متى سيكون الإحتفال في بادمي؟؟

 

“ودنك منين يا جحا” مقولة مصريّة تعبر بدقّة عما يجري في الساحة الإثيو-إرترية على اعتبار أنّهما يفتعلان الحل بعيداً عن المشكلة الفعلية (بالضبط كما افتعلا المشكلة حين بدأت بعيدا عن أسبابها)، حيث كان الإدعاء أنّه كانت بين البلدين مشكلة قطعة أرض تقاتلا بسببها لعامين ودمرا مصائر بعضهما لعشرين عاما لاحقة وأزهقا عشرات الآلاف من الأرواح وأضاعا مستقبل الملايين من الشباب وأعادا البلدين المتخلّفين أصلاً إلى ما يشبه حال العصور السحيقة. كل هذا بسب مشكلة واحدة وهي السيادة على منطقة “بادمي”. فهذا إساياس إرتريا يقول “خروجنا من بادمي يعني أن الشمس لن تشرق أبداً” ويقول أيضاً “لن يكون حديث عن أي شيء قبل خروج القوات الإثيوبية من بادمي ورفع العلم الإرتري فيها” وذاك ملس إثيوبيا يؤكد أنّ “بادمي رأس إثيوبيا الذي لانسمح بفصله عن باقي الجسد الإثيوبي” وهذا د. دبرطيون يؤكد أن لا فصال في السيادة على بامي و“أنّ من يقول أنّ الأمر قد انتهى فليأت إلى بادمي ويرى بأم عينيه”.

هل من فصام بعد هذا!! وهل من سخف واستخفاف أكثر من أن تقوم بدراما “زالامبسا” وإيجار مئة فرد من التقراي وإجبار مئة آخرون من إرتريا وتأمرهم بأن يجروا باتجاه بعضهم البعض (لزوم التصوير) ليتعانقوا وتحاول صناعة نهاية درامية بلقاء الشعوب وتدّعي تعانق أمهات القتلى (ربما إلى لقاء آخر في قتل ما تبقى من أبنائهن!!!!!)، رغم أنّ هذه الصورة رسمت بخيالي حال ذات المنطقة في السابق حين كانت تلتحم الجيوش وفي أيديها السيوف والرماح فهو ذات الجري وهي ذات التضاريس وهو أيضاً ذلت الإنسان!!!

وعلينا هنا أن لا نمرّ دون أن نسأل هؤولاء القادة أصحاب “لِبِّي …..” هل يدور بخلد أي من صناع هذه الدراما المتخلفة “أنّ الشعوب لا تعقل حقيقة أنّ من بادر وأصر واستمر في صناعة الأزمة وأباد الشباب والشابات، لا يحتمل أن يكون ملاكاً وصانعاً للسلام، بل أنّ طريق السلام يبدأ من مساءلته ومحاكمته ثم تحمله كامل مسؤولية الأزمة وتبعاتها واعتذاره للشعوب عما فعله بمصائر أبنائها”.

السلام، أيها البلهاء، يبدأ بإنهاء سبب الأزمة الذي هو “بادمي”، وبما أنّكم قد قبلتم بقرار التحكيم فالإحتفال يكون في “بادمي” حين التسليم والتسلّم، فهناك علمٌ قد تمّ وطؤه بالأقدام ليرتفع مكانه آخر، وهناك نشيد وطني قد خفت ليتم ترديد نشيد وطني آخر في احتفال رسميّ بتحقيق مهمة استرداد المنطقة سبب الأزمة في رمزية لاكتمال المهمة العسكرية بارتفاع العلم الإثيوبي في سارية ما في “بادمي”. الإحتفال في غير “بادمي” إذن يعتبر كذبة كبرى ولن تنطلي على أحد إلّا أن يكون المحتفلون قد تجاوزوا حدود الأزمة سعياً وراء تحقيق مشروع أكبر من مشكلة “بادمي” وأزمتها مما يعني تطويراً للأزمة وتصعيداً لها وإعدادٌ لحرب أخرى أكثر فتكاً. ولهذا دلائل ربما يكون سردها أفضل من التغافل ومن ثم البكاء على الأطلال. ولنبدأ ببعض اللقطات وربما بعض المصادفات التي لايمكن أن تترك دون الإشارة اليها.

