محطة تاريخية

سبتمبر له مفهوم ودلاله عند الشعب الارتيري ولهذا يختلف الفتاح من سبتمبر عن أي شهرمجرد من هذه الدلاله..ووفق هذا العمق في المعنى أصبح محطة تاريخية مهمة ، نتوقف عنده ،حتى نتزود منه بوقود الإيمان ..و كلما تطلب الأمر ،نقوم بمراجعت الذات عبر إعادة قراءة لسرديات التاريخ ،وننطلق نحو المستقبل.. وضمن هذا الفهم نبدأ القراءة ،كالتالي…
انتقل عمل القوى الوطنية من مرحلة الي أخرى.وكل مرحلة لها صياغات برنامج سياسي يناسب طبيعة المرحلة.اي وفق ما تمليه ضرورة المرحلة….وهكذا شق طريقه العمل الوطني ..في المحطة الأولى” كتلة لاستقلال ارتيريا” والثانية فترة حركة تحرير الارترية “كلا المحطتان لم تأت بالنتيجة المطلوبة..نتيجة ضعف العامل الذاتي المتمثل في غياب القوة الموحدة في مواجهة التحدي…يضاف الي هذا عامل آخر..ووهو حضور آلة العدو التي قامت ببطش منظم ضد حراك المطالبين بالاستقلال…وبرغم من ان شعار مناهضة الإستعمار كان واضحا وشفافا. لكن كما ذكرنا نتيجة عدد من العامل الذاتي والموضوعي، وصلت مطالب الحراك السلمي بحق تقرير المصير إلي طريق مسدود..وان انسداد الطريق المؤدي إلي حق تقرير المصير ، لم يزرع فيهم اليأس ولم يتركوا لليأس فرصة ان ينال منهم..بل تمسكوا بحبل الأمل.. و بحث عن وسائل أخرى ،تأخذ بيده نحو تحقق الهدف.. و بعد استمرار متجانس لمسار مقاومة الاستعمار من قبل الكتلة الاستقلالية ثم حركة التحرير ،و أتت مرحلة تأسيس جبهةالتحرير نتيجةتراكم التجربة.. ورفعت الثورة شعارات ترسم صورة المستقبل عبر إعلان الكفاح المسلح حتى دخل المشروع، مشروع مقاومة الاستعمار الي مرحلة العنف الثوري..وان فعل الكفاح المسلح انتج علاقةعمل جديدة لم تكن ملموسة في عمل المحطات السابقة.. وهذا الذي ميزه عن الازمنة السابقة.
وان العمل النضالي الارتيري بغض النظر عن اختلاف المحطة وشكل التنظيم ،لكن من المؤكد كان العمل من البداية حتى النهاية أنه مرتبط مع بعضه البعض بخيط مقاومة المستعمر .. وبعد إعلان الكفاح المسلح مرت الثورة الارتريةبتجربة هبوط وصعود وهذا شئ طبيعي ، اي عمل في بداياته يواجه مثل هذا النوع ، بدرجة اقل أو اكثر على حسب حضور الوعي في مواجهة الإشكالية … والثورة الارترية كأي ثورة استفادت من تجارب حركات التحرر العالمية ، وأخذت ما يفيدها من التجربة وتركت مالا يناسبها، و عززت تجربتها عبر مراكمة التجارب المكتسبة ،وانتقلت الي محطة تاريخية اخرى، بعد ان تخلصت بوعي من نسخة العمل غير المواكبة للتطور ..
ونكرر ما قولناه في مناسبة اخر ى ، ان تجربة الجبهة مرت بمحطات مختلفة..
المحطة الأولى من 1961الي 1964..
والمحطة الثانية هي من عام 1965 الي مؤتمر ادوبحا ..
