عزاءنا بين الواقع والمأمول

القضاء والقدر هو ركن من أركان الإسلام الخمسة فكثير من الناس يتبرم ويتضجر منه ، وهذا من الجهل وضعف الإيمان، والله سبحانه وتعالى لا يقدر لعباده المؤمنين إلا ما فيه خير لهم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، فالله الذي خلق الخلق يعرف ما يصلحهم وما يسوئهم فأحياناً قد يكون في ظاهر قضاء الله للمؤمن ما يراه البعض هو عقاب له ، ولول كشف الله الحجاب عن هذا القضاء الذي قدره لعبده لاستبشر به ولرضي ، فمن الإيمان الرضى بما قدر الله لعباده أياً كان ، فالذي نراه نحن مصيبة هو خير عند الله لرفع مكانة المبتلى في درجات الجنان وقد لا يبلغها هذه الدرجة بعمله فلذلك يبتليه الله بما يشاء من المصائب والمحن حتى يبلغه هذه المكانة الرفيعة في الجنة ، فلا تبتأس أيها المؤمن بمقادير الله بل قل الحمد لله على كل حال . اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها. ولنا أمثلة ومواقف كثيرة في العهد النبوي ومن ذلك قصة أم المؤمنين أم سلمة عندما توفي زوجها أبو سلمة قيل لها استرجعي فقالت (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، وإنا لله وإنا إليه راجعون) ولكن في قرارة نفسها قالت من يكون خير لي من أبي سلمة ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من أبي سلمة ومن كل البشر.
وأيضاً تلك المرأة التي كانت تقف عند قبر طفلها وتبكي فرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها اصبري واحتسبي فقالت عليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولا تدري المسكينة أنها تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانصرف عنها رسول الله، فقال لها الناس ويحكي لا تدرين من تكلمين إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت إليه معتذرة فقال لها إنما الصبر عند الصدمة الأولى. بمعنى يجب الإنسان أن يسترجع بعد المصيبة مباشرة حتى ينال الجزاء الذي وعده الله له، وأيضاً قصة أم سليم وأبو طلحة حيث كان لهما ابن مرض مرضاً شديداً فحين يأتي أبو طلحة من خارج البيت يسأل زوجته عن حال الطفل فتطمئنه وتقول أنه اليوم بخير وأفضل وفي تحسن، ثم توفي الطفل ثم غطته أم سليم بالثوب فجاء أبو طلحة وكعادته سأل زوجته عنه فقالت له قد هدأ اليوم ولا يدري أنها تعني أنه مات، فتصنعت له كأجمل ما تتصنع المرأة لزوجها فأصاب منها في ليلته. وعند بزوغ الفجر اخبرته أن يحتسب ابنه، فغضب أبو طلحة غضباً شديداً فقال لها تركتيني حتى اتلطخ بك ثم تخبريني عن ابني، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكياً، فقال له رسول الله بارك الله لكما في ليلتكما تلك حيث رزقهما الله طفلاً جميلاً فذهب به أبو طلحة إلى رسول الله فحنكه بتمرات ودعا له فكان من عباد الله الصالحين.
والله سبحانه وتعالى كتب الفناء على كل مخلوق بما فيهم الإنسان قال تعالى لنبيه (إنك ميت وإنهم ميتون) فلا يبقى على وجه الأرض مخلوق حي (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) ولو كان أحد يخلد في الدنيا لكان ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة الباقية على الفانية.

والموت حق فلا مفر منه إذاً فلتكن حياتنا القصيرة وفق أوامر الله وتعاليمه حتى تكون حركاتنا وسكناتنا فيها على ما يحب الله ورسوله ، ولكن الشيطان وهوى النفس يتمكنان أحياناً من النفس ويزينان لها سوء القول والعمل ، وكثير ممن يتبع هذا الضلال. نسأل الله العافية.

وللأسف الشديد لدينا الكثير من المخالفات الشرعية خاصة في تقديم واجب العزاء وما يترتب عليه من والحقوق والواجبات للميت وللورثة.

