زنازين الغياب وحبائل الذاكرة

في الحادي والعشرين من يناير من عام 2013 م كانت العاصمة اسمرا مسرحا لحدث لو كتب له النجاح لربما كان علامة فاصلة في التاريخ الارتري المعاصر. ودون الخوض في تشخيص المحاولة التي اختلفت الاراء في توصيفها بالتصحيحية او الانقلاب الا انها قطعا كانت محاولة جادة في تصحيح المسار واخراج البلاد من النفق المظلم التي كانت ولا تزال عليه.

ابطال حركة 21 يناير كثر وعلى الرغم من مضي اربعة اعوام على فشل تلك المحاولة الا ان الكثير من خباياها والظروف التي اكتنفتها وادت الى فشلها  لا تزال طي الكتمان نظرا للطبيعة البوليسية لنظام هقدف والتي اتسمت بالسرية والتضليل بالاضافة الى ان ابرز رموز تلك المحاولة اما قتل او زج به في غياهب السجون ومعتقلات الموت.

سنتحدث في هذه المساحة عن احد المشاركين في تلك المحاولة ليس من باب المدح او تسليط الاضواء على مناضل بعينه واستثناء الاخرين وانما استخدام رمزية هذا المناضل في سياق التذكير بذلك الحدث الهام والذي اكد لنا انه طالما رغب الناس في التغيير فان امكانية الفعل واردة رغم ما يحفها من مخاطر وان هذا النظام زائل لا محالة طالما ان هناك ابطال يعملون بجد لازاحته.

الحدث الابرز بعد فشل المحاولة هو تنفيذ اجهزة امن نظام هقدف اعتقالات بالجملة شملت العديد من ابرز قادة الجيش ورجالات الدولة ممن راى النظام انهم كانوا وراء المحاولة في هز اركان حكمه وكان المناضل عبد الله جابر احد هؤلاء الذين اقتيدوا الى غياهب المجهول.

وكعادته فان نظام هقدف وبدلا من الاعتراف باخطائه التي اوصلت العديد من اركان نظامه الى التمرد عليه الا انه شرع في بث الاخبار المضللة لتغطية عيوبه عبر حملة منظمة لتلطيخ سمعة المشاركين في المحاولة والانتقاص من نضالاتهم ووطنيتهم.

لقد  نال المناضل عبدلله جابر محمود وهو احد الكوادر الذين انضموا للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في بواكير شبابه وتقلد العديد من المناصب فيها حتى وصل الى عضو في اللجنة التنفيذية لهقدف ومسئول مكتبها للشئون التنظيمية حظه من حملة التشويه واساءة السمعة، فالنظام الذي هزته تلك المحاولة التصحيحية انتهج عدة اساليب اراد منها تضليل المواطن عبر الصاق تهم الخيانة والجاسوسية لرموز المحاولة. ففي تعميم سري وزع على قواعد وكوادر هقدف وصف النظام عبد الله جابر بالخائن غير الوطني مستندا في ذلك على وثائق وكيليكس التي تتضمن اتصالات عبدلله جابر بالسفارة السعودية والتي تمت ترجمتها الى اللغتين العربية والتجرنجة والتي ان نظرنا اليها ليس فيها ما يدين المناضل عبد الله جابر بالخيانة او العمالة.

احد المقربين من المناضل عبد الله جابر روى لنا كيف انه وفي السنوات الاخيرة انتهج خطا واضحا للتصدي لسياساة النظام الطائفية غير العادلة فعلى سبيل المثال لا الحصر عبر عن عدم رضاه للطريقة التي تم بها اختيار المبعوثين لتلقي الدراسات العليا في جنوب افريقيا عام 1998م وذلك عبر استدعائه مدير ادارة التنمية البشرية قرماي قبر مسقل للاستيضاح حول الاسباب التي ادت الى ان 95% من طلاب تلك المنحة اختيروا من قومية واحدة الا ان المسئول عبر له بأن هذه القائمة أعدت من الوزارة ونقحت من جهاز الامن القومي وبوركت من مكتب الرئيس “مما يعني الدولة والحزب متفقين عليها” واكد له بأنه  ليس صانع هذه القائمة الا ان هذا الامر لم يمنع المناضل عبدالله  جابر من طرح الموضوع في اجتماع اللجنة التنفيذية لهقدف  وكما هي عادة هقدف في مثل هكذا امور التزمت الصمت وطوي الملف برمته.

