الوفاء لأهل الوفاء

(( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ))

الشيخ محمد علي آدم عمر داير رحمة الله

الشيخ محمد علي آدم عمر داير رحمة الله

 

      تعرفت به عن طريق شقيقه الأصغر الشهيد/ أحمد آدم عمر الذي كان رفيقا لي منذ بداية أيام التحدي الأولى في دروب النضال ، إلا أن علاقتي مع المناضل محمد علي آدم عمر داير تطورت بعيدا عن علاقتي بالشهيد أحمد آدم التي كانت رفقة عمر ونضال ، فتواصلت علاقتي مع محمد علي رحمة الله عليه إلى أن غادر هذه الفانية رغم فارق العمر الكبير بيننا، فحتى فترات اقترابي الطويلة في بلاد المهجر لم تؤثر على تلك العلاقة ، لهذا عندما شرعنا في لملمت الرعيل وتكوين رابطة الرعيل كان محمد علي من أوائل المناضلين الذين اتصلت بهم فوجدته كما أعرفه لم يغير أي شيء من أصالته فالمعادن الأصيلة يعتقها الزمن ويجعلها أكثر بريقا وهكذا وجدته رحمة الله عليه.

الشيخ محمد علي آدم عمر داير رحمة الله عليه الذي غادر دنيانا في مايو الماضي رجل عرفته منذ سنوات النضال الأولى شامخاً شجاعاً أبياً لا يرضى الضيم كريماً بكل ما تعنيه كلمة كريم من معاني ، قوياً ثابتاً يشد به الظهر لا يعرف الخذلان طيب المعشر و الابتسامة لا تفارق محياه ، كان يتحول لشخص آخر عندما يداس له طرف بتطاول أو إهانة من أي نوع كانت فيتفاجأ به من حوله أنه تحول لشخص آخر تماما ، لهذا كان مهابا يحسب له الآخرون ألف حساب ، وهو بلا شك أحد رجالات الرعيل والرعيل ماركة مسجلة مهما أنكرها لصوص التاريخ ، فقد كان الشهيد أحد رجالات سبتمبر المجهولين وما أكثرهم في الثورة الأرترية ، والجندي المجهول هو الذي يعمل بعيدا عن الأضواء ولا يستقيم النضال إلا بوجوده ، والجنود المجهولين كثر في نضالنا الوطني وجلهم من الرعيل الأول ، والمناضل محمد علي كان من رجالات البدايات الأولى مع بزوغ شمس النضال الوطني التي أشرقت من هامة جبل أدال الشامخ إيذاناً بميلاد الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر 1961م دعم الجبهة بماله وحشد الجماهير حولها و نشط في خلاياها السرية وقد فرغ  نفسه مع رفاقه وأذكر منهم الشيخ/ آدم هزام لحشد وتجميع الجماهير حول الجبهة وكذلك مهد مع رفاقه وهيأ الارضية التي تتحرك فيها الجبهة وجمع المال من الجماهير لتمويل الجبهة بالعتاد والامداد تلك الخلايا التي كانت أهم شرايين الجبهة في منطقة القاش حيث كانت الجبهة في حوجة ماسة لتوطيد أرضيتها في تلك المنطقة ، والمناضل محمد علي آدم مثل الكثير من المناضلين تعرض للسجن والتعذيب في سجون المحتل الغاصب فقضى سنة كاملة متنقلا بين سجني هيكوتا و أغردات إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة النضال فعندما أطلق سراحه بكفالة عاد لممارسة نشاطه ، فشارك مع الكوكبة التي خططت لعملية اقتحام مركز مدينة هيكوتا بقيادة الشهيد/ آدم محمد حامد قندفل رحمة الله عليه وقد كانت تلك العملية فاتحة خير على الثورة الارترية التي بعدها استبدلت السلاح الأبيض والكوليّ بسلاح ناري من الأسلحة الكثيرة التي غنمت من مركز هيكوتا ، وعندما علمت أثيوبيا بواسطة عملائها في هيكوتا أن المناضل محمد علي له يد في عملية اقتحام مركز هيكوتا قررت القبض عليه خاصةً وأنه كان صاحب أسبقيات لديهم ، إلا أنه قبل حدوث ذلك غادر هيكوتا خفية إلى السودان وقد قامت أثيوبيا بعد تلك العملية بحملة شعواء طالت الكثير من الوطنيين و كان أحد ضحاياها خال المناضل محمد علي الرجل الشجاع الشيخ/ محمد حسين شيخ السوق الذي من يوم اعتقاله لم يظهر له آثر حتى يومنا هذا ، وبعد تلك المغادرة الاضطرارية لأرض الوطن استقر المقام بالمناضل محمد علي آدم بمدينة كسلا ليواصل منها نضالاته وأصبح منزله مقر رئيسي للمناضلين وبيتهم الآمن الذي إليه يلجؤون و فيه يرتاحون ، وكنت أن أحد هؤلاء الذين لا يستقر لهم مقام إلا في بيت محمد علي رحمة الله عليه وقد كان شديد الترحاب بنا كريما معنا ، ومن المواقف التي شهدتها أنه كان يسعف القيادة الثورية بالمال عندما تمر بأزمة مالية وكان يقوم بذلك من جيبه الخاص دون أن أي تردد ويحرض الجماهير للتبرع لصالح الجبهة ، وهذا غيض من فيض من مناقب هذا الرجل العملاق.