1- قبل دفن الميت يجب معرفة ما له وما عليه من الديون وهذا يغيب عن الكثير حيث ينشغلون بالدفن وإجراءاته وهذا أمر خطير والرسول صلى اله عليه وسلم لم يصل على رجل من الصحابة عندما علم بأن عليه دين فقال للصحابة صلوا على صاحبكم ولكن تدارك الأمر أحد الصحابة وقال عليّ يا رسول الله أي هو يقضي دينه عنه فحينها صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتابع قضاء الدين مع الصحابي حتى قضاه فقال حينها رسول الله الآن قد بردت جلدته يعني كان يعذب حتى يقضي الدين عنه، وهذا يبين مدى خطورة الدين ولكن الكثير يتساهل فيه جهلاً أو نسياناً.
3- التعجل في الخروج من المقبرة بعد التدفن وهذا خطأ شائع بين الناس والميت في هذه الحالة أشد ما يكون إلى الدعاء والتثبيت فالأصل أن يقف المشيعون على الأقل إلى نصف ساعة يدعون لميتهم كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فَرَغ من دفن الميت وقَفَ عليه، وقال: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآنَ يُسأَل. .
4- زيارة القبور سنة للرجال دون النساء، على الصحيح من قولي العلماء، وهي للعظة والاعتبار وتذكر الموت والدعاء للأموات بالمغفرة والرحمة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعلم أصحابه رضي الله عنهم، وليست للاستغاثة بالأموات والتبرك بهم وطلب الشفاعة منهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) رواه مسلم في صحيحه، ولكنه صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية ، ولفظ آخر: « يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين »
2- كتابة الوصية وهذه يفرط فيها الجميع وتأتي أهميتها من أنها تحفظ حق الميت وحقوق الآخرين ، وكان الصحابة رضوان الله عليهم لا يبيتون ليلة إلا وقد كتبوا وصيتهم، لأنهم لا يدرون متى تكون منيتهم.

3- تأخير توزيع الإرث بعد الوفاة وقد تمضى سنوات ويموت خلال هذه الفترة بعض الورثة وتنتقل الأمور إلى ورثة الورثة مما يعقد توزيعها فالأصل التعجيل وعدم تأخير توزيع الإرث.

