كيف نتوحّد؟؟ (1)

بقلم: بشرى بركت

  1. قد نقول بالآمال أنّنا أُمّةٌ موحّدة، ولكنها ستظل وحدة الآمال والأحلام بعدما أصابها من عطب، جوهره الظُّلم المُوجّه نحو مكونات معينة لصالح مُكوّن أُريدت له الهيمنة، ممّا قد يعني ذلك ضمناً ظلمٌ لهذا المكوّن ذاته بوضعه في عداوة دائمة مع من سيبقى معه في هذا الوطن وله ذات مصير أهله في قادم الأيّام. وعليه فإنّ العمل على تنقية هذه الأجواء ودرء ذاك الظّلم المستفحل يجب أن يتصدّره أهلنا ممن يَدّعي الحُكّام أنّهم يعملون لتحقيق هيمنتم على هذا الوطن، وعليهم العمل على إعادة طرح السُّؤال المحوري الذي يطالب بأسلوب عملي لتحقيق وحدة القطر والشّعب بالعودة للأصل الذي وجد من خلاله الكيان الإرتري، وجوداً طبيعيّاً متدرجاً، لم تفرضه مصالح المستعمر الأوروبي كما هو الحال في باقي دولنا الإفريقية.
    قد أرى البعض منهم سعيداً بهذا الظلم وقد يكون البعض الآخر قد تمادى في مشروع الظّلم حتى المُطالبة بالإستئصال التّام، وقد يكون بينهم من أفاقتهم أزمة تلاشي مشروع تقراي تقرنيي على أسوار الجشع فيمن يكون سيّدَ هذا المشروع فيما جرى من حرب إساياس وملس ومن ثَمّ أرادوا أن يعيدوا إرتريا إلى الوضع الطبيعي لها في أن يعيش أهلها في وئام وسلام بعيداً عن الجشع والظلم المنظم الذي نظّر له ولدآب وعمل على تحقيقه واقعاً إساياس وملس، تلكم الفئة الأخيرة هم من قد يعمل معنا على تحقيق العدالة ودرء المظالم، ثُمّ بناء وطنٍ سيّدٍ ديمقراطي ملؤُه الوئام التّام بين مكوّناته.
    قد أبدأ معكم سادتي بشيء ممّا قد يُساعد في سبيل الإجابة على السُّؤال الذي يُعَنون حديثي إليكم اليوم، إذ أنّنا أحوج ما نكون للمُضي قُدُماً بعد تأكيد وحدتنا الشّعبية والقُطرية في آنٍ واحد، ثُمّ المسير نحو وطن ديمقراطي يضمن كلّ الحقوق لكل المُواطنين ويُحقّق التّساوي المُطلق بين الثقافات والمعتقدات.
    الأمر كلّه أحبتي، يكمن في كيفية بناء أساس لوطن ديمقراطي لا مجال فيه للإقصاء والهيمنة.
    وعليه فعقيدة الوطن الواحد الإرتجالية التي لا تعتمد إلّا بحار العواطف وهدير أمواجها، مع العلم بأن كلّ أمواج البحار تنكسر عند الصخور ساكنة الضّفاف، دائماً لا تتزحزح عنها مهما كانت الموجة عاتية، تلك العقيدة، سادتي، لا تساعد على حلّ ما نعانيه من أزمات بقدر عملها على هدم المستقبل لصالح لحظات ربّما لا يَتَبَقَّى منها عدَا بعض اللقطات الفوتوغرافية وبعض الوُريقات التّافهة. وعليه فإنّ السعي لتغيير النّظام في حدّ ذاته ليس هدفاً إذ أنّ التغيير غير الشامل للفكر والمفاهيم والذي قد يحدث بموجب السعي الطاغي اليوم على السّاحة، لن يغّيّر شيئاً في واقع المظالم التي نعاني، وعليه فالسّعي لتغيير المفاهيم .ووضع برنامج وطني يعيد إرتريا إلى أهلها أدعى وأكثرّ إلحاحاً
    لا أثبّط الهِمم أحبتي – بقدر شحذي لها لكي تفيق وتتعامل مع الواقع المعتمد على إقصاء طرفٍ لكلّ باقي المكوّن المُؤسّس لهذا المجتمع.
    رُبّما حاولت المرور عبر هذا الأمر في كل سطرٍ وجهته، قبل هذا اليوم، لنفسي ثُمّ إليكم سادتي، فنحن أمام مفترق طرق إمّا أن نستسلم ونسلّم الفئة الباغية أمر رشدنا، أو أن نعترف بالواقع ونتعامل معه بما سيجلب لنا حقوقنا المسلوبة – مواطنين في كلّ ربوع هذا الوطن، إنطلاقاً من المبدأ النّبوي القائل – أُنْصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً – فنُكمل بموجب الحديث، بنُصحِنا للفئة الباغية بالعودة إلى رُشدها وتحمّل مسؤولياتها ومن ثَمّ إعادة الحقّ إلى اهله، والنّصح المقصود هنا هو الّذي نعرف بشتّى وسائله المتدرّجة حتى الإجبار بالقوّة.