لا يخفى  على احد الصراع السياسي الذي خاضه المناضل عبد الله جابر ضد يماني قبراب ومن حوله خاصة عندما اقترح معالجة بعض الاخطاء الاستراتجية التي تضمنتها وثيقة اتفاقية شرق السودان في اجتماع كان يحضره راس النظام مما اثار حفيظة  الدكتاتورالذي ازاح عبدالله جابر من الواجهة وتلاعب في الصيغة  النهائية للاتفاق وسلم الملف مع كامل الصلاحية ليماني قبرأب وهنا  أضحى من المعتاد أن رأس النظام لا يتعاطى جدياً مع مواضيع استراتجية , نتيجة لذلك و كما نلاحظ اليوم ان اهل الشرق لم يجنوا ثمار هذه الاتفاقية .

في مطلع عام 2008 وعند منتصف احدى ليالي اسمرا الشتوية وتحت جنح الظلام تعرض المناضل عبدالله جابر لعملية اختطاف واعتداء من قبل اجهزة الامن السرية لنظام هقدف اصيب خلالها باصابات بليغة خضع اثرها لفترة طويلة من العلاج ورغم ذلك لم يتخلى عن قناعاته ورفض ان يتراجع وطالب بالعداله والحريه لجميع المواطنين وسعى من اجل انفاذ القانون والتنمية المتوازنة في كافة ارجاء البلاد.

مرة أخرى تعرض لموقف صعب ومؤثر هذا المرة بالانتقام من ابنه البكر قلد((Galad الذي لم يتجاوز عمره 18عام تعرض لمحاولة اغتيال في معسكر ساوا للتدريب العسكري عندما سقطت قنبلة يدوية في سكنته ولكن عناية رب العالمين كانت اقوى من المكيدة المدبرة حيث اصيب قلد بجروح خفيفة جراء الشظايا في قدمه وتوفي احد زملائه الذي كان في نفس المكان.

لا شك إن النظام ينتهج سياسه إقتصادية عرجاء غيرت من مسارات وطمست هويات وقزمت فئة وعملقت فئة اخرى.واثار عبدالله بكل شجاعة موضوع تهميش اقليم الساحل وحرمانه من التنمية الشاملة وتساءل ما ذنب اقليم الساحل الذي لا يزال محروما من جميع انواع المشاريع التنمويه؟ فساحل الصمود حيث لا فرص للتعليم, لا فرص للعمل, لا مستشفيات , لا مدارس , لا تنمية بشرية ,لا ماء ولا كهرباء وكل سبل الحياة الكريمة اصبحت مفقودة! كان ذلك في اجتماع ضم بعض اعضاء اللجنة التنفيذية مع لجنة الاستثمار (يماني,عبدالله,حقوص,يماني قبرمسقل, د.ولداي فطور,وعيسى احمد عيسى)  لمناقشة مشاريع تنموية مقترحة من مكتب الرئيس الذي اسقط  اقليم الساحل من حساباته !

وعلى الرغم من اتفاق البعض او الاختلاف معه الا ان المناضل عبد الله جابر ورفاقه دفعوا ضريبة قاسية لتحقيق مبادئ عادلة امنوا بها وحاولوا تصحيح مسار تجربة كانوا من روادها الا ان النجاح لم يكن حليفهم وساقتهم الاقدار الى زنازين الغياب ويبقى التاريخ هو الشاهد.