4- عدم العدل في توزيع الإرث بين الذكور والإناث فيجب الانتباه لذلك ففي الغالب تُحرم الأنثى من الإرث أو يجحف في حقها ولم تعطى حقها كاملاً خاصة إذا كانت متزوجة من خارج الأسرة
5- من الظواهر العجيبة إقامة الولائم أيام العزاء وهذا مخالف لما كان عليه الرسول ومن بعده صحابته والتابعين من سلف الأمة وهو من البدع التي أحدثت مؤخراً والذي كان عليه السلف في خير القرون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما استشهد جعفر بن أبي طالب (اصنعوا طعاماً لآل جعفر فقد أتاهم ما يشغلهم) أي طلب أن يصنع الطعام لأهل الميت، والذي نراه الآن أهل الميت يصنعون الطعام للمعزين وهذا مخالف لأمر الرسول، والخطورة تكمن إذا كان هذا الطعام من أموال الورثة فهنا المصيبة … وقد شاهدنا وللأسف التنويع في الطعام من لحوم وعصائر بل رأينا الفواكه والألبان كأنها مناسبة زواج .. هذه المبالغ التي تصرف في هذه الأطعمة كان أولى بها الميت أن يتصدق بها عنه في الأوقاف من حفر بئر أو بناء مسجد أو أي مشروع خيري يعود أجره عليه في قبره وهو أحوج ما يكون للأجر .
6- بعض عبارات العزاء غير صحيحة مثل قراءة الفاتحة مع رفع الأيدي ، وعبارة البركة فيكم، كأن لم تكن بركة في الميت فالأصل الالتزام بما شرع لنا رسول الله ولكم في رسول الله أسوة حسنة فتستبدل العبارات بالآتي ( أحسن الله عزاكم ، رحم الله ميتكم،إن لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى) وهكذا من الأدعية المأثورة .
.7- الجلوس الطويل عند أهل العزاء أحياناً يستمر ساعات فلا يجوز التطويل إن لم يكن هناك ضرورة، وكثير من الناس يستأنسون في مكان العزاء وتسمع الضحك والنكات وكأنك في استراحة زواج فيجب احترام مشاعر أهل الميت وليس بالضرورة أن يكون العزاء في استراحة بل يبدأ العزاء بعد الوفاة مباشرة فيمكنك أن تعزي في المسجد أو المقبرة أو البيت.
8- الحذر من رفع الصوت بالبكاء مع ما يصاحبه من العبارات الاعتراضية والشركية على قضاء الله وهي تصدر من بعض النساء جهلاً وهذا أمر خطير يجب التنبيه عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوة الجاهلية) وعندما توفي إبراهيم ابن نبينا محمد دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما سئل قال هذه رحمة فقال: (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون).
9- وكلاء الأيتام يجب أن يحذروا أن يأخذوا شيئاً من أموالهم تحت أي ذريعة بل يحفظوا لهم أموالهم حتى يشبوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)
10- بعض الورثة وللأسف يعطلون تنفيذ وصية الميت بل الواجب أن يبادروا بتنفيذ الوصية ، بل عليهم أن يتصدقوا عليه من أموالهم إن لم يكن له وصية ومال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولداً صالح يدعو له).
11- والكثير منا ينسى أن يسترجع عند حصول المصيبة مباشرة بعد الوفاة بأن يقول ” إنا لله وإنا إليه راجعون” اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها . فالله ذو الفضل العظيم يخلفه خيراً كما أخلف أم المؤمنين أم سلمة عندما توفي زوجها أبو سلمة استرجعت فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير لها من أبو سلمة.
12- الإكثار من الدعاء للميت في كل وقت وحين.. وهو أكثر ما يكون في حاجة إليه.. بعد موته وانقطاع عمله من الدنيا.
13- البعض يفرط في تقديم واجب العزاء بحجة أنه لا يعرفه وليس له بقريب وفي الحديث” من عزى أخيه المسلم بمصيبة فله مثل أجره” فعلينا استشعار هذا الثواب العظيم. والله أسأل جلت قدرته أن يجعلنا من الذين يتبعون القرآن والسنة ولا يبتدعون وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خاصة لوجهه الكريم،.. وكلنا ذلك المقصر ولا أبريْ نفسي من هذا التقصير.. (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا أصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).

 

بقلم / حسين رمضان

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42890

نشرت بواسطة في مارس 15 2018 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

3 تعليقات لـ “عزاءنا بين الواقع والمأمول”

  1. أولا جزاك الله خيراً أخي على التصحيح وفعلاً سبق وأن اكتشفت الخطأ وتم تعديله ولكن للأسف عند ارسال الموضوع ارسلت الملف غير المعدل .. على كل حال لك اشكر على التوجيه .. ثم للفائدة أنا إني لست علاماً ولا أدعي ذلك بل أسعى في سبيل تحصيل العلم ولي اهتمامات بسيطة بالكتابة والتحليل في المواضيع الاجتماعية بالدرجة الأولى من منظور شرعي .. وكما أن الخطأ والنسيان دائماً من سمات البشر .. أسأل الله ان يتجاوز عنا في تقصيرنا آمين

  2. smn

    لكل جواد كبوة ولكل عالم زلة وزلتك أنك ذكرت أن القضاء والقدر ركن من أركان الإسلام الخمسة وهي ركن من أركان الإيمان الستة

  3. smn

    جزاك الله خير وبارك الله فيك ونفع بعلمك يا أخ حسين رمضان
    (نحسبك عالمًا ولانزكي على الله أحدا) كلام قليل لكن نفعه كثير لو طبق ويا حبذا لو تطرقت لمسألة بعض البدع التي تحدث في عزائنا كإرتيرين من قراءة (يس) وغيره وأنا لم اذكر إلا هذه لأنها أكثرها شهرة

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010