    بلدي وبلدكم سادتي منزُوعة المُواطنة اليوم، الكلّ في الهمّ سواء في هذه اللّحظات، مما يجعل التّعريف للمشكلة الآنية سهلاً، أمّا مشكلة المشاكل فهي إقصاء طرف ما لصالح طرف آخر فهذه قضية المجتمع الأكبر وقد يبدأ مشروع الخروج منها بالإقرار بأنّ شرط الوحدة الأوّل سيكون إخراج الأجانب الذين يتربّع جزء منهم على عرش السّلطة اليوم من حسابات المواطنة ومن ثمّ يخرج من حساباتنا إلى الأبد، وقد يُسمحُ له بدخول أرضنا بموجب تأشيرة دخول قد تقبل أو ترفض حسب النّظام المُتّبع، لا مبالغة في ذلك.
    لا أدري إن كنتم تَتَذَكّرون قانون الجنسية الذي بموجبه تم تحديد من سيُستفتَى لإستقلال إرتريا من عدمه، هذا القانون سادتي، يقول أنّ كل من أتى إلى إرتريا وتواجد فيها بشكل دائم قبل العام 1933 فهو مواطن إرتري من أصول إرترية، وأنّ من تواجد في إرتريا بشكل دائم مابين العام 1934 والعام1951 ولم يرتكب اي جرم ضد الشعب الإرتري ونضالاته من أجل التحرّر فيحقّ له الحصول على الجنسية الإرترية بالتجنّس، أمّا دون ذلك وبحسب القانون 21 للعام 1992 فلا يحقّ له الحصول على الجنسية الإرترية إلا وفق ترتيبات معينة.
    بالرّغم من عدم إتّفاقي شخصيّاً مع تلك البنود، ذلك لأنّ المُكوّن الإرتري كان قد اكتمل قبل هذا التاريخ بعقود، إلّا أنّني أقبل به إضطراراً – لإعمال المِصفاة التي أراها ضرورية في وضعنا الحالي، وبموجبه قولوا لي أعزّائي المُتابعين، من يبقى في “عداقا-عربي” في أسمرا أو “قزا-ورقت” في كرن مثلاً، ثُمّ أنظر الى أغوردات، قف بعد ذلك إلى حالة السُّخريّة المُؤْلمة التي تجدها في تسني، وما في المرتفعات وبالأخص في أكّلي – قوزاي وسرايي أكثر إيلاماً.
    لا أطلب منكما الحزن والبكاء على الأطلال، يا عزيزي الإرتري ويا عزيزتي الإرترية، فلا مجال للنّحيب اليوم، إذ أنّ أمامنا عمل شاقّ، بعيدُ المدى، وليس الجهد السائد الذي ترون في مسألة تغيير إساياس بفليبوس أو منقريوس على سبيل المثال. نحن نريد إرتريا بمكوناتها الأصلية، ثم بعد ذلك ديمقراطية تتسم بالعدالة والمساوات بين تلك المُكونات والحُرّيات الكاملة.
    هذه الرّسالة أحبتي، والتي ستكون مُوجّهة إلى المُواطن الإرتري، لا يهم من هو وما معتقده وأين موطنه، لا تحتمل أيّ قدر من التّنازل الذي قام به أهلنا ممن غُرِّرَ بهم بناءً على المُعتقدات التي سطا عليها النظام الكهنوتي في إثيوبيا حينها، فاليوم الوضع مختلف فلا قدسيّة لحاكم إثيوبيا تجعل الكنيسة تزجُّ به في صلواتها كما كان سابقاً، ومن ثَمّ يكون حكم المُواطن الإرتري أولى وسطوته أدعى، ثمّ أن الوضع العام اليوم يُفترض أن يكون سياسياً يضمن الوحدة القُطرية للوطن وذلك بالإعتذار عن الظلم السّابق، ورفع الظّلم الحالي، ثم بناء دولة العدل والقانون والحكم الرشيد على اساس يستحيل معه بناء ظلم لاحق- إستنادا على ظلم سابق ودعم قد يأتي من أي كيان من الجوار الجائر.
    ولفهم حقيقة الوضع في سابق عهدنا قد نعود إلى الطريقة التي تفاعلت بها مكونات الشعب الإرتري عبر التاريخ وكيف أنّها كانت مترابطة بالدّم والمصير المشتركين، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما ذكره المناضل الأستاذ محمد نور أحمد في موقع فرّجت في إطار قراءته لكتاب عندي برهان ولدقرقيس، إذ يؤكّد أنّ الرأس ولدي ميكائيل سلمون في حماسين وبهتا سقنيتي في أكلي قوزاي. وعندما استعصت عليهما المقاومة لجأ الأول “ولدي ميكائيل” إلي أبناء عمومته بيت طوقي من البلين في حلحل فاحتضنوه، ولجأ “بهتا سقنيتي” الي أبناء عمومته كذلك بيت أسقدي من الحباب في الساحل الشمالي.
