المظاهرات الإرترية خارج ارتريا حاجة التواصل مع الداخل

بقلم: دكتور الجبرتي:

استطاعت المظاهرات التي قام بها طلاب و اهالي مدرسة الضياء الاسلامية في أخريا بأسمرا، كسر حاجز الخوف الذي ظل يقبع علي صدور الارتريين لربع قرن من الزمان . والتي كانت استجابة لكلمات الحاج موسي محمد نور رئيس مجلس الادارة الاهلية لمدرسة استاذ بشير ، الذي تحدي النظام واعلن رفضه للقرارات المتخلفة التي يريد فرضها علي المدرسة والطلاب ، اولا في لقائه بهم مكاتبهم ، ثم اعلنها داوية في لقائه الجماهيري بالطلاب وولاة امورهم ، بدون خوف ، مرددا نحن مستعدون للموت والاعتقال من اجل الدفاع عن حريتنا الدينية والشخصية ، وانه لابد من مواجهة هذا النظام الظالم المجحف في حق جميع المواطنين .

           بدأت المظاهرات محلية بحتة في مدرسة الضياء ، ضد أفراد الشرطة الذين جاؤوا لتنفيذ قرارات النظام الخاصة بالمدرسة ، وواجهوا الرصاص بصدورهم . وتوجهوا الي مسجد الخلفاء الراشدين لمقر المفتن الارتري ، والذي هرب الي السفارة السودانية . ثم حولوا المظاهرات الي بيت رأس النظام الغاشم ، والذي بدوره لم يصدق هذه الهبة الرجولية التي ظن انه بجبروته لسنين قد قتل في اهل ارتريا النخوة والجرأة علي المواجهة ، وصدم من هول المواجهة وفر هاربا علي مروحيته .

             ولعبت وسائل الاتصال الحديثة دورا مهما في توصيل المعلومات بالصورة والصوت اولا بأول الي خارج البلاد ، لتتلقفها ايادي اللاجئين الارتريين في بلاد الله كافة وتتفاعل معها . ثم ترغم أصحاب المصلحة من القنوات الفضائية لنشر الخبر ومتابعته لأيام . و ما يزال النظام يبحث عن من ارسل الصور والفيديوهات التي نشرت عاره وضعفه وجبنه للعالم اجمع . واستجمع ما تبقي من خواره وصار يعتقل الصغار والنساء والكبار .

            ما نريد به من سرد هذه القصة المتكررة في معظم المقالات التي كتبت و ونشرت في الاسبوع الماضي ، اسبوع الانتفاضة المباركة هو ، ان هذا الفعل المحلي القوي هو من أجبر العالم و الاقليم للالتفات الي أوضاع إرتريا ، والي ان يتعرف اليها في خريطة افريقيا والقرن الافريقي . ان هذا البركان المحلي الذي بدأ وانتهي في اسمرا هو ما هز كيانات الظلم والفساد في ارتريا ، و آخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم . وسيحاولون ان يطفئوا نور الله بافواههم وسجونهم ورصاصهم ، و يأبي الله الا ان يتم نوره ولو كره المبطلون .

          ان قوة الفعل المحلي وتميزه هو ما يجعله دوليا وعالميا ، تلتفت اليه انظار الجميع ويبحث عنه وحوله كل ذي مصلحة او ضرر . يساعده بعد ذلك الفعل الخارجي والذي يكون دائما بقدر حجم المصالح المشتركة بين الفاعلين الداخلين والخارجيين .

              في خضم هذا التفاعل ، يظهر الانتهازيون المحليون والاقليميون والدوليون ، ليستفيدوا من هذا التفاعل ، ليتعاملوا معه حسب مصالحهم الانية و الاستراتيجية . فيري ويعكس كل منهم الزاوية التي تناسب ومصلحته ، غير آبهين لمن مات او جرح او اعتقل من صناع هذا الفعل . يتبعهم العملاء المحليون ، الوقتيون و الاستراتيجيون ايضا مدفوعي الاجر .

                ان عملية تفجير المظاهرات و الوقوف بقوة في وجه الطغيان ، لم تحتاج الي فعل خارجي في حالة مدرسة الضياء الاسلامية في اخريا باسمرا ، و إنما كان مفتعلها هو العامل المحلي المتراكم من الاضطهاد والظلم والتعدي . بل احتاجت المظاهرات الخارجية وردود الافعال الي الفعل الداخلي المحلي، وهذه بدورها تمكنت من الاستفادة من تقنيات العصر ووسائل تواصله لتوصيل رسالتها للخارج فأصبحت الرابط بين الداخل والخارج . حيث ظلت هذه التقنيات أيضا مضطهدة ممنوعة من توصيل رسالتها وربطها لأطراف المعادلة ، ليكتمل الهدف ويتحقق المنشود .

