الظلم بلغ الزبى

  كل عام، و في مثل هذه الأيام، تتنازعنا حالات غريبة من المشاعر المختلطة، بل أحاسيس متناقضة.  لا ندري نفرح أم نحزن!!! … بالتأكيد، نفرح طبعا بعيد الاستقلال، كونه حلم تحقق، بعد طول انتظار بتضحيات جسام، لا مثيل لها، الا أنه سرعان ما يتحول هذا الشعور الى شعور غريب، يتربع فيه الحزن و يسيطر على المشهد بالكامل. الإنجاز التاريخي العظيم، … خطف و خطفت معه كل المكاسب و الإنجازات التي حققت عبر نضالات شعبنا العظيم،  و حرف المسار من بناء دولة دستورية تحكم بإرادة الشعب، الى دولة فاشلة، تتحكم فيها عصابات الإتجار بالبشر، وتدار برغبات و مزاج طاغية معتوه.  نحتفل كل عام و نحن نحس بغصة في الحلق، و يمر على الذهن شريط طويل من العبودية المطلقة … من الظلم و القهر، … و وضع مأساوي مظلم، لا تسعفنا الكلمات لوصفه،  مازال يعيشه شعبنا و وطننا الحبيب … لذلك ليس غريبا أن نرى، السفن المحملة بالتهاني والتبريكات ، تتحطم عند ضفاف و شواطئ الحناجر، دون أن تتخطاها الى الرافعات (الألسن)، لتفرغ شحناتها، على أرصفة السامعين (الأذان).  هذا جانب، و من جانب أخر، أوضاعنا في المعارضة، و أجوائنا الملبدة بالغيوم السوداء و التي لا تبشر بالخير، … حيث نلتهي بمعارك جانبية، في حلقة مفرغة أضحت سببا من أسباب تطويل معاناة البلاد و العباد.

النص التالي، ينبع اذا من صميم هذه الخلفية الداكنة، … لست شاعرا، وهذا شرف لا أدعيه، … كلمات النص، أضاقت صدري و قضت مضجعي، … أبت الا أن تخرج بهذا الاسلوب.  أهدي بهذه المناسبة، هذا النص، لأسر و عوائل الشهداء و الى الأيتام و الأرامل و الثكالى، و الى الأسرى الأبطال، القابعين وراء القضبان ظلما و عدوانا، … و الى كل المقاومين الذين يناضلون، دون كلل أو ملل لتغير هذا الواقع النتن،  كما أهديه الى كل الشرفاء الأحرار، الذين يقفون الى جانب المقهورين و المظلومين. في الختام، أتمنى في هذه المناسبة، أن يلهمنا الله، حكمة، وحنكة و وعي أسلافنا العظام، الذين بنضالاتهم  و تضحياتهم الجبارة، و في ظروف دولية و اقليمية معقدة في خمسينيات القرن الماضي، حافظوا على وحدة هذا الكيان، أرضا و شعبا،  ليصبح حقيقة واقعة اليوم، ينبغي الحفاظ عليه بكل ما نملك.  والله من وراء القصد … و اليكم النص بعنوان *الظلم بلغ الزبى*  و كل عام، و أرتريا و شعبها بألف خير.

الظلم بلغ الزبى

 

طفح البغي و الفساد … و الظلم بلغ الزبى

نمت في الديار بيوت الأشباح، تجتاح المدى

نحرت فيها الأحلام، وتختنق الآهات و الصدى

 

نزلاء البيوت، هم أعلام … نجوم تتلألأ في السما

صدحوا بالحق، عندما لم يكن يجرأ، بالحق ترنما

دخلوا دون وجل، عرين الأسود، رافعين الرؤوسا

 

الجدران تبكي، … ترتعش … من هول ما جرى

تتزين بدمائهم، … بعرقهم، … بأشلائهم تكسى

تحيط بمسرح الجريمة،… لتوثق … ما ترى

 

سكن عميق الحزن بيوتا، أضناه الأسى

طال ترقب عودة الأحبة، … دون رجا

و كيف يرجا الخير و الأمل ممن لا يرجا

 

هدمت ديار عامرة،  …  عنوة  …  غيب راعيها

كم من مهج أزهقت، دون ذنب، لم تترك باكيا ولا راثيها

كرسي الفخار هش، لن يعمر، و لن يطول غياب بانيها

 

رغم النكبات لم يبخل الشعب، كان سخيا، وفيا أصيل

قدم كل ما يملك في مذبح الحرية، ورودا و أكاليل

نراه يتضور جوعا وعطشا للعدل، … صبره عيل

 

نؤمن يقينا بالسنن، … لا لسنة الله تبديل

ستنقلب الأدوار، لن يمكث ليل الظلم طويل

ليصبح الجلاد سجينا و الضحية قاضيا جليل

 

