القرن الإفريقي – ميلاد جديد في الأفق

  • تقديم
  • المرحلة الأولى:- التقراي عقبة في الطريق
  • المرحلة الثانية:- إساياس جزء من الحل
  • المرحلة الثالثة:- إقليم بني شنقول وسد النهضة
  • ثم مصر والسودان
  • وأخيراً ثبات الحدود القائمة وسيولة الإدارة

 

تقديم

قبل البدء في القول بما نرى نودّ التأكيد بأن هذه قراءة استشرافية مبنية على قدر من المعرفة والمتابعة لمجريات الأحداث في المنطقة. الهدف منها محاولة شحذ عقول القراء للتفكير أبعد مما يرونه حادثاً بين يديهم، وعليه فالمرجو من الجميع دائماً محاولة وضع سيناريوهات واحتمالات ثم وضع أو تخيّل مجتمعاتنا ومصائرها في إطار هذه السيناريوهات لنستكشف ما الذي يخبئه لنا العابثين بمصائر منطقتنا.

فأولاً تكون البداية بالقول بأنّ إثيوبيا وإرتريا والسودان بدولتيه والصومال ومصر والبحر الأحمر والنيل، كلها صفحات ستتقلب تقليباً ضمن مجريات أحداث منطقة القرن الإفريقي والتي ستتراوح بين المؤثر والمتأثر. وحين اكتمال المهمة سيتم ضمان الأرضية الصلبة التي سيسير فوقها (قائد إثيوبيا الحالي والمنطقة المستقبلي) الدكتور أبي أحمد بخطوات ثابتة ليخطّ فوقها كل مجريات الأحداث.

الدكتور أبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام دون أدنى جهد وعناء، وكأنها منحت له في سياق تسويقه لقيادة المنطقة، تمّ إعداده بعناية من خلال تأهيله علمياً في مجال فض المنازعات وتمريغه في أروقة المخابرات العسكرية، ثم أنّ إسمه، الذي لا ندري إتيانه مع ميلاده البيولوجي أم ميلاده السياسي، يكاد يكون هذا الإسم كافياً لإقناع الناقمين على إثيوبيا الأورثودوكسية المتعصبة. هذا بالإضافة إلى ثقافته التي تحمل قدراً من المعرفة بالديانات الأخرى غير التي يعتقد فيها، وثقافات شعوب المنطقة ولغات حديثها.

وتمهيداً لهذه المهمة بدأت عملية إعادة الترتيب بإثيوبيا، مركز المهمة، حيث إنطلقت المواجهة في إقليم تقراي الإثيوبي بعد مخاض دام ربما أكثر من عامين، ظاهرها صراع إثيوبي على السلطة وفي جوهرها بداية مهمة إعادة الترتيب المعدّ للمنطقة حتى تكون صالحة وبيئة مواتية للرّسالة التي أعدّت من أجلها القوى الدولية العظمى رجل المرحلة الدكتور أبي أحمد تمهيداً لاستكمال تنفيذ برنامجه الذي سيشمل كل المنطقة وصولا لمنطقة البحيرات العظمى حيث تبدأ خريطة سلطة بول كاغامي رئيس روانداً القوي.

في مظهرها الخارجي، نجد أن صافرة البداية قد انطلقت معلنة بداية حرب تكسير العظام بين الفرقاء الإثيوبيين، وإلى حيث يجزم كلّ من المتورطين فيها في قدرته على دحر الطرف الآخر. ولكن هناك لاعب أقوى تدخّل فمكن من اختصار حرب السنوات الطوال إلى ما يشبه بنزهة عسكرية للطرف الذي يقف وراءه صاحب المنطقة المستقبلي – الدكتور أبي أحمد.

انتصرت التكنولوجيا غير التقليدية على الرغبة في المواجهة والإنتصار بالطرق التقليدية. ولا يسعنا هنا إلا أن نؤكد أن تكنولوجيا الدرون (الطائرات المقاتلة المسيرة) والقدرات الدقيقة للمراقبة والمتابعة وتحديد الأهداف الهامة بالفاعلية التي ظهرت بها لم تكن لتحقق النتائج القائمة على أرض الواقع إلا إذا تم إدارتها من قبل القوى العظمى المصنعة لتلك التكنولوجيا والعالمة ببواطنها وأسرارها التي لا يحتمل منحها لأي طرف.

المرحلة الأولى:- التقراي عقبة في الطريق

ملس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي الاسبق الذي ينحدر من التقراي، والرئيس الإرتري إساياس أفورقي، ذي الصلات العائلية بالتقراي، عنادهما في الإصرار على تقديم أولوياتهما على أولويات القوى الدولية، أخرجهما من إحتمالات قيادتهما المشتركة للمنطقة بالتعاون مع رئيس رواندا الذي نجح في تطبيق الأجندة المعدة له سلفاً، ومن ثم تمكن من المرور ببلاده ومنطقة البحيرات العظمى من أمواج الدماء التي عصفت بكل دولها.

