وكذا الجوار العربي !!

بقلم : بشرى بركت

لا تجادلوني ولا أقبل بأن أجادل أحدا (في الوقت الرّاهن) بشأن إنتماء إرتريا لمحيطها العربي من عدمه فهذا شأن يمكن أن نناقشه حين نبدأ في برنامج عملي لإستعادة حقوقنا المسلوبة، فنحن اليوم لا نحتاج إلى جدل عبثي بقدر إحتياجنا إلى برنامج عمل نبني عليه المستقبل المنشود لأمّتنا المسلوبة الحقوق قسراً وإستهدافاً، ثم أنّ واقع الحال ظلّ وسيظلّ يؤكد روابط الدّم والتأريخ والموروث واللسان والجيرة والمصالح والمصير المشترك، فلا تعريف أهمّ من إقرار هذا الواقع.

قد يأتينا رأي نازق هنا أوهناك، لا يعير هذا الواقع أدنى إهتمام فيرمي بكل ما أوتي من قوة نحو ضرب هذا الواقع في مقتل فيقول بإفريقية إرتريا وأن لا فائدة من العروبة التي لم تُفد أهلها، ولكن عروبتنا نحن عروبة دم وأصول وجغرافيا، وعليه فهي شأن غير قابل للتّغيير، وستُبنى عروبة قادم الأيام حولنا وليس أن نُدعى إليها فنستجيب او لا!! لننتمي لها كما هو الحال مع النظام الجاثم على صدورنا.

لا يجول بخاطري اليوم شيء غير أن نُنظّم أنفسنا ونستفيد من كلّ المُتاح أمامنا حتى نكون في دائرة الفعل، وممّا يمكن أن يُستفاد منه في هذا الإطار هو الرّوابط القويّة مع الجوار العربي التي يمكن أن تعيننا في تحقيق المصالح الإستراتيجية المشتركة، ليس على الطريقة الفلسطينية كما فعلنا في سابق عهدنا بالعمل مع الأنظمة العربية بحيث نسلم زمام أمورنا لها ونكون كارتاً رابحاً أو خاسراً حسب ظروف اللّاعب، فلا مجال لتسليم زمام أمورنا لننحدر مع كل إنحدار تراه السّاحة كما هو واقع حال القضيّة الفلسطينية حتى إنزوت إلى الهامش بعد أن كانت أُمّ القضايا.

قد نحتاج إلى أفكار خارقة تتفتّق بها أذهانكم سادتي، فأنتم اليوم كل الأمل وليس لديكم شيء أكثر أهمية من إستعادة أرضكم وكرامتكم بناءً على المبدأ القرآني الواضح “وأخرجوهم من حيث أخرجوكم” ولن ينتهي هذا بالشعار ولن يكون العمل بالإلقاء بالنفس إلى التّهلكة والهرولة نحو العمل الفردي، فما نحتاجه أكثر من الإنتقام وأخذ الثأر وتغيير نظام، بل نحتاج إلى أن نحسن الأداء ونعمل على إعادة الوضع الديموغرافي إلى ما كان عليه يوم أن إحتلت بريطانيا بلادنا، ذلك الإحتلال الذي كان إيذانا بفتح الباب على مصراعيه لهجرة أبناء التقراي إلى إرتريا وفتح باب التهجير القسري إلى حد ما للإرتريين بتجنيدهم في الجيش البريطاني ونقلهم بأسرهم إلى السّودان وإغراء كثيرين آخرين برغد العيش هناك، في إطار إستراتيجية الحلفاء لمكافأة إثيوبيا الدولة التي كانت تعتمد الكنيسة الأورتودوكسية محوراً لتمدّدها نحو إرتريا وذلك لدورها في دعم الحلفاء في الحرب العالمية الثّانية، وأمل الحلفاء فيها بأن تكون محور إرتكاز لهم في المنطقة التي سيستهدفون لاحقاً بزرع كيان يؤرق أهلها بصفة دائمة هو الكيان الصهيوني الذي يدخل وجوده في لُبّ العقيدة الاورتودوكسية.

