبير الذي تحقق له ، ولهذا بدأ يتخلص من كل القيادات البارزة التي كانت لها ثقل تنظيمي في ثورته الجديدة المضادة لثورة الشعب، وبنفس القدر بدأ يمارس سياساته الغبية مع الوزراء بعد الإستقلال وأخذ يعاملهم كما كان يفعل أيام الثورة ، لم يميز عقله الجامد ومشاعره المتبلدة أن مرحلة الإنتقال الى الدولة قد حان وعليه أن يربي نفسه على الخضوع للبناء الدستوري للدولة وللقوانين المسيرة لشئونها ، ولهذا رفض مسايرة الواقع التنظيمي الجديد بل واصل حياته الثورية السابقة وإعتبر وجوده على هامش الحياة مؤشر على ضرورة تواصله وعدم إنقطاعه مع حياته السابقة وبذلك أثبت أنه عبقري ولكنها عبقرية ممتلئة بالغباء السياسي والجهل التنظيمي المتشبع بالخواء الروحي والضعف الأخلاقي ، وبالتالي فإن رفضه الإستجابة لواقع الدولة ومتطلباتها التنظيمية دليل قوي على الخوف الذي ينتابه من فكرة الشراكة التي تفرض عليه أن يثق في غيره ويعتمد عليهم كإعتماده على نفسه ، مما يعني أن قطار الديمقراطية في إرتريا سيظلم متوقف عن العمل حتى إشعار آخر أو بالأحرى حتى موعد ثورة تنظيمية أخرى تأتي كبديل لثورة إسياس المضادة لثورة الشعب.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37774

نشرت بواسطة في سبتمبر 3 2016 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “إسياس من الغباء السياسي الى الجنون”

  1. abu adill

    مما يعني أن قطار الديمقراطية في إرتريا سيظل متوقف عن العمل حتى إشعار آخر أو بالأحرى حتى موعد ثورة تنظيمية أخرى تأتي كبديل لثورة إسياس المضادة لثورة الشعب.

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010