الأسرة الإسلامية المشاكل والحلول

محاضرة  في مخيم الجالية الإرترية بدوغر جنوب لندن رحلة 2004.

 

الأمر الرباني بتأسيس الأسرة

·   لقد خلق الله الإنسان، وخلق له من نفسه زوجا يسكن إليها، وتسكن إليه، فقال تعالى:( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونسآء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.).

وقال: (فاطر السماوات والأرض، جعل لكم من أنفسكم أزواجا، ومن الأنعام أزواجا، يذرؤكم فيه، ليس كمثله شيئ، وهو السميع البصير).

من ضمانات استقرارالأسرة.

لكي تستقر الأسرة لا بد أن تبنى على أسس ترتكز عليها، في تأسيس ذاتها، من هذه الأسس التي أرشدنا إليها الإسلام ما يلي:-

·   الصلاح والتقوى. فكل من الشاب والشابة، وأسرتيهما، أن يهتما بالخصال الإيمانية، والأخلاقية في الآخر، عند الإقبال إلى الزواج، فتوفر مثل هذه الخصال، مما يهون حل كثير من المشكلات، التي لا بد أن تشهدها الأسرة المسلمة، لسبب وآخر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) . ( إذا جاء كم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فأنكحوه. ثلاث مرات).

·   الوسط الخير وحسن المنبت. فالولد لا يكتسب صفاته من أبويه فحسب، بل من أجداده كذلك. وقد أثبت العلم أن الأبنآء يتوارثون صفات الآبآء، والأجداد.

·   الجمال وحسن المنظر. لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة، فمن السعادة المرأة تراها تعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها، ومالك، والدابة تكون وطية، فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة المرأة تراها تسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفا، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركبها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق).

هذه نماذج مما أرشدت إليه السنة النبوية، في بناء الأسرة المسلمة، ولا بد أن تكون منارة يهتدي بها، عقلاء المسلمين في بنآء حياتهم الأسرية، ويعزف عنها جهالهم، ممن لا يوقرون النصوص الشرعية، فإن السنة هداية، والبدعة غواية، والجهل حماقة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

المشاكل والحلول.

الخلاف بين الزوجين أمر طبيعي، وبالذات في الأيام الأولى، لأن كل واحد منهما جاء من بيئة منزلية، قد تختلف عن الآخر في التعامل، ولكل واحد منهما مزاجه الخاص به.

وفي هذه الحالة على كل واحد منهما أن يفهم الآخر، ويعمل قدر جهده على التكيف معه والتكامل معه. وأن يتجاوز كل منهما عن خطأ الآخر، وأن يتمتع كل منهما ببعد النظر، وأن يعترف كل منهما عن خطئه أمام الآخر، ويطلب منه المسامحة والغفران. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.

ويقول: إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله.

 

أهم مسببات المشاكل الزوجية.

ثمة مسببات عديدة للمشكلات الأسرية، التي تهد وتهز استقرار الأسرة الإرترية في المهجر، وهي مسببات عامة، تلمسها في كثير من أسر الجالية المسلمة في بلاد الغرب، منها:ـ

أولا: النفقة.

النفقة في الشرع الإسلامي واجبة على الرجل، مهما كانت المرأة غنية، فهي أساس قوامته الثابتة له بقوله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم). وطبعا هذه النفقة تكون في حدود القدرة المالية، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وهنا تأتي مشاكل مساعدات الدولة، التي تقدم للأم وأبنائها، وهذه المساعدات تقدم أصلا للأسرة محدودة الدخل، ومنها ما هو خاص بالأطفال، فإذا كان رب الأسرة معسرا، ليس له عمل، أو أن دخله محدود فتكون هذه المساعدة بمثابة النفقة التي يجب أن تصرف على مصالح الأسرة، بالتنسيق والتشاور بين الزوجين، ولا تسلب الرجل قوامته أصلا، ولا يحق للمرأة أن تحتكرها لنفسها، كما لا يحق للرجل أن يصرفها في كمالياته.

ثانيا: المعاشرة الزوجية.

المعاشرة الزوجية هي أهم مقصد من مقاصد الزواج وأهدافه، وأي خلل فيها يؤدي إلى حدوث مشاكل، وقد يكون هذا الخلل إرادي، وقد يكون غير إرادي.

فإذا كان غير إرادي يجب أن يتعاون الزوجان في حله بالأسباب الشرعية، والمعالجات الطبية، عسى أن يجدا له حلا.

وإن كان إراديا فيجب تصحيح الوضع، وتهيئة الأجواء المثيرة، التي تشد كلا من الزوجين نحو الآخر، فإن ذلك مما يعمق بينهما المحبة، كان ابن عباس يتزين لزوجته، ويتطيب لها كما تتزين له، وتتطيب له.

وتقول عائشة: كانت امرأة عثمان بن مظعون تختضب وتتطيب، وقالت لعائشة: عثمان لا يريد الدنيا، ولا يريد النسآء، فأخبرت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لعثمان: تؤمن بما نؤمن به؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسوة لك بنا. أخرجه أحمد في مسنده.

ثالثا: التعالي على البعض.