 

زمن يوهانس

السنة القئزية الجديدة تسمى بزمن يوهانس بحسب التراث الأورثودوكسي، ولكن يبدوا أنّ المناسبة والإحتفال والمحتفلين أيضاً لهم نصيب من هذا، سواءٌ كان ذلك مقصودا أو بمحض الصدفة. فالأمر لن يكون سهل المرور حيث أتى اليوهانسيون جميعاً لتحقيق أملهم في منطقة زالامبسا، ظاهر أجنداتهم مختلف وباطنها متوافق حدّ التلاحم، ذات أمر علاقة الشعبية والوياني يوم أن اختلفا فتقاتلا وأبادا عشرات الآلاف من البشر وأضاعا للشعبين أي أمل في المستقبل، حيث كان الخلاف بينهما على كيفية دمج مشروعيهما وليس على فكرة الدمج في حد ذاتها.

في هذا العيد المسمى “تغيير الزمن” تغيرت الخريطة في أكّلي قوزاي بغياب أحفاد “بهتا حقوس” الذي جابه الإنتماء اليوهانسي من أجل الإنتماء الإرتري، وحضر أحفاد “يوهانس” بقضّهم وقضيضهم واختُرِل أحفاد “بهتا حقوس” في اليوهانسي “إبن تمبين ونجله” لا أكثر.

 

الأقازيان – حضور مشهود

(جبل صهيون – دبرطيون) كان اللاعب الأساسي والإحتياطي في دراما الحدود حيث دفع بالأقازيان إلى داخل التراب الإرتري في مرآى ومسمع من إبن تمبين ونجله ليحطم في وجههما الشاحب بالكذب والنفاق والتدليس أي أسباب للتمثيل على الشعب الإرتري، ويؤكد لهم أنّ سبب الخلاف الرئيسي ما زال موجوداً، وأن السيادة لفكرة “تقراي تقرنيي” التي تخرج من “مقلي” فقط، ولن يكون لإبن تمبين (ناكر أصله) أي مكان فيها، ذلك لأن عليه الإعتراف بأصله اليوهانسي جهاراً نهاراً حتى يكون له دور في دولة الأقاعز القادمة، ولن يكون له أي دور في وجود فرعي الصهاينة الأقاعز في الداخل متمثلاً في دبرطيون وفرعه في الخارج متمثلاً في (تسفاطيون – أمل صهيون).

في مسرح زالامبسا، كان لقاء إبن تمبين المدعو إساياس أفورقي والآخر إبن شري إندا-سلاسي د. دبرطيون قبري-ميكئيل، كما كان متوقعاً، معبراً عن حقيقة ما حدث ويحدث، واشياً بخلفيات الأزمة ومئالاتها، فالرّجلان هما الوحيدان في احتفالية النفاق الواقفان عند النقطة “يوليو 1997” حين تفجر الخلاف على خلفية من يتصدّر مشروع “تقراي – تقرنيي” باعتبارهما الوحيدين في هذا المحفل الوهمي العارفين بالأزمة وأسبابها وما ستؤول إليه. ولا يسعنا هنا إلّا أن نُذَكِّر بإصرار دبرطيون في كل المناسبات على ذكر “شهداء التقراي” داخل خنادق “الشعبية” في بركة والساحل، والعاقل يفهم، هذا بالرغم من أنّ أضعافهم مئات المرات قد قضو في الحرب العبثية 98-2000.

الأكثر إيلاما في هذه الدراما المتخلفة كان سوط دبرطيون الذي ألهب به ظهورنا هذه الأيام، وهو المتمثل في ظهور أعلام الأقازيان في كلّ مكان وصلت إليه أيديهم، ووصول منشوراتهم الورقية التي أغرقت الجزء الجنوبي من إرتريا. هذه الأحداث كانت لا تمثل شيئاً بالنسبة لإبن تمبين حيث لم يعرها هو وإعلامه أدنى اهتمام في تعبير عن أَنّ ذلك لا يمثل أكثر من “مشروعه يتحرك بأيد أخرى” كما نسمع ذلك دائما من إسقاطات تسفاطيون كلما تحدث عن خيانة إساياس لقضيته!! أو ربما يأمل إساياس في أن يستفيد من هذا الأمر بعبعاً آخر للاستمرار في مشروع الإقصاء الممنهج الذي دأب عليه وأعوانه من التقراي كما يكرّر ذلك دبرطيون في الجانب الآخر من حلف الأشقياء.