             لقد اثبتت ووضحت وسائل التواصل دورها في تحقيق الاهداف الانسانية للارتريين خلال هذه التظاهرة ، وهي التي حققت هذا الفعل الخارجي القوي والمستمر . لكن هل عرف الارتريون هذا الدور اليوم ؟ هل كان المثقفون و الاغنياء واصحاب العلاقات الخارجية جهلاء بدور الاعلام في تحقيق الاهداف الانسانية و لاكمال الدورة التفاعلية لإحداث الهزات التي تسقط النظام ؟ هل عايش الارتريون واحزابهم الغنية منها والمعدومة وسياسييهم ما قامت به وسائل التواصل الاجتماعي في الربيع العربي القائم حتي اليوم ؟ هل لاحظ المفكرون الارتريون ما قامت وسائل الاعلام الخارجية في دعم و اشعال وتوجيه الثورات العربية حتي بلغت بهم ما بلغت اليوم ؟  

            هل انتج التواصل والتظاهر مع الخارج من منظمات دولية و اقليمية وحقوقية شيئا للارتريين ؟ والذي استمر لعشر سنوات حتي اليوم ؟ ام زاد بطش النظام وتعنته ؟ وضاعف ضياع الشعب الارتري في البحار والصحاري وتجارة البشر ؟ ماذا قدمت منظمات الامم المتحدة للارتريين منذ اندلاع الثورة الارترية وحتي اليوم لثمان وخمسون سنة ؟ ماذا فعلت المنظمات الحقوقية للشعب الارتري المظلوم في كل بنود الحقوق الآدمية المحلية والاقليمية والدولية حتي اليوم ؟ ماهو المفيد من تغطيات الاعلام الخارجي للاوضاع الارترية لثممان وعشرين سنة ؟

          بل ، ماذا فعلت التنظيمات و الاحزاب الارترية المعارضة للشعب الارتري في محنته الطويلة ؟ اين تنفق اموالها التي تجمعها باسم اللاجئين وباسم الاطفال والنساء والنضال ؟ من الخيرين والمنظمات الدولية ومن الارتريين في الخارج  ؟ كم انفقت الاحزاب والتنظيمات في مأكلها الفاخر وسفرياتها الفي أي بي ؟ في العشرة سنوات السابقة ، والتي نقصد بها بداية وانتشار التقنيات الحديثة المتعددة للتواصل والاتصال الاجتماعية والعام . كم انفقت وراء وسائل الاعلام الاجنبي ليبكي عنها جراحها ؟

       ثم كم عدد منظمات المجتمع المدني الارترية ؟ التي تعمل سواتر للتنظيمات السياسية ، والتي تعمل منفردة ؟ كم  انفقت منظمات المجتمع المدني في مشاريعها التنموية  التي تتكرر بين المنظمات وليس بها تجديد ومواكبة لحاجة اللاجئ  ؟ ماهي خدماتها للمعتقلين داخل ارتريا ؟ لماذا لم تستطيع اجبار المنظمات الدولية الشبيهة من الدخول في وكر الضبع الارتري ؟

           اين هو موضوع الاعلام ، من اولوياتها ؟ اين هو موقع وسائل الاتصال من خدماتها ؟ كيف تري صناعة الاعلام البديل للمواطن الارتري بالداخل ؟ هل تري انه يكفي الاستنفار لاسبوع رمضاني او شتاء او علة في مواقع اللاجئين الامنة خارج الحدود الارترية ، لدعم اللاجئ الارتري ؟ اليس من واجبها العمل لاجل حل المعضلة الرئيسية بدلا تقشير الجرح الملتهب لسنوات ؟

              هل تحجر عقل منظمات المجتمع المدني في تقديم السكر والزيت والدقيق للاجئين يعانون اللجوء اربعون سنة ؟ ام هل تقوقع فكر منظمات المجتمع المدني في ان خدمة اللاجئين هي اشباعهم  لايام فقط ؟ هل عقمت منظمات المجتمع المدني عن التفكير في اعادة اللاجئين الي ارضهم وديارهم التي اخرجوا منها ، الا ان يقولوا ربنا الله ؟ هل قامت او فكرت منظمات المجتمع المدني والتنظيمات الغنية المدعومة ، في انجاز قناة فضائية ، او راديوا يستطيع الوصول الي الداخل الارتري ؟ هل فكرت في ضخامة الفعل الذي تقوم به قناة اسياس الفضائية اليتيمة ، في تحجيم عقل المواطن الارتري في الداخل والخارج ؟ هل تعلم المنظمات والتنظيمات مدي اهمية و اولوية الفضائيات التلفزيونية في تحرير العقل الارتري ؟

           اكرر.. اتصل بي مجموعة من المتفاعلين بالمظاهرات الارترية في الخارج ، اثناء تجمعهم واسمعوني ضجيجهم وحفيفهم الملتهب ، لانجاز المظاهرة الالفية ، وطلبوا مني دعمهم بكلمات ووصف لما يتم في الخارج .. سالتهم .. كم مظاهرة شاركتم فيها ؟ كم بلد يتم فيها المظاهرات ؟ كم شخصا يتظاهرون هنا وهناك ؟ هل تغطي أية قناة دولية مشهورة ومشاهدة اخباركم ؟ هل يشاهد المواطن الارتري في الخارج هذه المظاهرات ليعرف حجم التضامن الذي تقومون به ؟ كم سجارة دخن المتظاهرون ؟ كم تذكرة سفر بالبصات او بالطائرات او بالقطارات تكلفتم لتبلغوا موقع المظاهرات ؟  كم كاس شاي شرب المتظاهرون هنا وهناك ؟ كم خسرتم في طباعة الفانلات و السايد كابات والاقمشة ومواد الشعارات التي سترفعونها ؟