قد يتعالى الزوج على الزوجة، وقد تتعالى الزوجة على الزوج، فيحدث من هذا خلاف ونفور، والحل هو أن يحترم كل منهما الآخر، وأن تدار الشؤون المنزلية بالتشاور بينهما، والتمييز الذي ميز الله به الرجل على المرأة، إنما هو في مجالات خاصة، طبقا للفطرة.

رابعا: السهر خارج المنزل.

 قد يكون الخلاف ينجم بسبب أن الرجل يسهر خارج المنزل إلى ساعات متأخرة من الليل، مما يشعر المرأة بأنه غير مهتم بها.

والحل أن الزوج عليه أن يتحمل مسؤوليته، وأن يهتم بالأسرة كل الاهتمام، وأن يعطي المرأة حقها من الاهتمام، وأن لا يجعل السهر خارج المنزل عادة له، يؤزم العلاقة بينه وبين الزوجة.

خامسا: الطمع المالي.

 وأحيانا يكون الطمع المالي هو السبب في الخلاف الزوجي، وذلك حين تكون الزوجة موظفة، ولها دخل، فيطمع الزوج إلى مالها، فيقع الخلاف بينهما، وهنا لابد من التنبيه إلى أنه لا يحق أن تعمل الزوجة بغير أذن زوجها، وإذا ما عملت بموافقة منه، فليست ملزمة بالنفقة عليه إلا تطوعا منها، وإن المرتب الذي تحصل عليه هو حق خاص بها، لا يحق للزوج أن يطالبها بجزء منه، وله أن يأخذ إذا ما أعطته ذلك عن طيب نفس. والنفقة من واجبات الرجل، وليس على المرأة، إلا إذا أرادت المشاركة طوعا، فذلك مرغوب ومحبوب شرعا، لأن فيه التعاون على البر والتقوى، وهو سبب من أسباب تعميق الود بينهما.

 

 

 

سادسا: خروج المرأة بدون إذن زوجها.

من الأسباب المؤدية إلى الخلاف بين الرجل وزوجته، خروج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها، وهذا لايستقيم والشرع الإسلامي، ولا يجيزه أحد من علماء الإسلام، إلا لضرورة خاصة.

سابعا: خلو الزوجة ببعض أقارب الزوج.

وهذا حرام باتفاق المسلمين، فأقارب الزوج، وإخوانه ليسوا لها محارم، وكذلك بعض أقاربها، كابن عمها، وابن خالتها، وعمتها…الخ وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولا يحق لمثل هؤلاء أن يترددوا على منزل الأسرة، في غياب الأب، أو الأبناء الكبار، بحجة أنهم من أقارب الزوج، أو الزوجة وأرحامهما، ويريدون صلتهما، فإن مثل هذا الفعل كثيرا ما يجلب المشاكل، ويهد المنزل. وكم من حوادث حدثت بسبب التساهل في هذه المسألة.

 

ثامنا: الانحراف الأخلاقي لدى الأبناء، وفشلهم التعليمي.

الانحراف الأخلاقى لدى الأبناء، وفشلهم التعليمي قد يكون واحدا من أسباب المشكلات الأسرية، فعندما لاتتحمل الأم واجباتها، أو الأب واجباته، نحو أولاده، يكن انحراف في مسار الأبناء الأخلاقي، أوالتعليمي، أو الاثنين معا، وساعتها يحمل كل منهما الآخر المسؤولية، في حين المسؤولية مشتركة بينهما.

ولكي لا يقعا في هذا المأزق، على كل واحد منهما تحمل مسؤلياته التربوية، نحو الأبناء، فالمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، ولهذا لا ينبغي أن تترك المسؤولية المنزلية، والتفرغ لتربية الأبنآء، ويجب أن لا تخرج للعمل، ما دام هذا العمل يؤثر في رعاية الأبنآء، ويتسبب في فشلهم أخلاقيا وتعليميا.

إن الأطفال هم أول من يتضرر بخروج الأم للعمل خارج المنزل، إنهم يفقدون الحنان… فالأم إما أن تتركهم في رعاية امرأة أخرى، وإما أن تذهب بهم إلى دور الحضانة، وفي جميع الحالات يفقدون عطف الأمومة، وفي ذلك خطر كبير على نفسية الطفل… وينبغي أن ندرك أن تفرغ المرأة للعناية بأطفالها هو أعظم إستثمار تعمل فيه المرأة، ومن الخطأ أن نفهم الاستثمار مجرد إضافة مصدر دخل مالي، يزيد من رفاهية الأسرة، جميل أن يكون للأسرة مصدر دخل جيد ومتعدد، وجميل أن يتعاون الزوجان في تخفيف مشكلات الأسرة الاقتصادية، ولكن ليس على حساب الاستثمار في مجال الأبناء وتربيتهم، المهم ضروري أن يكون ثمة توازن يحفظ للأسرة المسلمة تماسكها وتوازنها، ويحمي أبناءها من الضياع والإخفاق في حياتهم التعليمية، والأخلاقية.

 

وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح

لندن

8/7/2005

   

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8082

نشرت بواسطة في يوليو 8 2005 في صفحة تربية وتعليم. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010