والمحطة الثالثة هي مرحلة المؤتمرالاول والثاني ..التي تبلورت فيها بشكل واضح شخصية جبهة التحرير الاريترية ،بانها ثورة وطنية ديمقراطية..
والقاسم المشترك بين كل هذه المحطات هو المشروع الوطني الذي كان يتجذر عبر خطاب ثوري ذو مرجعية فلسفية يديرها وينظر لها حزب طليعي عبر مدرسة الكادر والسمينارات والمجلات والنشرات الداخلية ،واجهزة التنظيم المختلف.. وهكذا كان يتقدم مشروع التحرر الوطني محاربا كل مخلفات الاستعمار في الواقع الاجتماعي والثقافي ..وبهذا النفس الوطني والديمقراطي ،أصبح المشروع الوطني اكثر حضورا في وعي الناس وعلى ارض الواقع.. ورافق هذا انتشار واسع للثورة ، وغطى هذا الانتشار معظم جغرافية ارتيريا .وعلى الصعيد السياسي أصبحت القضية اكثر حضورا إقليميا ودوليا..
وهنا يسأل السائل..مادام كانت تسير الأمور بهذه الطريقة ، عمل وتنظير واعي ..لماذا تعطل القطار قبل ان يصل الي أهدافه ..؟. ان أزمة الجبهة متأتية من توقف العمل الذي كانت تعمل به ،وهو الوقوف مع الذات من خلال المؤتمر أو عبر السمينار ،وتزيل العوائق ،عبر عناصر التصحيح وإعادة البناء.
ثم ينطلق النظيم متسلحا برؤية تناسب شروط المرحلة القادمة ..وان غياب هذا الأخير اي عدم مراجعت الذات في الوقت المناسب عطل عجلة السير ،وهذا العطل فاقم الأزمة مما تسبب الي تدهور حاد ..وهناك أيضا عامل إضافي ،وهو حرب الجبهة الشعبية و تحالف الوياني ضد جبهة التحرير..أي تدخل عنصر اجنبي لأول مرة في الصراع الداخلي ،الارتيري الارتيري..وهذا يعتبر انتهاك للسيادة الوطنية الارتيرية..كل هذه الأحداث كانت كفيلة في انهيار التنظيم الجبهة..وعندما وقف سؤال الأزمة طارح الإشكالية على التنظيم… تعددت الاجابة.. وهذا بدوره افرز تنظيمات بعدد الأجوبة، وكل الإجابات ،لا تلامس السؤال.. أي كل إجابة لسؤال الأزمة كان ورائها تنظيم.. والي يومنا هذا آثار الأزمة واضح على المشهد… و العقل السياسي حتى الآن عاجز عن الخروج من الازمة…
وفي الختام نقول ..ان كل محطة لها شروطها التاريخية ويجب ان تقرا ضمن هذا الفهم .. وان جبهة التحرير الارتيرية خاصة بعد المؤتمر الوطني الأول استخدمت التنظير وجاء العمل اكثر نضجا …ولا يوجد عمل بدون تنظير ، والتنظير هو تصور مسبق لطبيعة العمل قبل ان يتم تنفيذه على ارض الواقع .. وعبر هذا التنظير الهادف تم خلق وعي يساهم في تغير الواقع نحو الأفضل، وكذلك لعب هذا التنظير الهادف دور في تحرير المجتمع من ماضيه المتخلف …والتنظير كان يتم عبر المثقف الجمعي اي الحزب الذي كان يقوم بإنتاج الوعي من اجل التغيير المنشود ،وكذلك يقوم ببناء الإرادة الجماعية عبر الثقافة والفكر ،وهكذا كان يمارس دوره التوعوي عبر الامتزاج في الواقع الذي يراد تطويره نحو الأفضل … .

