علمنة الدولة في إرتريا بين الإفراط والتفريط

ادريس أبوبكر جميل
إن مفهوم العلمانية  على المستوى النظري وقع بين رؤيتي التقاطع والتواصل، فالأولى تجعله ضدا للدين وتعتمد أيديولوجية المقاطعة الرافضة للقيم والأفكار الدينية رفضا مطلقاً، وتجعل من العلمانية فلسفة للوجود تنظر من خلاله إلى الكون والحياة والأخلاق والقيم، ومشكلة أصحاب هذا الاتجاه أنّهم يتجاهلون الدور التجاوزي للتطوّرات الماورائية، والقيم الأخلاقية، وأثرها في حركة التطوّر الاجتماعي والسياسي، وهذه الرؤية مرفوضة من قبل أهل الديانات لمخالفتها مصائر الوجود، والمقاصد الكلية للحياة. أمّا الرؤية الثانية  تجعله مفهوماً حياديّا يختزن التواصل ويبقى بينه وبين الدين هامش للجدل. ومن الناحية العملية فإن هذا المفهوم يخضع لذات المشتغل به والمقاصد من ورائه، لذا يجنح أحياناً للتطرف والرفض القيم الدينية ويلجأ أحايين أخرى للتعايش معها والفرق بينهما أن الرؤية الأولى تأخذ العلمانية كمبدأ وفلسفة بينما، الثانية ترى العلمانية كوسيلة    يمكن الاتفاق عليها لأن تكون أداة للتعايش بين المجتمعات غير المتجانسة  إذاً فإن التفريق أمر ضروريّ بينما هو وسيلة، وما تحول من وسيلة إلى مبدأ وفلسفة وليس كل من يقبل بالأولى يقبل بالثانية، فالمؤسسات الدينية في الغرب عموما  قبلت بفصل الدين عن  الدولة كوسيلة مع بقاء استقلاليتها، ولم تقبل بما أعطي للعلمانية من الاعتبارات الفلسفية من قبيل النظرة للكون والحياة والقيم الأخلاقية وغيرها .
وبالعودة إلى الواقع الإرتري وأسقطنا فيه ماسبق فسنجد اتجاهين اثنين  للتعامل مع هذا الموضوع:
اتجاه يرى الفصل بين الدين والسياسية فصلا بائناً ولا علاقة بينهما البتة. ويتبنى هذا الاتجاه: النظام الحاكم ، والمجموعات المتفرعة منه وآخرون.
واتجاه آخر يرفض العلمانية وحتى نقاش هذه المسألة غيرمطروح لديه، وهذا الاتجاه يشمل القطاعات المتدينة من الشعب، والمؤسسات الدينية بما فيها المسيحية كما يقول برخت هبتي سلاسي، و  الاتجاهات الإسلامية السياسية،   .
ومشكلة الاتجاه الأول على الرغم من أنّه يدعو للفصل لا الوصل بين الدين والسياسة فإنه في الوقت نفسه يمارس على الأقل خلال أربعة وعشرين عاما الماضية عملية سيطرة المؤسسة السياسية على المؤسسات الدينية، وحرمها من أية استقلالية،بل يعيّن على رأسها من يريد، ويدعم من يريد، ويحرم بعض المؤسسات من الدعم حتى من دعم الخيريين لها ويأمم ممتلكات البعض ويغلق أخرى، إذاً  كيف يستقيم فعل الفصل والسيطرة في آن واحد؟ إنّها السلطة المطلقة التي لا يوجد فيها ضابط يقيّد ويقنن تصرفاتها.
أمّا  الاتجاه الثاني فلم تتشكًل لديه الرؤية  الكاملة الرافضة  للعلمانية، كما أنّه لم يفسح عن البديل المناسب الذي يراه، إضافة إلى ذلك فإنّ الواقع الدولى والإقليمي وأدوات القوة والنفوذ ليست لصالحه. وعلى العموم  فإن الدين  في إرتريا لم يكن طرفاً في الصراعات لذاته لكنه استخدم سياسياً لتقويض الآخر رفضاً أو إقحاماً وسيتعرض هذا الموضوع إلى جدال واسع من التيارات المختلفة، وقد لا يحسم إلا بالتحاكم على الشعب في جوّ ديمقراطي حرّ ونزيه وبعبارة أخرى فإن التحاكم في الفعل الاجتماعي هو السبيل الصحيح الذي يستنطق من خلاله الأنماط المعيارية المناسبة لكل خصوصية مجتمعة من جهة، وتفضح الأسلوب التجريدي الوصفي والتعميم الأيدولوجي الذي ينطلق من مركزية ثقافية لتشييد منظومات متعالية في البيئة الاجتماعية السائدة من جهة أخرى.

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35926

نشرت بواسطة في نوفمبر 27 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “علمنة الدولة في إرتريا بين الإفراط والتفريط”

  1. تسلم الأستاذ إدريس ابوبكر جميل مقال علمى وتعليمى الموضوع يحتاج إلى توسّع وتحليل ولكن فى النهاية هو موضوع جديد قديم فلى إرتريا لأن تجربة الحكم الذاتى أقصد حكم إرترى للإرتيين لم تتجاوز عشرة أعوام وما نحن فيه اليوم أسوء تجربة… وفيها ما فيها من ظلم وجرم ولكن واضح فيها تستعمل مسألة فصل الدين عن الدولة بشكل تعسفى ومصلحى ولا يرتكز على أىّ مصداقية…. نحن محتاجون وخاصة الجانب المسلم مع مراعات الوضع الدولى والإمكانيات الذاتية لإحداث لتغيير… يجب أن نكون مرنين حتّى نبنى قاعدة فى الداخل وبناء القوة الذاتية ولجلب التغيير المنشود عبر الحوار
    شكرا مرة أخرى للأستاذ إدريس أبوبكر جميل ونقول هل من مزيد فى نفس المواضيع الحيوية …

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010