             ماذا انتجتم في المظاهرات العشرة الاخيرة السابقة ؟ هل كان الانتاج بالحجم الذي كنتم تتوقعون ،؟ بل ماذا تتوقعون من نتائج لهذه المظاهرات ؟

          هل يستطيع الاف المتظاهرين والمتفاعلين هؤلاء ان يستاجروا قناة فضائية يتواصلون بها مع الداخل الارتري ، ثمنها لا يزيد عن سبعون الف دولار ، للسنة الواحدة ؟ دعك من قناة كاملة بل نصف قناة فقط بنصف التكلفة ؟

          من المحتاج للتواصل في هذه الاونة ، المواطن داخل ارتريا ، ام المنظمات الدولية والاقليمية ، التي تعرف سلفا ما يدور في ارتريا ثانية بثانية ، عبر السفارات الاجنبية ؟ ولن يتحركوا الا اذا مست مصالح دولهم الداعمة . وكم مرة تواصلتم مع الداخل الارتري ؟ وكم مرة تواصل المواطن الارتري معكم ؟

         كم دفع الحاج موسي محمد نور لاطلاق كلماته وتفجير شرارة المظاهرات الحقيقة امام الحديد والنار والجبروت الظالم في اسمرا ؟

            لماذا نتسول اعلام الغير ليخدم قضيتنا ؟ لما يعجز 2.5مليون لا جئ ارتري عن فهم وترتيب اولوياتهم في الصراع مع من يمنعهم العودة الي ديارهم ورؤية احبابهم ؟ لماذا فشل الارتريون في اوروبا في توصيل رسالتهم للداخل والخارج ؟ لماذا لا يصنع الارتريون قناتهم الخاصة ، ليعرضوا قضيتهم بطريقتهم ، بدون ابتزاز من عملاء وبدون تحوير من مغرضين .

             لماذا لا يفكر تنظيم أو حزب ان تكون وسيلته الرئيسية في الصراع هي الاعلام والفضائيات ؟ لماذا لا يكون الاعلام هو هو وسيلة احدي منظمات المجتمع المدني او عدد منها  ؟ لماذا لا نقتسم المهام بين لاجئي كل قارة ، لاجئوا اوروبا عليهم تكلفة ايجار اربعة اشهر ، ولاجئوا امريكا اربعة اشهر ايضا ، ولا جئوا استراليا اربعة اشهر ، ولا جئوا الخليج تكلفة التشغيل ، وهكذا نكون قد تقاسمنا المهام بكل سهولة ؟  نريد قناة فضائية ارترية نتواصل بها مع الداخل نوصل لهم رسائلنا ويبلغونا عبرها رسائلهم ، نريد تقوية الصلة بين ارتريوا الداخل والخارج . ولسنة واحدة فقط  ، سترون النتيجة المبهرة . ان ادوات الصراع مع النظام الارتري في غاية البساطة وهي غير معقدة كما نظن . فالنبدأ الخطوة الاولي ، وهي ستقودنا الي الخطوة الثانية .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42480

نشرت بواسطة في نوفمبر 17 2017 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “المظاهرات الإرترية خارج ارتريا حاجة التواصل مع الداخل”

  1. عبدالله

    تحياتي للدكتور الجبرتي

    لقد خلطت الحابل بالنابل والصفحة التي طويت بالصفحة المضيئة — كان ينبغي عليك أن تركز على ما حصل في 31 أكتوبر وما بعده أي اليوم الذي خرج فيه الشعب الارتري من عبائة أفورقي والتي رسخها من خلال عقود من الارهاب

    لقد لاحظت في مقالك بأنك لا تعرف مشكلة إرتريا الرئيسية — مشكلة إرتريا يا حبيبي يا دكتور ليست في إسياس ولا في المعارضة ولا الفنادق الفخمة ولا في منظمات المجتمع المدني ولا في منظمات حقوق الانسان ولا مع القنوات الفضائية ولا ولا ولا — بل مشكلة إرتريا كانت في وحدة شعبه التي رأينها تحققت في 31 أكتوتر بشكل لا لبس فيه

    يا حبيبي الدكتور الجبرتي أبني على ما تم إنجازه ولا تضيع وقتك على الصغائر التي جعلتها ثورة أخريا المباركة وشجاعة الحاج موسى محمد نور نتجاوزها

    يا حبيبي يا دكتور ثورة أخريا المباركة أبطلت السلاح الذي حكم به إسياس لعشرات السنين وحلحلت جميع مشاكل المعارضة والمنظمات المدنية وفنادق الخمسة نجوم — التلاحم الجماهيري لجميع مكونات الشعب الارتري غير مجرى التأريخ في إرتريا — نحن اليوم على صفحة جديدة مضيئة وما قبل 31 أكتوبر متروك للتأريخ ولذلك لا تشغل به بالك

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010