                                       - 2-

برغم ان سقراط احد مؤسسي الفلسفة الغربية، لم يترك كتابا، لكن نقل إلينا أفكاره عبر روايات تلامذته..وهذا مانحتاجه اليوم ،نحتاج الي الراوي لتلك السرديات وتفاصيل العمل اليومي للنضال الإريتري …
هناك كان عمل منظم ينطلق من رؤية استراتيجية واضحة للمعركة ..
تحدد من هو الصديق ومن هو العدو… الأعداء هم : الاستعمار الاثيوبي، الإمبريالية والصهيونية…الخ.
ووفق هذه الرؤيةالواضحة كان يمارس تنظيم جبهة التحرير الاريترية نشاطه السياسي والعسكري .. وحتى نصدر حكما ،علينا ان نقف على ارضية تلك اللحظة من تاريخ نضال الشعب الارتيري ،ونطرح التساؤلات على المحطات بلغة تقصي : هل كان هناك تنظير يوجه عمل جبهة التحرير اليومي .ام كان عمل عفوي..؟الدليل الشفهي يقول :
إذا اردنا ان نتعرف على الخطاب التنظيري لثورة الارتيريا، وبشكل خاص الجبهة نجد هذا التنظير مجسدا في شكله الأولي ، في البيانات السياسية ،والكتيبات، وفي سرديات بعض المناضلين ،صحيح هذه اشارات، او هي مادة أوليةتوضح لنا رؤية التنظيم.. لكن لا تكفي لملامسة عمق العمل النضالي …
إذاً إذا اردنا ان نصل الي نتائج سليمة يجب ان نتجنب التفسير الكسلان والخاطئ لاحداث الماضي ،وحتى لا يحدث هذا علينا ان نمارس الحفر المعرفي بصورة حيادية…
واذا ما اردنا ان نتحدث عن تجربة الجبهة نقول بشكل اولي.. : – استطاعت الجبهة بناء قوى جماهيرية موحدة خلف شعاراتها وتم تنظيم هذه الجماهير حتى تسهم عبر قنواتها االفئوية والنقابية وعبر هذه القناة كانت تمارس النقد والنقد الذاتي وكانت تتمتع باستقلالية نسبية في اطار الجبهة.. وربرغم من هذا العمل التنظيمي المتقدم
هناك مشكلة حقيقة ماثلة أمام قارئ التاريخ لهذا التنظيم ..
اولا – ندرة الوثائق المكتوبة وما هو متوفر هي المرويات الشفهية،وهذا لا يكفي لقراءة والوصول الي نتائج منطقية..
ثانيا- ان وثائق الحزب التي تتحدث عن التنظيم ،وآليات عمله في فهم الواقع الاجتماعي ،والاقتصادي ،والسياسي ،لم تصل كما يجب هذه المادة التاريخية ،الي يد الباحث اوالقارئ الناقد الذي يقوم بتحليل وقائع الأحداث ..
ولهذا تحوم الشكوك حول مصداقية وجود مثل هذه المادة التاريخية على ارض الواقع ..وسوف تتعزز هذه الشكوك كلما طال الصمت ،وعدم إظهار السردية..ولهذا يجب ان نسجل تاريخ هذه التجربة وبأسلوب منهجي .. ثم وضعوها على سطح طاولة الواقع..
وفي الختام ان نجاح الثورة لم يأت من فراغ.. بل هناك شروط لهذا النجاح …
ان اهم شرط من شروط النجاح لقوى الثورة ،هي الرؤية الواضحة للعدو ،ويتم تعزيز الرؤية وفق ضرورة معركة حركة التحرر ،وعبر هذه الرؤية الواعية دخل النضال الي مرحلة اكثر نضجا ،وكان يقود هذا العمل تنظيم طليعي يحول الفكر الثوري الي ممارسة ثورية ..
ويقول لوكاش عن هذا النوع من التنظيم قائلا إنه جسر التوسط بين الفكر والممارسة .. اما غرامشي يسمه المثقف الجمعي او الأمير الجديد خلافا لأمير ميكافيلي المجسد في الفرد …
وهذا التنظيم عبر برنامج سياسي وعسكري كان يرسم ويخطط بما يتناسب أهدافه ومرحلة التحرر التي كان يتصدى لها .. وكان يعبئ ويجند من خلال برنامجه السياسي والعسكري ،ومن هذا البرنامج كان يستمد العضو نشاطه النضالي وقوته ،وانضباطه في مواجهة العدو..
وانطلاقا من رؤية برنامج التنظيم كان يتم تحديد الأصدقاء الحقيقين والأعداء الحقيقيين . وعبر مدرسة الكادر ودورات تدريبية اخري كان يقوم ببناء نظري وتنظيمي لعناصره. وهكذا كان يخلق الوعي السياسي اليومي..وعبر هذا النشاط الواعي يوفر القدرات الإدارية للتنظيم . اما على الصعيد المجتمع عبر آليات مدرسة الثورة استبدلت الجماهير عاداتها المتخلفة بما هو حديث ،وثوري ،يناسب مرحلة التحرر الوطني.وهكذا كان حضور التنظيم عبر الفعل المسلح بالوعي الثوري . واخيرا نكرر ما ذكر في أعلى الحديث…
ان تاريخ الكتلة الاستقلالية ،و حركة تحرير ،،ومرحلة التاسيس جبهة التحرير ..كان الخطاب ذو بعد واحد.
لا يوجد تمايز من حيث الفعل والممارسة..انه استمرار متعاقب. . وان واجد الاختلاف كان في الزمن والاسماء . وان تبويب الأحداث وفق منهج قراءة التاريخ لا يعتبر تزيف..وللتزييف له دلالة اخرى، اي الخروج عن المسار وخلق وقائع واحداث ،او الإنكار بالحقائق كما يفعل الاقازيان …إلخ
اما الانعطاف التاريخي كان في ٦١،وهناك اختلاف بين انعطاف في التاريخ ..والانعطاف التاريخي على حسب رأي مهدي عامل المفكر اللبناني ،،،بمعنى المنعطف التاريخي يحدث تحولات في البنية الاجتماعية والسياسية..وبتالي انطلاق الكفاح المسلح في 61سبتمبر بقيادة القائد عواتي ورفاقه من الرعيل الاول، يتميز هذا الحدث عن الأنشطة السياسية السابقةعنه.. بأنه حدث تاريخي،صنع تحولات في مسار سير العمل النضالي.. إذن هو منعطف تاريخي..

محمد إسماعيل هنقلا
ملبورن 22\10\2 نشر في فرجت
ويتم إعادة نشره مع بعض التعديلات

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47097

نشرت بواسطة في أبريل 15 2024 في صفحة المنبر الحر, مواقف تأريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. يمكنك ترك رد او اقتفاء الردود بواسطة

رد على التعليق

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010