وللفوز بعمل ناجح في إطار واقع أوضاعنا الداخلية وأحوال جوارنا العربي المُنهك نحتاج إلى عمل على أعلى المُستويات تنظيميّاً، وقد يكون أحد المقترحات الذي لن يكون أكثر من نقطة في بحر مقترحاتكم أعزائي أن نقوم بتشكيل جمعيات صغيرة، كلّ في مدينته التي يعيش فيها في العالم العربي والعمل على تعريف إرتريا العربية المحتلة أجنبيا والمهملة عربيا. فالعمل القاعدي في دول يصعب التّكهن بسياساتها هو الحل الأمثل حين توائم عملك مع الواقع المكاني، ثمّ التّنسيق مع المُؤسّسة الأم عبر المتاح لك وغير المتاح لغيرك من القنوات التي سيقوم عليها هيكل عملك التنظيمي.

لا خيال في ذلك سادتي، فنحن نعيش في حلم إستعادة حقوق تئن من تراكم الظّلم والأحداث فوق رأسها وعليه فإنّ على كل محاولة لابد أن تضع نصب عينيها الهدف الأسمى لنا، قد تشبه ضرباً من الخيال بالنّظر إلى واقع يراه بعضنا أزليّاً، إلّا أنّ التّأريخ علمنا بأن لا دوام للظلم وأن لا ديمومة لحكم الأقليات مهما كانت الأغلبية ضعيفة، وأن الفوضى التي تعيشها منطقتنا في مجملها سوف تنجلي وإن تّركت غوائر الجروح وأصاعب الأزمات.

الجوار العربي في مجمله يعلم علم اليقين أنّ إرتريا محتلّة اليوم من قبل كيان غريب على شعبها إلا أنّ هذا الجوار يتعامل مع الواقع حتى تستمرّ مراكبه في المسير، ثم حتّى يأذن الله بأمره في أن يكون هناك إعادة الوضع إلى طبيعته، فأيّ تعامل مع النّظام لايعني إقراراً لما يحدث بل أداء غلب عليه واقع الحال. وبما أنّ واقع الحال في بلادي وبلادكم يقول أنّ كل شيء يتم تغييره بشكل يومي بحيث نكون مفصولين عن إنتمائنا العربي موصولين بإنتمائهم الحبشي ، فإن الأمر يحتاج إلى برنامج عمل بعيد المدى، يهدف إلى ترسيخ أصولنا وإنتمائنا لجوارنا وبني جلدتنا ولساننا.

صحيح أنّ من في وضعنا الحالي لا يساعده أن يستند على من كان حاله حال العرب اليوم ولكننا سنعمل بشيء من الإختلاف عمّا كان سائداً حين كان كل قائد عربي مستفرداً بمجموعة منّا والغُربُ ينخرون في عظام قضيتنا حتى أتو عليها، كنّا نعلم ذلك ولكن القيادات في الجوار العربي حينها لم تكن لتهتمّ إلّا بمصالحها الآنية، ففشلنا وفشلوا وإنتصر العمل الجاد والأجندة المحكمة لأعدائنا الألدّ.

ما العمل إذن؟

الشعوب لن تموت والمصير المشترك لأمّتنا حتمي إذا أعملنا العقل والحكمة، وعملنا في كلّ تحرّك بقدر ما نستطيع أن نحقّق وهذا إن دلّنا فإنما يدلنا على الرؤية بعيدة المدى والعمل الشعبي الهادئ. ولنا أن لا ننس دوماً بأن الهدف الأساسي لأيّ تحرّك مستقبلي هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الإحتلال الإنقليزي، فهذا حلم لن نعيش كرماء إلا بتحقيقه بشتّى الوسائل.