ها هم الرعيل ها هم السلف ونرجو أن يكون الخلف كالسلف

وقبل أن أختم مقالي هذا تستحضرني هذه الأبيات لشاعر عربي

مـا الدهرُ إلا جامـعٌ ومفرِّق
وما الناسُ إلا راحلٌ ومـودّع
فإنْ نحـنُ عِشـنا ف ليـجمع اللهُ شملنا
وإن متنا فالقيـامة تجمــع.

وفي الختام ندعو له الله أن يدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.

صالح حيوتى

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34739

نشرت بواسطة في يونيو 16 2015 في صفحة المنبر الحر, شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

4 تعليقات لـ “الوفاء لأهل الوفاء”

  1. وفيات الاعيان في الغربة اشبه بطعنة \خنجرفي الخاصرة\
    وعزانا واسفنا ان ترحل هذه القات السامقة وهي محرومة
    من الوطن الذي ضحت من اجله ومن هذه القامات الشامخة
    العم المجاهد الشيخ\ محمدعلي ادم عمرداير\رحمه الله وكان
    رجل شجاع رجل كانت تتبخترالرجولة في ميدانه فلايخاف
    لوم تلائم في حقه وكان محب الوطنه مخلصا لمبادئه
    له الرحمة والغفران ولاهله الصبرالجميل
    انا لله وانا اليه راجعون
    ابوعمار

  2. الاستاذ إدريس إبراهيم عبي … شكرا لك أيها الأصيل يا إبن الأصيل … والله يحفظ لنا عمنا إبراهيم عبي ويمتعه بالصحة والعافية فهو من تبقى من أعمامنا .

  3. شكرا للقائد صالح حيوتي كل هذا الوفاء فالوفاء أصبح عملة نادرة في هذا الزمن ولأن معدنك أصيل لهذا لازلت محافظا على قيمك الاصيلة… لا شلت يمناك ..و متعك الله بالصحة والعافية.

  4. شكرا ايها الوفي صالح حيوتي … في الواقع مهما قيل من الصعب أن نوفي هؤلاء العمالقة حقهم … العم محمد على آدم عمر هو بمثابة الأب فقد ربطت علاقة صداقة بينه وبين والدي أمد الله في عمره لم اجد مثلها في التاريخ صداقة امتدت منذ تأسيس الجبهة وإلى أن وافاه الأجل.
    رحمة الله عليك ايها القامة العالية والقمة الشماء… (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب آية 23.

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010