 

ابو رضوان

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38552

نشرت بواسطة في يناير 23 2017 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

12 تعليقات لـ “زنازين الغياب وحبائل الذاكرة”

  1. عزيزى تكاس …..
    أولاً لست مخولاً لصنع بطولات لأحد وأظن تعليقاً فى موقع إلكترونى لايصنع بطولة هذا فضلاً عن أننى طالبت فقط بأن ندعوا لهم الحرية ……….
    ثانياً أعلم جيداً بأن من خدم مع الجبهة الشعبية من القيادات كانوا سبباً فيما نحن من ظلم وقمع وقد ذكرت ذلك مراراً وهذه حقيقة لانختلف حولها ..
    ثالثاً فيما يخص بريق المنصب هذه حقيقة كثيرين يحلمون بمنصب وزير او سفير ولو كان فى الواقع مراسلاً وأعتقد الكثيرين الذين يتقلدون مناصب فى الدولة من أبناء المسلمين رغم يقينهم بالظلم لكنهم طالما هم فى وجاهة المنصب على وضاعته مستمرون ………
    بعدين يا أخى ليش الزعل فى مثل بالتجرنية يقول ( إنهى فرس إنهى قلقل ) لك الحق فى مقارعة النظام وهو الان يتربع فى الوطن ولطالما تناضل بالكلمة مثلى فلاتحجر على الأخرين بالرأى فالجميع حر فيما يراه من رأى ….

  2. ارتري

    مقال يستحق القراءة وعنوان أكثر من رائع ..شكرًا الاستاذ ابورضوان ..فك الله اسرهم …التحيه لكل بطل إرتري وهب زهرة شبابه لإريتريا الحبيبه….هم قدمو أروع الامثله في التضحيات وبرهنو عشق هذا الوطن.

    وكل من يستطيع ان يقدم نموزج أفضل عليه ان يبرهن بالعمل ….لان عقود من الكلام من وراء البحار لم ولن يجدي شيء …فقط مجرد ترفيه

  3. حقيقي انهم ابطال حقيقيون ربنا يفك اسرهم

  4. تكاس

    الاستاذ يقول… “بريق السلطة… ووجهة المنصب”!!!! عن أي منصب وعن اي وجبهة تتحدث؟ يبدو أنك لا تعرف الواقع السياسي في ارتريا… هؤلاء جميعا تعرضوا بعد أن فقدوا الوظيفة… جمعوا (يسمى مدسكل)… وأثناء وعودتهم في الوظيفة ما كان لهم لا حول ولا قوة… فكانوا مجرد “مراسلين” ومنفذين لتعليمات الطاغية المعتوه. عندما فقدوا حتى وظيفة المراسل “الطرطور” بدؤوا يرفعوا صوتهم أو يتمردوا… وكانت نهايتهم الاعتقالات ومصير مجهول… هذه هي الحياة المرة… الكثير من الناس يريدون أن يصنعون منهم (ابطال) ولكن تاريخهم يكذب هذا الوهم… وهنا اتحدوا عن السياسيين والمسؤولين…. وليس المناضلين أمثال البطل الشهيد سعيد حجاي… البعض منهم وقف بشدة ضد مجموعة ال 15… ومن مجموعة ال 15 من كان يتطاول على الشعب ويهدد ويوجد ويقول (يقول يد الشعبية طويلة)… فعلا يد طويلة…. حتى طالعه هو وأمثاله من الطرف طير… من اوصل الطاغية افورقي إلى الحكم؟ من سانده؟ من كان يحميه؟ لا ننسى ابدا من ارتكب الجرائم ومن صنعة وساند الطغيان والاستبداد في ارتريا…. اوكما يقال ” من صانع وساعد ظالما…. سلطه الله عليه” هذا هو ما يفعله الآن الطاغية المعتوه…. يتخلص ممن أصله وساعده… عبر العشرات السنين.
    بلاش توزيع بطولات لأشخاص متهمين والبعض منهم يدهم ملطخة بالدماء.