    ما يعنينا هنا ليس من يقرب لمن، بقدر ما يعنينا أنّ رؤوس حماسين وأكلي قوزاي كانوا على تواصل مستمرّ مع أهلهم وبني جلدتهم في باقي المكوّن الإرتري قبل السّطو على العمل السّياسي من قِبَل الكنيسة وتسليمها بالملوك الإثيوبيين حكّاماً مُرسَلين من الله.
    التّدفّق السّكاني بين المكونات الإرترية والتّمازج الشعبي على مدار التاريخ لم يكن لتعترض طريقه إلّا إنتقائية حكام التّقراي ومخادعتهم سابقاً ولاحقاً، ممّا قد يدعونا إلى فتح مُواجهة بين آخر من حكم أجزاء كبيرة من إرتريا الرأس ولدي ميكائيل سلمون قبل الإستعمار الأوروبي – الإثيوبي وأول حكام إرتريا بعد الإستعمار، إساياس أفورقي، إذا سّلمنا أنّ أهله قدموا إلى إرتريا قبل العام 1933 بحسب قانون الجنسية الذي سنقبل به على مضض حلّاً لطارئ المُشكلات.
    هذه المُواجهة ستكون مِحوَرَ حديثنا في الأُسبوع القادم تحت ذات عنوان اليوم، إنشاء الله.
    وبالعودة إلى موضوعنا المؤكِّد لوحدتنا التأريخية التي أتت بالتّمازُج العرقي فلنا أن نقرّ شيئاً هامّا، هو أنّنا شعبٌ واحدٌ، وليقف كلٌّ منّا ولينظر إلى أقرب جدّه وجدّته ووالديهما ولن يكون كاذباً إن وجد في أصولهما ووالديهما مُجمل المكوّن الإرتري. فنحن شعبٌ وُجِد في موطنه وتمازج وتوحّد فيه بشكل طبيعي.
    أمّا بواقي خدّام بلاط يوهانّس وتابعه هيلي سلاسي السّاعون على مدار التاريخ لإقتطاع جزء من شعبنا والزّجّ به في الكيان الغريب عليه، سواءٌ كان إثيوبيا الكبرى أو دولة التقراي تقرنيي المُدّعاة، رُبّما يكونوا قد حقّقوا بعض التّقدُّم في سابق الأيّام حين سُلبت الكنيسة إرادتها لصالح حاكم إثيوبيا، ثُمّ سُلبت إرادة المواطن بتغليب الإنتماء العقدي في حياته على الإنتماء الوطني والموروث الإسترتيجي الدّاعم له، فلا أمل لهم في إرتريا المستقبل الواعية بأهميّة تماسك أهلها، والسّاعية للتوحّد والتّمازج أكثر فأكثر. ولتأكيد غرابة الوضع المؤلم الذي كانوا يدّعون فأذكر لكم أنّ من سُخرية القدر نجد أنّ الكنيسة المصرية التي كانت تحكم وتتحكّم على الكنيسة الإثيوبية آنذاك، كانت تعمل على مبدأ “الدين لله والوطن للجميع” !!! وفي هذا بعض الخلل الذي قد يحتاج منك لشيء من التحليل والإخضاع لمنطق المكان والمصالح المُتوقّعة.
    أمّا اليوم سادتي فكلّ شيء إتضح للرؤية بالعين المجرّدة دون جهد تحليلي أكبر، وأنّ الفقاعات التي ترون هنا وهناك ستظلُّ فقاعات تتقاذفها نسمات الهواء الهادئة هنا وهناك حتى تأتي إلى مصيرها المحتوم – الإنكسار أو التحلّل دون أي صوت يذكر اليوم أو أي تاريخ يبقى لقادم الأيام.
    Bush.bark@outlook.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38695

نشرت بواسطة في يناير 30 2017 في صفحة البشرى, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

3 تعليقات لـ “كيف نتوحّد؟؟ (1)”

  1. Ali

    كيف نتوحد يابشري والفطريات تتكاثر مرة تتحوصل في قبيلة ومرة تتاجر بالدِّين ومرة تنخفض تحت الارض وتحارب كل ماهو قائم ..انت تحلم احلم لسع الأحلام ممكنة

    • بعالي الهمم تعلو فوق كل منخفض يا علي.. ارفع مستوى الهمة عاليا يضاهي مستوى الهم، واحرص على ان لا تخطئ الهدف.. فهو من راس قيصر الى راس دوميرا، واترك للقاع اهله واحلم ثم اعمل فأعلوا فوق السحاب ..

  2. 4

    ….و وفق تلك الترتيبات المعينة ربما نال اسياس الجنسية الارترية ونال وسينال التجراي الجنسية الارترية لذا يجب على أية حكومة وطنية تأتي على أنقاض هذا النظام ان تفحص وتتاكد من شرعية جنسيات أناس كثر اتوا من جنوب نهر مرب.

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010