وقد ازداد فشل إساياس وملس بعد استفحال الخلاف (في قيادة المنطقة) بينهما ومن ثم تورطهما في حرب ضروس استدعت تدخل القوى  الكبرى للتصرف والإتيان ببديل لهما يحل المشكلة التي تورط فيها الحليفين السابقين والعدوين اللدودين حتى نهاية حقبة ملس زيناوي بوفاته، وتمكن البديل المغاير لنهج زيناوي من التغلغل حتى الوصول إلى أعلى هرم السلطة في إثيوبيا.

بعد أعوام من السيطرة على الحكم وبعد ربع قرن من الزمان من الإستمتاع بنعيم إثيوبيا، تلك البقرة الحلوب التي لا ينعم عجلها بخيراتها. بعد كل هذه المدة تماهى حكام إثيوبيا من التقراي مع نعيم السلطة ولم يكونوا على استعداد للتخلي عما اغتنموه من التدفق الدائم لخيرات إثيوبيا، فرفضوا أي شيء عدا استمرارهم في الحكم الذي اكتسبوه بقوة السلاح وقاموا بحمايته بقوة السلاح حيث حافظوا على السيطرة الكاملة على كل الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد. كما أشار إليه أبي أحمد في حديثه للبرلمان الإثيوبي منذ أسبوعين من تجميع لكل السلطة العسكرية المؤثرة في أيدي التقراي. وعليه كان على أبي ومن خلفه القوى العظمى التصرف والبحث عن مخرج لإثيوبيا والمنطقة نحو المستقبل المعد لها سلفاً.

المرحلة الثانية:- إساياس جزء من الحل

بوفاة ملس زيناوي وإزاحة أحد مسببات الأزمة أصبح التقارب مع طرف الأزمة الآخر إساياس أفورقي به قدر من المنطق تحقيقاً للإنتقال السلس مقابل أن يتم ضمان مخرج كريم لإساياس أفورقي، الطاغية الإرتري. وسيمثل هذا الإنتقال الخطوة الثانية في سبيل امتلاك أبي أحمد زمام الأمور في المنطقة. وعلى هذا كان يشير الدكتور أبي أحمد حين قال في أحد لقاءاته بأنّ “النظام الإرتري يسعى من أجل السلام” ومستشهداً بالقول بأنّ “العالم كله يشهد بأن الحكومة الإرترية تعتبر من قوى السلام”.

إساياس أفورقي كان لا شك سيقبل بكلّ شيء في مقابل أن يتم سحق أبناء عمومته الذين تعمدوا إهانته أمام شعبه وأمام العالم بأسره دبلوماسيا وعسكريا ومن ثم الثأر منهم أهم من الإستمرار في السلطة بما في ذلك تلاشي الحدود الإرترية الإثيوبية وتأسيس قوات بحرية إثيوبية على الشواطئ الإرترية ومن ثم احتلال إثيوبي جديد يقدمه إساياس جزءً من التنازلات بهدف دحر وياني تقراي، أو أبناء عمومته.

بقي ان يتم إدارة إرتريا من أديس أبابا بالوكالة كما صرح بذلك إساياس أفورقي حين قال لأبي أحمد، في مكان شهد أفضل لحظات المعارضة الإرترية وهو هواسا موقع ميلاد المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي – 2011. في هذا المكان وربما في ذات القاعة قال إساياس لأبي أحمد انت القائد، وأكد له انه قد سلمه كلّ شيء.

بقي أن نؤكد بأن لهذا المخرج الكريم ضمانة محتملة وهي أن تؤول المهمة إلى إبنه أبراهام أو دمية أخرى يساعد أفورقي في إعدادها حالياً.

المرحلة الثالثة:- إقليم بني شنقول وسد النهضة

المرحلة الثالثة هي الأكبر والأصعب من نشاط تمكين أبي أحمد تكون في إقليم بني شنقول الإثيوبي الذي تسكنه أغلبية من السكان يعود أصلهم إلى السودان كما أن إقليم بني شنقول قومز كان تابعاً للسودان إلى أن منحته بريطانيا، صانعة مشاكل الحدود حول العالم، إلى إثيوبيا مما يجعل منه قنبلة موقوتة في جانبه الثقافي المغاير للثقافة الإثيوبية وفي جانبه التاريخي الذي يعيد أصله إلى السودان ثم أن سد النهضة الإثيوبي الذي يعتبر مشكلة المشاكل في المنطقة بصفة عامة يقع في هذا الإقليم.