  5. كل قيادى فى النظام الأرترى قال لا لطريقة إدارة الدولة وتعرض للإعتقال يجب أن نحترم مواقفهم وندعوا لهم بالحرية وبغض النظر عن ماضيهم لكننا يجب أن نعتبر مواقفهم الأخيرة صحوة للضمير ولا ننسى أنهم بموقفهم قد تركوا بريق السلطة ووجاهة المنصب ….ولهذا يجب أن يُحترموا …

  6. عبدالرحمن بخيت

    أخي الكريم. شكرا على المجهود. لقد ذكرت في بدايات سردك وبشيئ من اليقين بأن المناضل عبدالله جابر كان إحدى رموز الحركة التصحيحية . هل هذه معلومة أم مجرد تكهن وتحليل شخصي والفرق بين هذه وتلك يقينا لا يغيب عنك. تحياتي

    • الاخ عبدالرحمن …. اسعدنى كثيرا تعليقك … قيادة عبدالله جابر للحركة هى “معلومة “من مصادر موثوقة الى ان يثبت عكس ذلك ساظل معتقدا بصحتها … تحياتى لك ولقراء فجرت

  7. alkhair

    عزيزى ابو رضوان فى مثل هذه الحالات لا نملك الا ان نقول فك الله اسرهم . عندما تعمل فى نظام لا يملك اى مقومات للمسائلة والمحاسبة والشفافية نظام عصابات نتن نظام طائفى عنصرى كان على عبدالله واخواته ان يتهموا بكل ما هو متاح ضد المسلمين من ارهاب وتجسس وغيره كان الله فى عونهم وفك اسرهم

  8. بارك الله فيكم معلومات قيمة جدا مهما كانت أخطاء المناضل عبدالله فهو بطل حقيقي ربنا يفك اسره مع كل زملائه.

  9. ربنا يفك اسره أحيانا معانة المسؤلين لا يفهمها ولايستوعبها الناس عن بعد.ربنا يفك اسره مع جميع المعتقلين في سجون الطاغية.

  10. تكاس

    بعد أن وقع الفأس على الرأس ..!!
    عبدالله جابر والكثير من مجموعة التى تسمى (مجموعة ال 15) مثل بطروس سلمون و شريفو ودرع الخ…. كانوا ذو نفوذ كبيرة وشاركوا في كثير من الجرائم…. بل سكتوا …. و تجاهلوا الكثير من الجرائم… بل هم من صنعوا واوصلوا الطاغية المجرم الى سدة الحكم وحموه. اين كانوا عندما تم تصفية “المنكع” و”اليمين”؟ اين كانوا عندما تأمروا مع “وياني” ضد الجبهة للتخاص من التنظيم الوطني بالتعاون مع وياني (قوات اجنبية)؟
    هؤلاء جميعا كانوا اعضاء اساسيين من النظام القمعي…. لا بد ان يتحملوا مسؤولية ضياع الوطن… فهم مجرمون مثلهم مثل سيدهم المعتوه…. والفرق ربما يكون في الدرجة.
    عندما كانوا في الحكم لم يطالبوا بمحاكمة عادلة للأبرياء… لأنهم…. اما كانوا جزء من النظام وايدوا هذا الظلم…. ام كانوا جبناء ولم يستطيعوا الحديث او الإعتراض سيدهم الطاغية المعتوه الذي صنعوه وكان يتبعوه كالقطيع.
    لماذا التباكي اليوم؟ اليوم هم يحاكموا بنفس القوانين التي صنعوها…
    كفوا عن الصراخ والعويل، فلم تعد الاستغاثة تجدى/ لا ولا الندم يفيد، لا داعي للتأوه، فهذا قدر المهزوم والذين خانوا شعبهم لا يستحقون الا لمثل هذه النهايات… !!
    لا بد ان يقدموا الى المحاكمة جميع المساجين… حتى بعد رحيل النظام… لأن البعض منهم ارتكب جرائم لا تمحى مع تقادم الزمن. نعم…. الكثير منهم متهمون…. شاركوا في جرائم… كانوا مستبدون…. ايدوا القرارات المدمرة للوطن…. لم يتحدثوا عند ظلم واغتيال “الأخرين”…. ولم يتحدثوا ال عندما فقدوا وظائفهم (الوهمية) وعندما همشوا من سيدهم عند انتهاء صلاحيتهم (بالنسبة للطاغية المعتوه).
    ولم يتحركوا الا…. بعد أن وقع الفأس على الرأس ..!!

  11. noon

    المقال مجرد محاولة لتلميع القبيح

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010