أرواح الشهداء تحوم حولنا، كأنها تستشعر ما بنا

الا أنها لا تدري مصيبتنا … هي طامة كبرى

حمدا، لم تدري، كي تحلق مطمئنة، دون تعثرا

 

أما نحن والعياذ بالله، نتكاثر كالفطر سدا، بغير هدى

نتفق، نتحد صبحا … نختلف، نفترق في المسا

نومئ الرؤوس … بالموفقة … و قلوبنا شتى

 

 

 

نتبادل الابتسامات تحت الأضواء، نكشر الأنياب في ليالي الدجى

نتصيد زلات، …و سقطات بعضنا ثم الى ألف حال … نشظى

سيفنا في غمده صدأ، … وفي الفراغ نزبد، ونرغي، لا نرعدا

 

لا نمسح دمعة يتيم، لا نفرج كربة أرملة، ولا ثكلى

لبعضنا، ثعابين … و عقارب … و حمل وديع للعدا

نمد،… دون أن ندري … في عمر الظلم والظالم مدا

 

لك الله يا وطني من أحوالنا التي لا تخفى

فقصتنا غصة، … ووضعنا له … يرثى

أخطأنا، اخفاقاتنا، … لا تعد ولا تحصى

قاربنا التائه في ظلمات البحر، لم يجد له مرسى

التشرذم، و التفرق، و التمزق … أغرقنا و طغى

 

ألم يحن الوقت اذا ؟!

لنتدبر و نتأمل قول المولى جلى وعلى

لا يغير الله ما بقوم … حتى …

لا يغير الله ما بقوم … حتى …

 

 

عبدالله محمد علي عبدالله

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37183

نشرت بواسطة في مايو 22 2016 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

5 تعليقات لـ “الظلم بلغ الزبى”

  1. ود كرن

    ياسلام شاعر جميل هل من مزيد استاذنا عبد الله
    وصف دقيق لوضعنا المأساوى

  2. قصيدتك معبرة وفى الصميم وهى من فصيلة الشعر السياسى الرفيع .. صح لسانك .. اتحفتنا .. شخصت مشكلتنا الوطنية بدقة وبشاعرية مرهفة ووعدتنا وعد صدق بان الليل سينجلى لامحالة .. واكدت لنا باليقين على قدرة شعبنا العظيم والمجرب بانه سيحطم اغلال الاستبداد والدكتاتورية الفاسدة بفعل نضالى مقاوم .. بحاسة شعرية نافذة استنطقت الحوائط والجدران الصامتة واشهدتها على اهاة وانين ضحايانا الابطال القابعون فى سجون الطاغية المانوف وهم كثر ومن كل اطياف اللون السياسى والاجتماعى من ابناء شعبنا الشجعان وتنبات نبوءة شاعر بان هؤلاء الابطال سيحاكمون الجلاد بجلالة وعدل ووصفك للحظة المحاكمة التاريخية القادمة موفق وجليل .. يا شاعرنا المفوه مقدمة قصيدتك موفقة وتعبر بصدق على ما يختلج فى صدورنا من المشاعر الوطنية والانسانية فى يوم عرسنا الوطنى؛ مشاعر فخر غامر بيوم تحرير وطننا العزيز من جهة ومشاعر حزن اليم من جهة اخرى بسبب ما الت اليه اوضاعنا المحزنة من ترد سيئ لحالة حقوق الانسان الاساسية .. وسلمت ايها الصديق العزيز عبدالله محمد على وسلمت قريحتك الشعرية المتقدة !!

    • أخي و صديقي العزيز محمد أدم، أشكرك جدا على هذا التفاعل مع القصيدة التي لا ترقى الى مستوى وصفك البديع، … أنا فخور جدا بهذه الشهادة، والتي سأحتفظ بها في أعماق الفؤاد، لتكون دافعا و مشجعا بل وقودا دائما للتدفئة في موسم شتاء الشعر، متمنيا أن أكون عند حسن الظن.

      ولك مني كل الود و التقدير

  3. لا فض فوك أخي عبدلله محمد على وبارك الله فيك على هذه الأحاسيس الجميلة التي تحمل هموم الأهل والوطن .

    أما بخصوص إفتباس الآيات القرآنية في الشعر فهو جائزة ولا يشترط وضعها في داخل أفواس .

    أما وقد قلت نتدبر قول الله تعالى كما في النص التالي: ( لنتدبر و نتأمل قول المولى جلى وعلى

    لا يغير الله ما بقوم … حتى …

    لا يغير الله ما بقوم … حتى …)
    كان يلزم أن تكتب الآية الكرية في داخل فوس. ﴿ ……….. ﴾ والله أعلم.
    ولك مني أوفر المحبة وأخلص الود.

    • أخي العزيز محمد ادريس قنادلا، شكرا لتفاعلك الطيب مع القصيدة، كما أشكرك أيضا على ملاحظاتك القيمة … وجزاك الله خيرا.

      و لك كل المودة و التقدير

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010