المشاكل في الإقليم كانت ومازالت تتأرجح بين المقاومة الفعلية والمقاومات الصورية التي يقوم بها النخب بين الفينة والأخرى. ويشهد الإقليم في هذه الأيام تمرداً مفاجئاً تظهر بعض ملامحه باستهداف الأمهرا في منطقة “متكل” من الإقليم، وهو الأمر الذي تسبب في قيام إقليم الأمهرا بإخطار الحكومة المركزية مؤكداً على أنها إن لم تتصرف وتقوم بمهامها في ضمان أمن المواطنين الأمهرا وحماية ممتلكاتهم، فإن القوات الخاصة التابعة للإقليم ستتخذ تدابير من شأنها ضمان سلامة المواطنين الأمهرا في الإقليم.

ثمّ مصر والسودان

إقليم بني شنقول يعتبر منفذاً مريحا لمصر إذا ما أرادت أن تتدخل وتوقف العمل في سدّ النهضة ثم السعي للقيام بأعمال تخريبية من شأنها تعطيل الإستمرار في البناء وخلق واقع جديد يتمثل في جدوى المشروع وسلامة السدً.

السودان أيضاً، وبالرغم من تنازلاته التي لا تحمل أي رؤية مستقبلية بقدر ماهي مصالح آنية لتمرير أجندات معينة تتصل بأروقة الحكم في البلاد، سيعي خطورة النزاع على السد الممتلئ بأكثر من خمس مليار متر مكعب، بين مصر وإثيوبيا حيث أن الأمر سيظل شأناً مصيريا لكلا الدولتين ومن ثم المواجهة بينهما حتمية. وفي هذه المواجهة المتوقعة بين مصر وإثيوبيا سيكون المنتصر هو السودان إذا ما تمت المواجهة في هذا الشتاء وقبل حلول موسم الأمطار القادم (يونيو – أكتوبر).

نصر السودان سيكون بالنجاة من الدمار المتوقع حال انهيار السد الممتلئ بأكثر من خمس مليار متر مكعب ومن ثم سيخسر السودان كل شيء. وعليه يفترض أن يقوم السودان ببذل الغالي والنفيس لدفع مصر باتجاه دعم السودان للمطالبة بالإقليم أولاً، ثم بدعم التمرد في الإقليم وتمكينه من إيقاف سير عملية بسط الدولة الإثيوبية سيادتها على الإقليم.

الإحتمال الأرحج بحسب قراءتي للواقع، خضوع السودان لسيطرة أديس أبابا خوفاً من الأذى وضماناً للمصلحة المتمثلة في ضمان استقراره خاصة وأنّ إثيوبيا التي تحمل ضوءً أخضر بملء الأفق للتصرف في شؤون المنطقة وتستطيع وضع السودان الهش في مربع الدفاع عن النفس بإشارات حدودية تقوم بها ميليشيات الأمهرا، وذلك بعد التلكؤ المتوقع من مصر في مسعى صناعة البلبلة ومن ثم التواجد بقوة خلف مقاومة بني شنقول والسيطرة على منطقة السد والعمل على عدم استمرار العمل فيه. ونتيجة لهذه الحالة ستتمكن إثيوبيا من إعلان نفسها الآمر – الناهي في شأن مياه النيل.

وأخيراً ثبات الحدود القائمة وسيولة الإدارة

بعد استكمال مهمة إعادة الترتيب هذه لن تكون الحدود الحالية عائقاً أمام مجلس كرزايات المنطقة الذي سيشكله وكيل القوى العظمى في المنطقة الدكتور أبي أحمد ومن سيستظلّ بحماه طائعا للأوامر، قانعا بالمنح التي ستتراوح بين قدر من الإقتصاد المفتوح وقسطٍ من حرية الحركة ثم شيئاً من الإدارة الذاتية التي لن تكون في أسوأ الفروض أقلّ حرية واحترافية من الأوضاع القائمة.

ختاماً هذه قراءة استشرافية تحتمل الخطأ والصواب وتحتمل عدم سير العجلة تجاهها مما سيعني تغييرا كلّيّاً لمجريات الأحداث إذا ما فرضت الظروف سيناريوهات أخرى كما حدث في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي حين فشل إساياس وملس في تنفيذ المهمة.

 

بشرى بركت

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=44633

نشرت بواسطة في ديسمبر 18 2020 في صفحة البشرى, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “القرن الإفريقي – ميلاد جديد في الأفق”

  1. […] أول هذين الإحتمالين كان قد وضع المؤثرات الدولية في موقع الأولوية والصدارة باعتبارها من يعمل على إدارة الأزمة سعياً لتحقيق أهدافها بالوصول إلى وضع وترتيب ملائم لها في المنطقة يتشكل على أساس هذا الترتيب مستقبل المنطقة بما تم تسميته في سابق الأيام بـ “القرن الإفريقي الجديد”. (رابط الحلقة الأولى) […]

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010