 

المنظّمين الملتزمين

أخرج التقراي، اصحاب الحفل والمحفل، أفضل ما لديهم فيه ليظهروا بمظهر الراقي والمتحضر. ولم يكن الجندي الإرتري الهزيل على أدنى علم ومعرفة وحتى استعداد لهذه المناسبة إلا كعهده بقرارات إساياس حيث أُمِرَ بالخروج من دفاعاته تاركا سلاحه وراءه ليظهر من وراء التلال إلى المحفل الذي لاعلم لأحد به إلا الطاغية ونجله. وقد كان منظرهم يوحي بحال الأسرى، يسيرون مكسوري الجناح، منكسي الرؤوس، باتجاه أرضهم التي يستضيفهم فيها التقراي!! كان هذا منظراً مؤلماً للغاية حين تقارنه بالجندي الإثيوبي الذي بدا عسكريّاً متكاملاً في مظهره وتحركاته، ثم وجوده المسبق في مكان المحفل وانتهاءاً بالمهام التي أوكلت إليه من ضبط للأمور وتأمين للمحفل.

الدكتور أبي أحمد وإساياس ود. دبرطيون جميعهم كانوا في مهمة الرفع من قدر الإنسان التقراوي أمام المواطن الإرتري الذي أصرّوا على إهانته وأمعنوا في تشويهه، ثم قاموا بالترحيب به ضيفاً على أراضيه السيادية، مما قد يوحي بأجندات خفية أكثر تعقيداً. هذا بالرغم مما بدا للعيان بأنّ منافسة ما كانت محتدمة بين إساياس ودبرطيون حيث كان كل منهما يسعى لاستخدام (بائع العواطف) د. أبي أحمد ليسرق من الآخر تعاطف شعبه.

 

أخيراً… شفافية التقراي وضبابية الشعبية

هذا الأمر يلخص مجمل الأزمة ولذلك أود ان أنهي به حديثي إليكم اليوم فالفرق الوحيد بين إبن تمبين وإبن شري يتمثل في أنّ دبرطيون قد أبلغ شعبه بما يحدث، وأعلم مواطنيه بالمتوقع حدوثه فليس لديه ما يخفيه، ومن ثم الكلً يؤدي دوره بعلم والكلّ يعلم أين يلتحم ومن أين يبدأ وأين ينتهي. وفي المقابل كلّ إرتريا لم تَعِ ما يجري من هول المفاجأة، وكل إرتريا لا تعلم ما الذي يجري ولا أحد في إرتريا يعرف حقيقة ما سيحدث. اللعبة في مجملها بيد القاتل المحترف إساياس أفورقي الذي احترف قتل الإرتريين وإهانتهم وإمتهان كراماتهم. اللعبة كلها في يد الشخص الذي افتعل الحرب الطاحنة بالتعاون مع أهله في الجانب الآخر من نهر مرب ولم يسائله احد عما جرى!! ثم عشرون سنة من وقوف الحال وانهيار المجتمع وتفشي الفساد بكل أنواعه، وتشرد الأسر وتشتّت الإنتماء وهجرة كل الطاقات الارترية وانهيار سمعة المجتمع الارتري، كل هذا أبدع في اختراعه في سبيل ما ادعى “أنّ إثيوبيا لم تسلّم بادمي بعد”. ثم أتى هذا مهرجان الصّخب والسّخف الذي ترون في الوقت الذي تظلّ فيه “بادمي” أسيرة إحتلال (إثيوبي-تقراوي-تمبيني)!!!

 

بشرى بركت

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=43576

نشرت بواسطة في سبتمبر 20 2018 في صفحة البشرى, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

2 تعليقات لـ “متى سيكون الإحتفال في بادمي؟؟”

  1. مرحبا بالأستاذ الفاضل هنقلا،
    بالفعل ستعود بادمي باستعادة إرتريا، فلم تذهب إلا بذهاب إرتريا “وبعودة الأصل تعود الفروع” لا شك.
    كل الإحترام

  2. الاخ /بشرى . اولاً حمد الله على السلامة .. قراءة تلامس خريطة الأحداث برؤيه موضوعية .. اما بخصوص السؤول متى سيكون الاحتفال في بادمي..؟؟.عندما تعود ارتريا المختطفة الي اَهلها .. وبعودت الأصل تعود الفروع .. “وتضك الحياة لشعب الذي انتصر” …

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010