الأنظمة تقام وتزول والشعوب تتألم وتستمرّ والرّهان على الشّعوب هو الحلّ الأمثل، وعليه يكون العمل الشعبي الهادف إلى الوصول إلى الفهم العام بعروبة إرتريا وبأهمية المصير المشترك لأمتنا وبحقيقة أننا أصل العرب، وأنّ النّظام الذي يدّعي تمثيله لشعبنا ليس إلّا قوة إحتلال مقنّع، وعليه نحن مدعوون في كلّ أماكن تواجدنا بالعمل للوصول إلى المنظمات الأهلية والتشارك معها كلّ بحسب معطيات مكانه، بالإضافة إلى صغائر الجمعيات والمدارس التي نلحق بها أطفالنا لنُعرّف المجتمعات العربية بواقع حالنا، وجوهر آمالنا.

أمّا الأنظمة القائمة حالياً لها من المعطيات ما يمكن أن يضطرّها إلى العمل معنا بالتعاون مع منظماتها الأهلية المدعومة والمُعتمدة حكوميّاً إذا ما تحقق فينا ما لا نرفض وهو رفض العُدوان الإيراني المنظّم على المنطقة بأسرها.

لن يطلبوا منّا شيئاً غير ما نستطيع أن نقدّم بإعتبارنا لا حول لنا ولا قوة. وعليه فالتّواجد في أنشطتهم ممثّلين لشعب ينتمي إليهم سيكون كل مايريدون منّا، ولنا في ذلك من الفائدة ما يمكن أن يكون أكبر مما نتصور بإعتبارنا نمثل لهم في تلكم اللحظة شعباً هو جزأ منهم، الأمر الذي سيوجد فرصاً لطرح القضية بالمتاح من الأساليب وبحسب المسموح لنا به من مساحة القول والنشاط. وهذا سيُوصل الفهم العام في تلك البلدان إلى شيء من جوهر قضيتنا.

ولا تنس عزيزي القارئ أنّك ذاك الغريق الذي يتعلق بقشّة أو بمعنى أدق يتمسك بكل المتاح له من فرص.

إنّه العمل الإجتماعي الفردي والجماعي الذي بإستمراره سيوصلنا إلى الرأي العام في تلك الدول، وبما أنّنا أصحاب مشروع بعيد المدى ونعلم علم اليقين، أنّ الشّعوب هي الباقية هنا وهناك وأنّ الأنظمة بائدة ومتغيّرة هنا وهناك  ولنا الرّهان على التّركمات التي سنترك في ذاكرة الشّعوب  التي ستتعاطف معنا إن لم تستطع التعاون حين نُقرّر أن نخطوا جدّياً لإيجاد مسلك عملي إلى حقوقنا المسلوبة.

إذا أقررنا بواقع الشّعوب على أنه أمر دائم فبالتبعية أنّنا نقرّ بواقع أمرنا على أنّه دائم وأن لا عودة لنا إلى الوضع الطبيعي الذي نسعى لتحقيقه وهو إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الإحتلال الإنقليزي.

وعليه لا خيال فيما أقول أكثر من كونه برنامج طموح لكلّ مجتمعاتنا تحقيقاً لإنتماءاتنا نحن في إرتريا ووصولاً للمصلحة العامّة لمجمل منطقتنا وشعوبها.

الأمنيات الطيبة لكم جميعاً بعام جديد نعمل فيه سويّاً للوصول إلى غاياتنا المنشودة، سواء من كان منّا في الساحة ومن سيكون فيها قريباً، فاستبشروا بالخير الذي يأتي بالصبر والمثابرة، نبدأ بالحديث عن أولى خطواته مع أولى أيّام العام الجديد.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38260

نشرت بواسطة في ديسمبر 19 2016 في صفحة البشرى, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

1 تعليق لـ “وكذا الجوار العربي !!”

  1. 4

    أفكار عملية يمكن الاستفادة منها… والتفكير بالصوت العالي كالذي يفكر به كاتب المقال سيفيدنا كثيرا… وتوثيق العلاقات مع الشعوب خاصة في محيطنا العربي سيفيدنا كثيرا على المدى الطويل.
    شكرا بشرى على التفكير بصوت عالي.

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010